في زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى منطقة عملية الدهس في القدس بعد مرور بضع دقائق من الحادثة، ادعى أن الإرهابي الداهس سائق الشاحنة تأثر دون شك برسائل الدولة الإسلامية. ويظهر للوهلة الأولى، أن مشهد الشاحنة التي كانت تسير بسرعة متهورة وجنونية باتجاه الجنود وهم مشغولون في أمورهم، ذكّر فورا بعملية الدهس التي حدثت يوم الباستيل في فرنسا وعملية الدهس في عيد الميلاد الماضي في برلين.
في مراسم الذكرى التي جرت اليوم (الأربعاء) صباحا في منطقة العملية في القدس، والتي شارك فيها دبلوماسيون أجانب، رُفِعت لافتات حول عمليات الدهس في القدس، نيس وبرلين معا. جرت عمليتا الدهس في أوروبا بواسطة شاحنة، وأديتا إلى قتلى وجرحى، وهزتا العالم. نُسبت هاتان العمليتان إلى تنظيم الدولة الإسلامية أيضا.
ظاهريا يبدو أن المعادلة بين العملية في القدس وبين العمليتين في أوروبا ضرورية ومنطقية. قال أفراد عائلة منفّذ العملية لوسائل الإعلام إن الإرهابي مر بمرحلة التقرّب من الدين في الفترة التي سبقت تنفيذ العملية، وقد تُعززُ هذه الحقيقة الادعاء الإسرائيلي أن دوافع الإرهابي جاءت بسبب تماهيه مع رسائل داعش.
إلا أن هناك تفاصيل لم تؤخذ بعين الاعتبار، وتُلقي غموضا على هذه المعادلة. فرغم أن أفراد عائلة منفّذ العملية قالوا إنه تقرّب من الدين، فقد نفوا الشبهات أنه كان متعاطفا مع رسائل الدولة الإسلامية، ولم تُثبت بعد العلاقة الحقيقية بينه وبين التنظيم الإرهابي. بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن العملية التي نُفّذت في القدس هي جزء من سلسلة طويلة من العمليات الفلسطينية في القدس التي لم تُنفّذ على خلفية التماهي مع داعش، بل كجزء من الصراع القومي.
رغم هذه التفاصيل الهامة، سمح المتحدثون والدبلوماسيون الإسرائيليون لأنفسهم أن يبتسموا هذا الأسبوع، عندما رأوا أن علم دولتهم يعرض عبر شاشات تسلطه على رمز مدينة برلين، بوابة براندنبورغ، وبعد ذلك في بناية بلدية باريس، وفي النهاية، رُفع العلم حقا فوق بلدية روتردام في هولاند، وفق تعليمات رئيس البلدية المسلم، أحمد أبو طالب.
بعد العملية، حظيت إسرائيل بدعم كبير لمكافحة الإرهاب، وشجب العمليات من جهات كثيرة في العالم. من بين المدن التي شجبت، هناك تركيا، روسيا، إسبانيا، بلجيكا، النرويج، الولايات المتحدة، فرنسا، كندا، وألمانيا، وهذا جزء من القائمة فقط.
والأهم في كل هذا الإنجاز الدبلوماسي العظيم، من جهة الممثلين الإسرائيليين، هو أنه لم يُطلب منهم بذل جهود كثيرة لتحقيقه. إن التركيز على أوجه الشبه بين العملية في القدس وبين العمليات التابعة لداعش في الغرب، إضافة إلى تجاهل العامل القومي الذي يخصّ معظم العمليات في القدس، أديا عملهما.
الجهة التي قد تعاني كثيرا من تأثيرات شكل العملية في القدس هي الفلسطينيون تحديدًا. إن محاولة الجهات الفلسطينية منح شرعية دولية للعمليات ضد المواطنين والجنود الإسرائيليين من خلال عرضها كطريقة مكافحة قومية من أجل تحرير فلسطين، باءت بالفشل في العملية الأخيرة. إذا تم الربط بين الإرهابيين الفلسطينيين ودوافعهم وبين تنظيم الدولة الإسلامية، حتى إذا كانت شبهات فحسب، فسيصعب على الفلسطينيين الحصول على دعم دولي ومنع الصورة السلبية التي تلحق بهم، في ظل الإجماع القوي في العالم الغربي والعالم العربي ضد تنظيم الدولة.