يبدو أن سوق الغاز الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة انتعش وبذل جهدا هائلا من أجل تسويقه للعالم وخصوصا توجيه المنتجات المختلفة أيضًا للدول والأسواق العربية في الشرق الأوسط.
اكتُشفت في إسرائيل في السنوات الخمس الأخيرة احتياطات غاز تقدّر بـ 1,000 مليار متر مكّعب، ومعظمها في احتياطي “تمار” و “الحوت” (ليفياتان) (نحو 90 حتى 130 كيلومتر شمال مدينة حيفا)، والذي يعتبر أحد اكتشافات الغاز الأكبر في العالم في العقد الأخير في المياه العميقة، وقررت الحكومة الإسرائيلية في أعقاب الاكتشاف بأنّ هذه الاحتياطات يمكنها تصدير حتى 50% من غازها، وهذا يتوقف على حجمها وعوامل أخرى.
وفقا للتقديرات، فإنّه من المتوقع أن تجلب مدخولات تصدير الغاز لخزينة الدولة (الضرائب والعائدات معا) نحو 70 مليار دولار، على مدى عقود، ولكن لدى الدولة أسباب أخرى لتشجيع التوقيع على عقود مع زبائن أجانب: لأنّها، كرجال الأعمال أنفسهم، تريد تبرير الاستثمار الهائل لتطوير الاحتياطات.
إذا أخذنا حقل الحوت كمثال على ذلك، فالاستثمار المطلوب من أجل تطويره في المرحلة الأولى يصل إلى نحو 6.5 مليارات دولار. والسوق الإسرائيلية أصغر من أن تبرّر استثمار مبلغ ضخم كهذا فيه فقط. فضلا عن ذلك، فهناك أهمية جيوسياسية كبيرة لتصدير الغاز، وبمساعدته تستطيع إسرائيل ترسيخ مكانتها في المنطقة.
ولكن حتى اليوم لم تحدد إسرائيل الترتيبات المطلوبة لتطبيق هذا التصدير: أية نسب ضريبة ستفرض، هل ستكون هناك رقابة على أسعار الغاز، لمن وكيف سيتم إعطاء رخص للتصدير. وفي ظلّ هذا الغموض، تم حتى اليوم توقيع عقد ملزم واحد لتصدير الغاز، ولتوفير الغاز من احتياطي الحوت للسلطة الفلسطينية.
وهنا يطُرح السؤال إذا كان الأمر كذلك، ما هي الخيارات المتاحة لتصدير الغاز الإسرائيلي؟
السلطة الفلسطينية
تم توقيع عقد بين الحوت والسلطة الفلسطينية لتوفير منتج معيّن من الغاز. وهذا هو في الواقع العقد الملزم الأول الذي تم توقيعه في إسرائيل. إنّ القرب الجغرافي يجعل هذا الخيار سهلا نسبيًّا للتنفيذ، ولكن لا تزال هناك حاجة لوضع البنية التحتيّة لجلب الغاز؛ خط أنابيب يصل إلى محطة الطاقة التي ستُقام في جنين. وحاليا ليس هناك خط أنابيب ولا حتى مسار للأنابيب. والحديث عن توفير كمية غاز صغيرة، بحيث لا يمكن لإسرائيل أن تعتمد على السلطة كزبون رئيسي. ورغم أّنّ الحديث هو عن كمية صغيرة، فمن الناحية الاقتصادية من المفترض أن يشجّع هذا الاتفاق الاقتصاد في السلطة الفلسطينية وأن يضيف بعدا إيجابيا للعلاقات معها.
مصر
هناك ثلاثة صفقات مدرجة في جدول الأعمال: مع British Gas (الحوت)، Union Fenosa (تمار) ومجموعة شركات Dolphinus Holdings (تمار). وقد تم مؤخرا توقيع خطاب نوايا مع مجموعة شركات Dolphinus، ولكن تفاصيل الصفقة ما زالت غير معروفة.
من ناحية تقنية، فإنّ خيار التصدير لمصر سهل نسبيًّا: في حالة تمار والحوت، فإنّ خطّ أنابيب بحري سيجلب الغاز إلى اثنتين من المنشآت الموجودة فعلا في مصر وتقع على مسافة 200 و 400 كيلومتر من الاحتياطات، دون أن يضطر للمرور في دول أخرى. وفي حالة Dolphinus، فمن خلال القليل الذي نشر عن الصفقة، يظهر أنّ النية هي ضخّ الغاز في خطّ أنابيب استُخدم سابقًا لنقل الغاز من مصر إلى إسرائيل، وقد يؤدي الأمر لتشكيل خطورة على الغاز.
من ناحية اقتصادية، فإنّ خيار التصدير لمصر معقّد. فالوضع الاقتصادي لدى مصر ليس جيّدا بشكل خاصّ، والسوق المصري مدين بأكثر من 6 مليارات دولار لمورّدي الغاز الذين عملوا في البلاد. وكذلك فإنّ الظروف الجيوسياسية معقّدة جدّا. تعلو في مصر كلّ فترة أصوات معارضة للصفقات من أي نوع مع إسرائيل. وفضلا عن ذلك، فهناك مخاطر أمنية في الصفقة مع Dolphinus. لقد خرّبت عناصر إسلاميّة سابقا خطّ الأنابيب الموصول بخطّ النقل المخطّط له في سيناء، ومؤخرا فقط أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن حالة الطوارئ في المنطقة بعد حدوث عملية إرهابية في المنطقة.
الأردن
وفي جدول الأعمال أيضا هناك صفقة كبيرة واحدة مع الحكومة الأردنية (الحوت) وصفقات أخرى مع عملاء خاصين (تمار).
إنّ التصدير للأردن هو خيار رخيص وسريع لأنّه يتطلّب كيلومترات قليلة فقط من خطّ أنابيب برّي. تستطيع إسرائيل أن تعرض على الأردن غازا رخيصا من أي عرض لمورّد آخر، والسعر الذي ستتلقاه مورّدات الغاز الإسرائيلية مقابل الغاز سيكون أكبر من السعر في إسرائيل نفسها، هذا ما ذكرته مؤخرا الصحيفة الاقتصادية الإسرائيلية غلوبوس.
لدى إسرائيل مصالح واضحة في الحفاظ على علاقاتها مع الأردن وتعزيز المملكة. وفقا لتقديرات خبراء في مجال الطاقة، فعلى الرغم من التوتر بين إسرائيل والأردن، سيتمّ تنفيذ صفقات مع الأردن. وبحسب كلامهم، فإنّ الأردن بحاجة إلى الغاز الإسرائيلي لأنّها صفقات طويلة الأمد، نحو 15 – 20 عامًا، ويدرك كلا الطرفان أنّه سيكون هناك مدّ وجزر في العلاقات بين البلدين.
تركيا
هناك الآن حديث عن تصدير الغاز بين تركيا وإسرائيل، ولكن ليس هناك حتى اللحظة صفقة ملموسة مدرجة في جدول الأعمال. وتعتقد شراكات الغاز وخبراء في المجال أنّ الخيار التركي لا يزال قائما، رغم العلاقات المضطربة بين البلدين. وإذا كان سيتمّ تصدير الغاز لتركيا، فسيجري ذلك بواسطة خطّ أنابيب بحري يصل من احتياطي الحوت، عن طريق مياه قبرص، حتى أقصى نقطة في الجنوب التركي، والتي تقع على مسافة نحو 585 كيلومترًا من الاحتياطي. وتعتبر المياه بين البلدين عميقة نسبيًّا، وهذا يزيد من تكلفة بناء خطّ أنابيب إلى 3 مليارات دولار.
يستهلك الاقتصاد التركي أكثر بسبع مرات من الاقتصاد الإسرائيلي، ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الغاز في السنوات العشرين القادمة، كما يقرّر خبراء الطاقة، بحيث أنّه من المفترض أن تكون خيارات التصدير إليها مثمرة. ليس لدى تركيا موارد خاصة بها للغاز، ولذلك فهي تضطر لاستيراد الغاز من بعض المورّدين بأسعار مرتفعة، وترغب بطبيعة الحال في إدخال مورّد جديد للسوق للتنافس مع أولئك الموجودين.
رغم أنّ لدى تركيا مصلحة في إدخال منافس جديد إلى السوق، ولكن سوء العلاقات بينها وبين إسرائيل قد يكون عقبة أمام أي صفقة. وليس ذلك فحسب، بل أيضًا التوتر المستمرّ بين تركيا وقبرص، التي من المفترض أن يمرّ خطّ الأنابيب منها، قد يُفشل الصفقات المحتملة.
إنّ احتياطات الغاز الإسرائيلي هي وفقا لأي تقدير كبيرة ومن المفترض أن تغيّر وجه الاقتصاد الإسرائيلي، ولكن في الوقت الراهن بسبب الظروف الجيوسياسية المعقدة، من الصعب جدّا التوصل إلى اتفاقات موقّعة مع دول الجوار ممّا قد يؤخّر استقلالية وتنمية الاقتصاد المحلي.