من الصعب أن نكون أقلية في الشرق الأوسط. فالصراعات أبدية تقريبًا. ومن الصعب أيضًا أن نكون أقلية مطاردة، مُهددة، عليها دائما رفع رأسها لالتقاط أنفاسها بسرعة والاختفاء سريعا.
أعرف هذه المشاعر جيدا. يحاول المجتمَع المثلي العربي الإسرائيلي الصمود أيضا، ويصعب عليه كسر المحظورات الاجتماعية وقبول الآخر. بات صراعنا بعيدا عن الانتهاء وهناك القليل جدا من “الجنود” في خدمة المجتمع المثلي المستعدين للمُخاطرة وكسر السقف الزجاجي. إلا أن المجتمَع تغير وأصبح كبيرا ومتطورا، وبات يلقي بظلاله على الأمور المظلمة السابقة. وإثباتا على ذلك، ففي العام الماضي فازت تالين أبو حنا، متحوّلة جنسيا وعربية من مدينة الناصرة، في مسابقة ملكة الجمال للمتحوّلات جنسيا للمرة الأولى في إسرائيل.
أنا فخور بكم يا إخوتي المثليين وأخواتي الساحقيات، المتحولين جنسيا، وأصحاب ازدواجية الميول الجنسية، وأتابع عن كثب التطوّرات في مجتمعكم، والتقي سنويا أصدقاء لبنانيين، مثليين، سحاقيات وأصحاب ازدواجية الميول الجنسية، في مهرجانات دولية أوروبية، حيث يتحدثون معي عن صراعهم الاجتماعي العادل.
يجدر بكم أن تعرفوا أن أسبوع المثليين الأول في لبنان (الذي بدأ يوم الأحد الماضي، 14.05.17) يشكل حجر أساس. ستتعرضون إلى معارضة أثناء نزاعكم، سيلحق ضرر في اللقاءات والاجتماعات التي تعقدونها، ولكن يشكل هذا جزء من الصراع الاجتماعي من أجل الحرية.
ستستضيف مدينة تل أبيب هذا العام أيضا آلاف السياح المثليين من كل العالم في شواطئها ونواديها، وستعمل جاهدة من أجل توفير أجواء فرحة. ولكن ألا بكم أن تخطئوا، فما زال المثليين في إسرائيل أيضا يخوضون صراعا، حتى وإن كان يبدو ظاهريا أنه قد طرأ تحسن على وضع المثليين والسحاقيات في إسرائيل. ففي شهر آب 2015، قتل يهودي متديّن شابة في القدس لأنها تجرأت على المشاركة في مسيرة المثليين في المدينة. في إسرائيل ما زال هناك نقص في قانون يتيح زواج أحادي الجنس، لذا يضطر الكثير من الأزواج إلى عقد مراسم الزواج خارج البلاد. كذلك فإن العائلات المثلية ليست مرغوبة بشكل خاصّ في المجتمَع الإسرائيلي.
من الصعب أن نصدّق ولكن كان المثليين يعتبرون حتى قبل نحو 30 عاما في إسرائيل مجرمين. حظر القانون الإسرائيلي ممارسة العلاقات الجنسية المثلية بين الذكور. ولكن نجح نزاع عضو كنيست، شولميت ألوني، (عاشت بين عامي 1927-2014) في إلغاء القانون. بالمناسبة، يعود مصدر حظر ممارسة العلاقات الجنسيّة بين الذكور إلى القرن التاسع عشر، في عصر الملكة فيكتوريا، التي أقرت أن الرجال الذين يمارسون علاقات جنسيّة “غير الطريقة المعمول بها” عقابهم السجن ل-10 سنوات، تماما كما يظهر في البند 534 من قانون المخالفات الجنائية اللبناني الذي يحظر هذه العلاقات لأنها “ليست طبيعية”. ورثت إسرائيل والأردن هذا القانون الجنوني من عصر الانتداب البريطانيّ حتى ألغي تماما في إسرائيل عام 1988.
أكثر من ذلك، يمكن حسد جيراننا الأردنيّين (قانونيا على الأقل) وحسد الملك عبد الله الأول، الذي أمر في عام 1951 بإلغاء القانون الذي يحظر ممارسة العلاقات بين الذكور – أربعة أشهر فقط من قتله في المسجد الأقصى في القدس.
أقيمت مسيرة المثليين الأولى في تل أبيب عام 1974 في مظاهرة احتجاجية شارك فيها عشرات الأشخاص أمام بلدية تل أبيب. طالب المتظاهرون محاربة رهاب المثليين تمامًا كما تطالبون أنتم الآن، ولكن لم يجرأوا على طلب المساواة مع أبناء المجتمع المحلي. بعد مرور عام فقط على إلغاء قانون يحظر “ممارسة علاقة جنسية بين الذكور” في عام 1989، أقام المثليون في تل أبيب أسبوع المثليين الأول في إسرائيل. وجاء ذلك الأسبوع كما هو الحال في لبنان أثناء أسبوع الفخر الأول، احتجاجا ولكن لم تُرفع أعلام الفخر ولم تُستخدم أية علامات فخر أخرى. ولكن في عام 1993، للمرة الأولى رُفع علم الفخر في مسيرة تل أبيب.
أشارككم بهذه المعلومات لرفع معنوياتكم وتعزيز النشطاء المثليين اللبنانيين الذين يقومون بهذا العمل الشجاع طلبا للحرية وقبول الآخر. أيها المثليون اللبنانيون في الشرق الأوسط، سيُحدد صراعكم الحازم صراع المثليين الآخرين في الدول العربيّة.