يريد كل من في إسرائيل وضع نهاية لحماس وصواريخها. ليس هناك شيء طبيعي أكثر من هذا: نريد العودة للحياة العادية، مخيمات صيفية للأطفال ونريد أن نتعرق بهدوء في هذا الصيف المريع. إلا أن حماس هنا، وإلى جانب صواريخه المريعة هنالك استعراض تهديدات دائم على شاشات التلفزيون والذي تديره مجموعة من الجنرالات السابقين الذين يكررون القول بأنه يجب شن معركة برية. يجلس سياسيون إلى جانبهم مثل ليبرمان، الذين يحاولون سد الفجوات المتعلقة بشعبيتهم الجماهيرية، ويحرضون على استخدام القوة أكثر فأكثر. القوة هي مثيرة عندما يطلقون عليك النار، ولكن هذه الإثارة مصيرها الموت لا الحياة.
بينما يقوم قادة اليمين باستنهاض هممنا، لشن هجوم بري على غزة، ليقوموا بعلاج جذري للمشكلة وليس مؤقتًا، علينا أن نتذكر بعض المعطيات. سبق أن كنا في غزة. قمنا بإدارتها من عام 1967 – 2005. كان الجيش مسيّطرًا هناك، وتعقبت المخابرات، وقام الشاباك بإحباط العمليات. وماذا كانت النتيجة؟ تشكلت حركة حماس أمام أعيننا، قاتلنا الفلسطينيون وفقدنا مئات الجنود والمواطنين؛ فقط في السنوات بين 2005 – 2001 قُتل في غزة ومحيطها 120 إسرائيليًا. بالمقابل علينا أن ندرك ماذا حدث بعد أن خرجنا. مرت عشرة أعوام تقريبًا. قُتل طوال تلك السنوات 60 إسرائيليًا تقريبًا. أي، لقد انقضى ضعف السنوات (تسع مقابل أربع) وعدد القتلى انخفض إلى النصف.
يمكننا استخلاص نتيجتين من هذه المعطيات. النتيجة الأولى: التواجد في غزة أخطر بكثير من التواجد في محيطها، لأن عدد القتلى كان أكبر بأضعاف في سنوات التواجد في غزة – ثلاثون قتيلاً بين عامي 2005 – 2011 مقابل أقل من عشرة بين عامي 2005 – 2014. والنتيجة الثانية متعلقة مباشرة بمسألة الهجوم البري. لن يحسّن بالضرورة، بقاء الجيش في المنطقة، مسألة إحباط العمليات. حين كنا متواجدين داخل غزة لم نستطع أيضًا منع وقوع اعتداءات وإطلاق نار على إسرائيل. أكثر حدث تراجيدي يذكرنا بأن السيّطرة على الأرض لا توفر الأمن هو اختطاف الشبان الثلاثة مؤخرًا وقتلهم – آخر حلقة من سلسلة عمليات القتل التي حدثت في الضفة الغربية، وهي المنطقة التي تخضع غالبيتها لسيطرتنا.
من يعتقد أن هذه المعطيات ليست إلا لعبة إحصائية يمكنه أن يتأمل ما حدث في لبنان. دخلنا إلى لبنان عام 1982 وخرجنا في عام 2000 وكما حدث خلال سيطرتنا على قطاع غزة بأنه شهدنا ولادة حركة حماس كذلك حدث في سنوات سيطرتنا في لبنان أن شهدنا ولادة حزب الله. مات خلال سنوات تواجدنا الـ 18 في لبنان 1200 جندي إسرائيلي. خلال السنوات الـ 14 التي هي سنوات خروجنا من لبنان مات أقل من 200 جندي ومواطن إسرائيلي عند الحدود اللبنانية. الخلاصة التي يمكن التوصل إليها من حالتي غزة ولبنان بسيطة: السيطرة على الأرض لا تحسّن أبدًا مسألة السيّطرة على الناس الذين يعيشون في تلك المنطقة. على العكس، ذلك الأمر يشعل كراهيتهم ويدفعهم نحو خلق تنظيمات وتطوير أساليب قتالهم ضدّنا. واضح تمامًا أنه من ناحية الحفاظ على حياة الناس فإن أي توغل بري، وأي بقاء ممتد ومستمر يتيح “علاجًا جذريًّا”، كما يقول المؤيدون لشن هذه العملية، قد يؤدي ذلك إلى خسائر كبيرة وعدم السيطرة على السكان.
يمكن لمن لا يكتفي بالمشاكل التي لدينا أن يتعلم من مشاكل غيرنا. تم طرد فرنسا من الجزائر بعد أن ثار السكان المحليون، الذين خضعوا للاحتلال طوال مائة عام؛ وخسرت الولايات المتحدة في فيتنام أكثر من 50.000 جندي وانسحبت وهي تجر أذيال الخزي خلفها؛ وانهارت قوات الاتحاد السوفيتي في أفغانستان بعد 10 أعوام من القتال وخرجت مهزومة من المناطق التي احتلتها. لا يمكن في عصرنا الحالي لأي شعب أو أمة أن تسيطر على شعب آخر يعارض السيطرة دون دفع ثمن باهظ جدًا بالأرواح.
بالعودة إلى موضوعنا. قام أفراد حماس بعملية الاختطاف والقتل وقيادة حماس هي التي دفعت نحو جولة الصراع هذه لأسبابها الشيطانية. لا شك أبدًا أن حماس، في ظل الوضع الراهن، تشكل عائقًا أمام جهود السلام. كيف يمكن إخفاء مثل هذه الجهة العدوانية والخطيرة؟
الإجابة بسيطة: نتحدث مع عدوه. نتفاوض مع أبي مازن، نتيح له إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية، نساعده على تحسين الاقتصاد هناك، وننتظر. إن كانت هناك سيادة فلسطينية في الضفة، وإذا تم توفير الأمان لسكانها، الرزق لعائلاتها، مستقبل لأولادها – من خلال أدوات دبلوماسية، ستقف حماس في حالة ارتباك ويأس. حين يرى سكان غزة ما الذي سيكون بالإمكان الحصول عليه بوسائل دبلوماسية سيزداد الضغط على حماس. وبما أن دعم جماهير غزة لحركة حماس هو أمر هام، فلا شك أن حماس ستُقدم تنازلات وتقوم بتغييرات ستقود إلى اختفائها وعدم بقائها كما نعرفها الآن.
ربما تمكنت حكومات إسرائيل حتى الآن من اللعب مع حماس. لن يحقق أيضًا بيبي وبوغي، اللذان لا زالا يديران هذه الجولة بشكل جيد، حلم “العلاج الجذري”. في حال أمرا بشن هجوم بري أو لا فإن الإنجاز سيكون تكتيكيًا فحسب. لن تختفي حماس في الوضع الراهن وفي الفترة القريبة أيضًا. على الأرجح، ستبدأ جولة أخرى بعد بضعة أشهر أو بضع سنوات على أكثر تقدير. هذا هو أقصى إنجاز حققناه في الماضي عندما كنا نسيطر على غزة أو لبنان، وهذا هو أقصى ما سنحققه الآن.
فقط عندما تفهم القيادات اليمينية بأن السلام هو هدف استراتيجي بالنسبة لإسرائيل، وأن الدولة الفلسطينية التي يتم تحقيقها دبلوماسيًا ستشكل خطرًا على حماس، الأمر الذي يعارضه اليمين، سيكون بالإمكان هزيمة حماس. إلا أنه طالما أن الحكومات الإسرائيلية تقدس مسألة المستوطنات لن يكون هناك اتفاق مع أبي مازن وستستمر حماس بإطلاق الصواريخ على إسرائيل. حاليًا، سلم الأولويات بالنسبة لحكومات اليمين واضح تمامًا: إقامة المستوطنات وبقاء حماس أهم من السلام والقضاء على حماس.
نُشر المقال للمرة الأولى في موقع Can Think