في 12 تموز 2006، هاجم حزب الله سيارتين إسرائيليتَين تجولتا على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان، هجوم أدى إلى بدء حرب لبنان الثانية. فيما كُتب الكثير في محاولة لفهم آثار الحرب على الوضع السياسي في الشرق الأوسط، لم يجرّ إلى الوصول لاستنتاجات قاطعة بشأن هوية المنتصرين والمهزومين في الحرب. ليس هناك أي شك أنّ ثلاثة رجال دخلوا الحرب في ذروة قوتهم، وخرجوا منها متضررين. بعد سبع سنوات نعرض عليكم السيرة الذاتية لرئيس الحكومة، وزير الأمن ورئيس الأركان الإسرائيلِين.
رئيس الأركان حالوتس
خلع بزته العسكرية من دون أن يحظى بمحبة الجمهور الإسرائيلي
“لن أخلع البزة العسكرية حتى ينزعوها مني”. أجاب رئيس الأركان دان حالوتس في حينه ردّا على النقد الذي وُجّه إليه بشأن أدائه في حرب لبنان الثانية. صرّح حالوتس، مدعومًا من وزير الأمن عمير بيرتس، أنه لن يتخلى عن منصبه وسيركز على تجهيز الجيش لمواجهة مستقبلية، وإصلاح العيوب التي ظهرت خلال الحرب.
لكن بعد أقل من سنة تغيّر هذا الموقف كليا: “لكي نكون في الريادة، يتوجب علينا أن نتحمل مسؤوليتنا”. قال حالوتس في خطاب استقالته في مستهل العام 2007.
قال حالوتس مؤخرا عن الحرب: “في هذه الحرب كانت إخفاقات وإنجازات كجميع حروب إسرائيل، ولكن تم إبراز الإخفاقات أكثر”. في السنة الماضية، أوضح حالوتس أنه “كان هناك الكثير من الإخفاقات التكتيكية، الأدائية وحتى الاستراتيجية. لكن كانت هناك نجاحات أيضًا. تعززت قوة الردع الإسرائيلية وثمة من يعتقد أن هذا لم يحدث، لكنني أظن أنها تعززت. وأحاول تعليل ذلك بأننا كنا في الماضي نُقابَل بالنار ردا على عمليات معينة كنا ننجزها، وقد قمنا بها في السنوات الست الأخيرة. كُنّا نقابَل بإطلاق نار. هذا لم يحدث. هذا ردع”.
على مر السنين، كان رؤساء الأركان سلعة مطلوبة في السياسة الإسرائيلية. فكل جنرال متقاعد كان يحظى بملاحقة فورية من كافة أحزاب الطيف السياسي. كل حزب يفتخر برؤساء أركانه، ولا بد لكل حزب طَموح من أن يمتلك الختم الأمني للجندي رقم 1 سابقًا في ترسانته. لكن خلافًا ليعلون، موفاز، ليفكين- شاحك وباراك الذين سبقوه، خلع حالوتس بزته العسكرية من دون أن يحظى بمحبة الجمهور الإسرائيلي. توقف الدعم الواسع الذي حظي به الجيش بعد الحرب في الطابق الرابع عشر في “هكرياه”، على مدخل مكتبَي رئيس الأركان ووزير الأمن. لكن رغم أنه لا يشكّل قوة انتخابية مهمة، إلا أن فكرة دخول السياسة قد داعبت أفكار حالوتس.
بعد نشر مذكراته عام 2010 قرر حالوتس أنّ حزب كاديما، أكبر أحزاب المعارضة في حينه، هو الحصان الذي يمكن أن يمتطيه لدخول السياسة. لكن رغم انتصار شاؤول موفاز، سلف حالوتس في رئاسة الأركان والمرشح الذي دعمه حالوتس في الانتخابات التمهيدية، أدى تفكك كاديما إلى اعتزال حالوتس الحياة السياسية سريعًا.
على مر السنوات الماضية، عمل حالوتس كرئيس لمجلس إدارة سترلينغ، وهي شركة هوائيات تم بيعها قبل نحو سنة. أنهى حالوتس وظيفته في الشركة بعد أقل من 3 سنوات، تاركًا وراءه شركة مثقلة بالخسائر. عمل بعد ذلك مديرًا عامًّا لشركة “كمور موتورز”، مستوردة سيارات BMW في إسرائيل وبلغاريا.
في الأشهر الأخيرة، جرى تعيين حالوتس مديرًا عامًّا لشركة هايتك تُدعى “جوبوكيت”. وبين الجلسات، وفيما أخذت تقوى الجرثومة السياسية المعششة بداخله، يخصص جزءا من وقته للمشاركة في برنامج إذاعي، لتقديم تحليله لأحداث الساعة.
وزير الأمن بيرتس
بقي على الساحة السياسية، رغم كل شيء
وحده بيرتس، بين أفراد المجموعة، الذي كان وزيرًا للأمن إبان الحرب، لا يزال يتجول في أروقة الحكم في إسرائيل.
لاقى بيرتس صيف 2006 وهو في أوج مسيرته، كرئيس لحزب العمل، شريك رئيسي في الائتلاف، ووزير أمن طري العود. بعد الحرب، تزايد النقد من اليمين واليسار على أداء الحكومة والجيش، حيث كان بيرتس أحد المتهمين الرئيسيين، لكنه لم يبالِ بالدعوات إلى استقالته.
تجاوز النقد كل الحدود في الحادثة المعروفة، حين نسي بيرتس أن ينزع الغطاء عن عدسات المنظار خلال مشاهدته مناورة عسكرية في هضبة الجولان. خلّدت كاميرات الصحافة التي التقطت الحدث هذه اللحظة، التي جسّدت في نظر كثيرين كل النقد الذي وجهوه للقيادة الإسرائيلية العديمة الخبرة خلال الحرب.
استمر بيرتس يشغل منصب وزير الأمن في فترة هدوء نسبي، حيث تركز جل اهتمامه على الوضع في قطاع غزة. كان بيرتس، أشهر سكان مدينة سدروت التي تعاني منذ سنوات من إطلاق القذائف من قطاع غزة، هو الذي وافق على تطوير “القبة الحديدية” رغم المعارضة القوية لتنفيذ المشروع. عام 2006، أوضح بيرتس: “أن هذا هو المشروع الأهم الآن، ولذلك يجب التفكير في تعريف برنامج التطوير كـ “خطة طوارئ”، وتسريعه قدر الإمكان”.أضاف النجاح الكبير للقبة الحديدية خلال حملة “عمود السحاب” السنة الماضية الكثير من الفخر لعمير بيرتس، الذي نال وفرة من الثناء بعد سنوات كثيرة فقد فيها احترام الجمهور في إسرائيل.
في حزيران 2007، بعد انتخاب إيهود باراك رئيسًا لحزب العمل، قدّم عمير بيرتس استقالته من منصبَي نائب رئيس الحكومة ووزير الأمن. عاد بيرتس إلى المكان الذي نشأ فيه وشعر فيه بالراحة على مر السنين، بين العمال الميدانيين ومتعهدي الأصوات في حزب العمل.
شرع بيرتس، الذي تمكن من تجميع قوة قادته إلى الفوز في الانتخابات التمهيدية في حزب العمل بدعم واسع من العاملين على الأرض في الحزب، بإعادة بناء قوته. بدأ بيرتس مساعيه من المكان العاشر في قائمة حزب العمل في الكنيست الـ18. وبعد انضمام الحزب للائتلاف خلافًا لرأيه، قاد مجموعة صغيرة من أعضاء الكنيست عُرفت بـ”المتمردين”، الذين عارضوا خطوات الحكومة، رغم أنهم كانوا رسميا جزءا من الائتلاف.
وصل بيرتس إلى الانتخابات التمهيدية التالية مع قاعدة دعم واسعة في الحزب. لكن من واجهه هذه المرة لم يكن إيهود باراك غير الشعبي، بل القوة الصاعدة في الحزب، شيلي يحيموفيتش. أنهى بيرتس انتخابات رئاسة الحزب في المرتبة الثانية، لكن مع 45% من أصوات المقترِعين. سجّل بيرتس إنجازات بارزة حينما نجح في دفع عدد من المرشحين الذين دعمهم إلى أماكن هامة، مثل ميراف ميخائيلي وإيتان كابل، اللذين نجحا في التموضع بين العشرة الأوائل.
لم ينتظر بيرتس كثيرًا لتصدر العناوين، إذ سرعان ما بدأ بإظهار نفسه زعيمًا لمعسكر معارض للرئيسة شيلي يحيموفيتش. أعلن بيرتس أنه سيحاول منع انضمام العمل إلى حكومة مستقبلية برئاسة نتنياهو، ودعا يحيموفيتش إلى عرض برنامج سلام مفصّل وإلى التوضيح بأنّ حزب العمل يعارض الاستيطان، خطوتان حاولت يحيموفيتش تجنبهما.
لكن المفاجأة الكبرى كانت حين أعلنت رئيسة حزب “الحركة” تسيبي لفني عن انضمام بيرتس إلى حزبها. أوضح بيرتس سبب امتناع يحيموفيتش عن انتهاج خط سياسي واضح: “الشعب اليهودي شعب يسعى إلى السلام، الذي نريده جميعًا. لكن في معركة الانتخابات، يحاولون إخفاء ذلك خشية أن يشكّل الصراع حوله عبئا انتخابيا. ربما إن تكلمنا عنه كلامًا مبهمًا، سننجح في الحصول على مقترِعين أكثر. بالنسبة لي، السلام هو مكسب انتخابي”.
بعد الانتخابات، وجد بيرتس نفسه في المكان الذي كان يصرّح أنه ضده طيلة السنوات الأخيرة، في ائتلاف يقوده نتنياهو. بفضل وعود مسبقة من لفني، وجد بيرتس نفسَه قبل بضعة أشهر مجددا في مكتب وزير، وزيرًا لجودة البيئة هذه المرة، خلفًا لجلعاد أردان الذي كان أداؤه مميزا في الحكومة السابقة.
لم تصل بشائر كبرى في المجال البيئي من مكتب بيرتس بعد، وهو يهتم حاليا بالحفاظ على موقعه بصفته الرمز اليساري للحكومة الجديدة.
رئيس الحكومة أولمرت
مُصرٌّ: سوف أعود
في أعقاب الحرب في لبنان، انخفض بشكل حاد تأييد الجمهور لأولمرت، وتكاثرت الدعوات لاستقالته. خيام احتجاج أقامها جنود الاحتياط في القدس، ونجحت في أخذ موقعها في الخطاب العام بدعم من المعارضة برئاسة نتنياهو، لكن أولمرت لم ينوِ الاستقالة. بحدّ أدنى من الدعم الجماهيري، جندي مخطوف في قطاع غزة وتحقيقات جنائية بدأت تتكدس، رأى أولمرت أمامه خشبة خلاص تتمثل في اتفاق سلام مع السلطة الفلسطينية.
في السيرة الذاتية لكوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية حينذاك، كُتب: “كان يمكن أن يموت أولمرت في محاولته التوصّل إلى معاهدة سلام، فقد قُتل رابين على أقل من ذلك بكثير”. بدأت رايس تزور المنطقة بوتيرة أكبر، وكان التقدم “بطيئا، ولكن ثابتًا”، على حد قولها. تذكر رايس في الكتاب أنّ الزيارات جرت على نحو ثابت: لقاءات مع ممثلي الدول العربية عبر مجلس التعاون الخليجي، لقاءات في مكتب أولمرت الذي دخّن السيجار فيما شربت هي الشاي، محادثات متعمّقة خلال وجبة العشاء، ومن ثم لقاءات مع الفلسطينيين.
وقد كشفت رايس النقاب عن أنّ اقتراحات أولمرت ذهبت إلى أبعد من أي اقتراح إسرائيلي سابق. حسب قولها، أخبرها أولمرت: “لا أدري ماذا يريد (أبو مازن). إنه يريد شيئا متعلقًا باللاجئين والقدس. سنعطيه ما فيه الكفاية من الأرض، ربما نحو 94% مع تبادل أراضٍ. لديّ فكرة بخصوص القدس. لتكن هناك عاصمتان، واحدة لنا في القدس الغربية، وأخرى للفلسطينيين في القدس الشرقية. يجري انتخاب رئيس البلدية في المجلس البلدي المشترك وفقًا لنسبة السكان. يعني ذلك أنه إن كان رئيس البلدية إسرائيليًّا، يكون نائبه فلسطينيًّا. نواصل الحفاظ على الأماكن المقدسة، لأننا نستطيع تأمين الوصول إليها”. قال أولمرت لاحقا: “نستوعب بعض الفلسطينيين داخل إسرائيل، ربما خمسة آلاف. لا أريد أن أدعو ذلك لمَّ شمل، لأن هناك الكثير جدا من أبناء الأعمام، فلن نستطيع التحكم في ذلك. فكرتُ في طريقة إدارة المدينة المستقبلية – يُفترض أن تكون لجنة – ليس موظفون بل رجال حكماء – من الأردن، المملكة العربية السعودية، الفلسطينيين، الولايات المتحدة، وإسرائيل. سيشرفون على المدينة، ولكن ليس من الناحية السياسية”.
كان أولمرت يعي مكانته الواهنة في إسرائيل، لا سيما على الصعيد الأمني. وقد أوضح لرايس: “أستطيع تمرير هذه الصفقة، ولكن ليس إن قال الجيش إنّ هذا يمس بأمن إسرائيل، فهذا أمر لا يستطيع أي رئيس حكومة في إسرائيل أن يتجاوزه. أنا أخاطر هنا كثيرًا، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تتخطاني”.
إلا أن الضغط قد تزايد في أعقاب الحرب، وإثر حملة “الرصاص المصبوب”، مع كمية كبيرة من التحقيقات الجنائية التي أجريت معه، شكلت جميعها عائقا كبيرا في طريقه. “كان أشبه بطة عرجاء، وكذلك كان الرئيس (بوش)”، كتبت رايس. “لكنني، مع ذلك، خشيتُ ألا تكون للعالم فرصة كهذه لاحقًا”.
رفض عباس الاقتراح، وفي تموز 2008، أعلن أولمرت أنه لا ينوي الترشح في الانتخابات التمهيدية لحزبه، وأنه سيستقيل من رئاسة الحكومة فور انتخاب رئيس جديد للحزب.
بدأ أولمرت بتخصيص وقته لحربَين، واحدة على المستوى القضائي لإثبات براءته، والأخرى في المستشفيات. بين زياراته إلى غرف التحقيق وقاعات المحاكم، زار أولمرت المستشفيات أيضًا لعلاج سرطان البروستات الذي اكتشف في جسمه. اختفى أولمرت السمين من العام 2005، واستبُدل بنسخة هزيلة ونشيطة.
لكن منذ استئصال السرطان، التبرئة الجزئية في قضيته الأولى ودخول الادعاء في القضية الثانية ضده في مشاكل إثر وفاة شاهد الملك، تمر أيام جميلة على رئيس الحكومة السابق. أدت التغطية الإعلامية الواسعة التي حظيت بها المسألة الإيرانية بتشجيع من رئيس الحكومة نتنياهو إلى نتائج تعاكس ما توقعه الأخير. بدأ الجمهور الإسرائيلي يشتاق للفترات الماضية، التي لم يكن رئيس الحكومة يحاول فيها تحقيق أرباح سياسية بواسطة تهديدات استراتيجية. وزادت المقارنات بين طريقة معالجة بيغن المحبوب لقضية المُفاعل العراقي والهجوم الهادئ الذي قاده أولمرت على المفاعل في سوريا، من الدعم الشعبي لأولمرت، لا سيما في الشأن الأمني الذي طالما شكّل نقطة ضعف لأولمرت، الذي يفتقد إلى الخبرة العسكرية.
في السباق لانتخابات الكنيست الـ19، كان أولمرت الاسم الساخن. سواء كان بسبب حقيقة أنّه لم يقرر بعد إن كان سيترشح، أو لأنه رغب في تمديد الفترة التي استأثر فيها باهتمام إيجابي، أجّل أولمرت القرار إن كان سيخوض الانتخابات لرئاسة الحكومة أم لا، وقتًا طويلًا. كانت المعارضة الإسرائيلية بحاجة ماسة لزعيم يستطيع تحدي سلطة نتنياهو، وأظهرت الاستطلاعات أنّ أولمرت كزعيم لكتلة يسار وسط سيشكّل المنافس الأفضل لنتنياهو.
اعتقد أولمرت أن العودة إلى السياسة في الوقت الراهن مبكرة جدا. لكن الرجل الذي أوجد عبارة “من وراء الكواليس” كان كعادته لاعبًا رئيسيًّا في الانتخابات، وإن لم يخضها بنفسه. منح أولمرت رعايته لحزب كاديما، وكان مستشارا رئيسيا لزعيمَين وسطيَّين إسرائيليَّين، تسيبي ليفني ويائير لبيد. وقد ألمحت إنجازاتهما في الانتخابات لأولمرت أنّ الساحة مهيأة لعودته للحياة السياسية.
يقدّر المحلل السياسي في جريدة هآرتس، عاموس هرئيل “أنه عندما نلتقي بأولمرت في المنتديات المختلفة، يصعب عدم تمييز الطموح المزدوج الذي يتأجج في داخله: أن يحظى بالتقدير، الذي سُلب منه حسب رأيه، على إنجازاته كرئيس للحكومة، وأن يعود بسرعة إلى الساحة السياسية. تُذكَر حرب لبنان الثانية، التي تثير خلافات في وجهات النظر إلى حد كبير، بسرعة بشكل عام مع التشديد على الهدوء الذي يسود الحدود منذ ذلك الحين. ويتحدث بتوسّع أكبر عن الاقتراحات السخية التي قدمها للفلسطينيين، والتي رفضها رئيس السلطة، محمود عباس (أبو مازن). وبين هذا وذاك، أولمرت معتاد على إطلاق الرموز لحملات عسكرية خفية ناجحة جرت في عهده في سوريا، السودان، وإيران”.
وفي لقاء مغلق مع متبرعين في شهر نيسان، أعلن أولمرت أنه يعتزم خوض انتخابات الكنيست القادمة كمرشح لرئاسة الحكومة. في أي حزب سيخوضها، وهل ستمنعه التعقيدات الجنائية من خوضها، سنعرف في المستقبل.