إلى السيد يوعاز هندل، المستشار الأسبق لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في مكان ما، حيث تجلس وتتحصّن في برجك العاجي، أنا يافاوي مسلم وهذا هو ردّي عليك وعلى كلامك المنقطع عن الواقع.
ولدتُ في يافا، وعملتُ طوال حياتي في هذه المدينة، تربيتُ على التسامح منذ يومي الأول في الروضة، حيث تعلّمتُ في مدرسة مختلطة، كان فيها مسيحيون، يهود ومسلمون. أنا، وليس أنت، من عاش في العالم الحقيقي (انتبه لا يتم استخدام كلمة التعايش، عمدًا) مع الجيران وأصدقاء الطفولة اليهود، المسيحيين والعرب. وأنا متأكد جدا بأنّه في الحيّ الذي عشتُ فيه طفولتك، في مستوطنة “إلكانا”، لم يلعب أي طفل عربي. أرشدتُ مجموعات شبيبة من اليهود والعرب على حدٍّ سواء، في وقت ما في نهاية التسعينيات وفي فترة الانتفاضة الثانية وربّيتهم وربّيت نفسي على التسامح والوجود الحقيقي المتبادل، وليس على الشعارات الجوفاء كما في كلامك. أنا هو المؤشر الحقيقي، المنضبط والمتسامح لهذه المدينة الرائعة يافا، والتي هي جزء من تل أبيب، المدينة المختلطة، ولست أنت.
لو سمحت لي دعني أضع أمامك بعض الحقائق التي تفضّل أنت كنسها تحت السجادة.
المظاهرة الأخيرة للشبان المسلمين في يافا، والتي خرجت فعلا عن السيطرة وتحولت إلى العنف (ولا يوجد أي مبرّر للعنف)، كانت المظاهرة الرابعة في الشهر الأخير. لماذا لم تسمع عن سائر المظاهرات؟ لأنها لم تصل إلى الإعلام. لقد كانت هادئة. عبّر المسلمون في يافا عن غضبهم وتظاهروا من أجل هدف أسمى في نظرهم وذلك دون الانجرار إلى العنف. أنا أدين إلقاء الحجارة أو حرق الحاويات بكل قوة. في الدولة الديمقراطية من حقّي التظاهر ومن حقّي أن أعبّر عن رأي مخالف في أساسه لرأيك الصهيوني. أنا، بخلافك، لا ألغي رأيك.
اسمح لي وللشباب العرب من مواطني البلاد، منذ اليوم الأول من تأسيسها، أن نكون متعاطفين مع معاناة أبناء شعبنا، الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. إن تعاطفي تجاههم لا يلغيك.
“الحرب الدينية”، هذا هو العنوان الذي كان كل محلّل إسرائيلي سيُسمّي هذه الأحداث الصعبة في الأيام الأخيرة. هذه هي أيضًا الأمور التي تظهر من خلال كلامك. أنت، مع الأسف، مثل آخر المحرّضين في التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي بأقوال “الموت للعرب” و “الموت لليهود”، تؤجج نيران الكراهية وتصبّ الزيت على نار “الحرب الدينية”، مع استهدافك للجمهور المسلم فقط. هل علمت أنه في مظاهرات يافا، اللد، الناصرة كان هناك أيضًا شركاء آخرون: عرب مسيحيون. ولكن من الصعب على أشخاص مثلك، من تلاميذ نتنياهو، ألا يعتمدوا تكتيك “فرّق تسد”.
إذا فكرت للحظة ما الذي يُخرج الناس حقّا إلى الشوارع ستكتشف أنّ الإسرائيليين والفلسطينيين قد سئموا من الجمود السياسي، من تبدّد الوهم الذي يقول إنّ “نتنياهو سيجلب الأمن فقط”، من الوضع الاقتصادي المتعثّر وغلاء المعيشة وبشكل أساسي من الشعور بالاختناق، الكراهية والجهل.
ليس أنا ولا أي شاب أو شابة في يافا مدينين بخبزنا أو تعليمنا لك أو لنتنياهو أو لحكومة اليمين الفاشلة في السنوات الستّ الأخيرة. لا، فلا يمكنني العمل في كل عمل أرغب به. لا يمكنني التقدّم للعمل في مجال الصناعات الجوّية، فلن يقبلوني، فأنا عربي. وأنا لا أحصل على معاملة تفضيلية في الرحلات الجوية في شركات الطيران الإسرائيلية. سيقومون بتفتيشي تفتيشا مذلّا ومهينًا. أنا كما هو معلوم، لا أستطيع أيضًا أن أسافر في رحلة جوية عبر شركة “يسرائير” مع أربعة من أبناء أسرتي، من أبناء الأقليات. لأنّ هناك “إجراء أمني” يحظر سفرنا معًا، نحن الخمسة، في رحلة جوية مدنية في سماء هذه الدولة الديموقراطيّة، إسرائيل.
“تجديد الأحياء القديمة”، هي عبارة يعرفها كلّ يافاوي في سنّي. إنّ سيفًا يأمر بهدم نحو 500 شقّة معلّق فوق أعناقنا. وأنا أيضًا لا أتمتّع بثمار الدولة الديمقراطية، الغنية والمتطوّرة التي قامت صهيونيّتك ببنائها: يافا اليوم هي إحدى المدن الأكثر فشلا والأفقر في إسرائيل، فسكان الشتات البدوي في النقب أكثر فقرًا منّا فقط.
في الحقيقة، حالي أفضل من حال الفلسطيني في غزة والذي يكافح تحت الحصار وحكم حماس الوحشي، وأفضل من الفلسطيني في الضفة الغربية والذي يعاني من الاحتلال والفساد المتفشّي في السلطة الفلسطينية، وأفضل من اللاجئ السوري ومن العراقي الذي يعاني تحت وطأة داعش. الأمر الذي يغيظ في مقارنتك، سيّد هندل، المستفيد والمتمتّع الرئيسي من ثمار دولة إسرائيل، هو حقيقة أنك تقارن ظروفي بالعرب خارج دولة إسرائيل! وليس بشاب يهودي يعيش في إسرائيل، في سنّي. وأنت لا تجرؤ أيضًا على مقارنة ظروفي بالشبان العرب أو المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية.
رائد صلاح لا يمثّلني وعباراته القاسية لا تتغلغل لدى الكثيرين من أبناء المدينة التي ولدتُ فيها، بخلاف ما تظنّ. بماذا تختلف كلماته وخطاباته عن خطابات ممثّلي اليمين المتطرّف في الكنيست؟ أعضاء البيت اليهودي؟ وعن تصريحات ليبرمان العنصرية؟ أو حتى عن كلام السيد نتنياهو نفسه التحريضي والذي سارع إلى تحذير اليهود من سيطرة العرب على الديمقراطية الإسرائيلية. إنّ القول “العرب يذهبون بأعداد هائلة إلى صناديق الاقتراع”، لا يزال يتردّد في رأسي. لا سمح الله أن يمارس العرب حقّهم الديمقراطي في انتخابات حرّة ونزيهة.
أنا مع الحياة المشتركة ومع المساواة بين العرب واليهود في إسرائيل، هل توافق أنت على ذلك؟ أشكّ في ذلك…