تغيّرَ نموذج الجمال كثيرًا مع السنين. عمليًّا، إن المرأة التي اعتبرت ذات جسم متكامل في سنوات الثلاثين ستُطالب اليوم بإنقاص 15 كيلوغرامًا على الأقل من وزنها، فقط من أجل أن تُقبل في الأوساط الاجتماعية أو العائلية المقربة. يقولون إن الجمال في عين الناظر، ولكن يبدو أن الزمان والواقع الاجتماعي لهما تأثيرهما أيضًا، حيث إن ما اعتبر يومًا جميلا وأنثويًّا في الماضي، يعتبر اليوم غير جذاب وخاصة السمنة.
أحد الأمراض الصعبة التي تجابهها النساء الغربيات (بما في ذلك، الإسرائيليات) هو مرض فقدان الشهيّة (الأنوركسيا). من الصعب جدًا إيجاد تحليلات أو توثيقات في المراجع المختصة عن هذا الوباء الاجتماعي، وكذلك في العالم العربي، وذاك لأن مثال الجمال في العالم العربي يختلف. عمليَّا، في دول أفريقيا، مثل موريتانيا، نيجيريا ودول شمال أفريقيا، فإن الظاهرة عكسية، وعمرها عشرات السنوات إن لم يكن مئاتٍ، وهي ظاهرة تسمين النساء بالقوة، والاتجاهُ نحو تشجيع الفتيات الشابات على زيادة وزنهن، بينما في نيجيريا يرسلونهن إلى ضيعة تسمين وزيادة، في فترة ما قبل الزواج. هذه الظاهرة قائمة في دول عربية كثيرة لأن السمنة تعتبر رمزًا للقوة، الخصوبة والصحة. الموضوع يتعلق بالنساء فقط، في حين يُطلب من الرجال الحفاظ على وزن مناسب.
وباء اجتماعي- مرض الجيل
ما هو مرض فقدان الشهيّة حقًا؟ عمليًّا، فقدان الشهيّة هو ظاهرة متعلقة باضطراب في الأكل، تتصاعد وتيرة التقارير عنها في السنوات الأخيرة. وتصنّف الظاهرة كاضطراب نفسي- جسدي.
لهذه المشكلة يُنسب طبيًّا جانب نفسي متعلق بمشكلة انفعالية، مصدرها حتى منذ الرضاعة. العلاج المفضل في حالة تشخيص الظاهرة هو أولا وآخرا، نفسي.
ما مصدر الاضطراب؟ يظهر من الفحص الجسماني للرضّع المتوقع أن يصابوا بمرض فقدان الشهيّة في المستقبل بلا أعراض خاصة، أنهم معافون تمامًا، مقابل أمهات تظهرن يائسات ومرهقات. تلاحظ الأم أن رضيعها يقوم بأكل الوجبات في أوقات متباعدة، والتي يعقبها مقاومة وحتى حالات من التقيؤ في أحيان متباعدة. يصيب اليأس الأم بسبب مقاومة الرضيع، وكلما “دفعت” بالطعام إليه بالقوة، يقاوم الرضيع أكثر وتشعر الأم باليأس والإحباط.
هذا العارض يعود على نفسه في أوقات متقاربة في السنين التالية، في عادات أكل الطفل. تُقابل رغبة الأم في دفع الطعام بكمية ووتيرة ترغب بفرْضَها على رضيعها بالمقاومة، ويؤدي ذلك بها إلى “معركة” وتتمسك بموقفها.
حين يترعرع الرضيع، ستتشوش تغذيته بسبب عدم اعتبار الأم لحاجاته حتى يصبح يعاني من فقدان الشهيّة، ونتيجة ذلك سيتضرر جهازه الهضمي بأجمعه.
قد يظهر مرض فقدان الشهيّة بوتيرة منخفضة منذ جيل الطفولة، كتعبير عن المقاومة أو الحاجة العاطفية في وجه الأحداث المحيطة. في جيل البلوغ، يظهر المرض بشكل “فقدان الشهيّة العصبي”. رصَد باحث إنجليزي هذه الظاهرة لأول مرة سنة 1689. وقد ازدادت وتيرة الظاهرة في السنوات العشر الأخيرة. اليومَ، تعاني فتاة من كل 200 فتاة في العالم الغربي من هذه الظاهرة.
علامات إضافية: الخوف من السمنة، صورة اجتماعية متدنّية وغير مبرّرة، انخفاض في الوزن فوق 25 % من الوزن الأصلي في بداية الحمية. يظهر الاضطراب غالبً بين 14 حتى 17 عامًا. في المرحلة الأولى يظهر انشغال ملاحظٌ في كل ما يتعلق بحرق الدهنيات، إما بواسطة الرياضة وإما تناول طعام خفيف بلا سكّريات.
في المرحلة الثانية تنتقل الفتاة للتقيؤ المفتعل أو بالمسهّلات. كذلك، يتعاظم انشغال الفتاة بالطبخ وإطعام من حولها.
هنالك فجوة بين نظرة الفتاة الظاهرية والخفية تجاه ذاتها كفتاة سمينة كما تظن. رغم التنحيف الحاد، فما زالت تظن نفسها سمينة. تتطور لديها محاربةُ الشهيّة الطبيعية، التي ستنخفض كلما تفاقم المرض. تأخذ الشهية في الاختفاء شيئا فشيئًا، ويظهر مرض فقدان الشهيّة بكل دلالته. يحوّل كبح الشهوة أعراض المرض إلى مرض خطير يؤدي إلى كبح الخلايا حتى تتوقف أجهزة الجسم عن العمل كليًّا، ويلحق الجسم ضررًا لا يمكن إصلاحه حتى يصبح مهددًا للحياة.
هل الإناث تعاني فقط؟ يظن البعض حين يفكر باضطرابات الأكل بأنه مرض نسائي فقط، لكنّ بحثا جديدًا نشر في مجلة لرابطة الأطباء الأمريكيين في السنة الفائتة (2013) يوضّح: إن عدد الفتيان الذين يعانون من اضطرابات في الأكل أعلى مما ظننا حتى الآن.
في بحث أجري في مشفى للأطفال في بوسطن، لمدة 10 سنوات على فتيان مراهقين، أبلغ ما يقارب الثلث (31%) عن نوبات في الأكل، التقيؤ أو الأكل المفرط في أوقات متباعدة، 0.8 % منهم تحدثوا عن نوبة جزئية أو كاملة، و 2.9 % ممن أجاب قال إنه عانى من نوبات أكل. تحدث 17.9 % من المراهقين أنّهم قلقون إلى حد كبير من وزنهم ومبنى جسمهم. هؤلاء الفتيان معرّضون لاستعمال المخدرات والشرب المفرط في فترات متقاربة.
حدودي: يوشك على الإصابة بمرض فقدان الشهيّة
تظهر الأبحاث في السنوات الأخيرة ظاهرة أكثر إقلاقا التي تدعى باللغة المهنية “مرض فقدان الشهيّة جزئيا”. وجدت د. جنيفر جي توماس، عالمة نفس أمريكية، والتي بحثت الظاهرة لسنوات، أنه حسب المعطيات المستجَدَّة، صحيح أن فتاة من كل 200 مصابة بمرض فقدان الشهيّة، لكنّ عدد أولئك الذين يعانون من “مرض فقدان الشهيّة جزئيا” هو أكبر بكثير وعمليا فإن شخص من كل 20 يعاني من أعراض المرض الصعب.
توضح د توماس أن في كتابها الذي أصدر بعد بحثها، لا يتطرق مصطلح “مرض فقدان الشهيّة جزئيا” لحالةِ فتاة سليمة تقرر خفض كيلوغرامين من وزنها كي ترتدي فستان العرس أو شابّ سليم يجتهد في حميته لأجل الاشتراك بالماراثون. تصف هاتان الحالتان وضعًا مؤقتا. حين يكون الحديث عن اضطرابات، تصبح هي مركز الدائرة وتؤثر على الإنسان سلبًا في كل مجال من مجالات حياته.
أثبت مئات المعالجين عند د توماس لها أن النطاق واسع. من جهة هناك مساحة بيضاء- أناس لا يعانون من اضطرابات أكل؛ ومن جهة أخرى هناك مساحة سوداء- أناس يعانون من اضطرابات أكل؛ بينما المساحة الرمادية هي الأرحب، أناس الـ “جزئيًا”.
تبين د توماس في كتابها بأنه “يحس الناس الذين يعانون من هذا المرض بأن الأكل سبب لهم فقدان السيّطرة على أنفسهم ومجريات حياتهم. يخجلون من سلوكهم، يعانون من إحساس بالذنب لأنهم رغم كل جهودهم التي بذلوها لم ينجحوا في خفض وزنهم، يعيشون في خوف دائم ألّا ينجحوا في الحفاظ على الوزن الذي حققوه بالجهد العظيم، ويعتزلون الحياة الاجتماعية لكيْ لا يكشف سرُّهم. هذه حياة لا فرح ولا حياة فيها”.
اختبر نفسك، هل أنت مصاب بـ “مرض فقدان الشهيّة جزئيا”؟
إن الغاية من هذه الاستمارة هي مساعدتكم على فحص احتمال أن تكونوا قد تعانون من اضطرابات أكل تتطلب تدخلا مهنيًّا. هذا لا يشكل بديلا عن التوجه إلى مهني. بهدف التسهيل، تمت صياغة الاستمارة بلغة المؤنث، لكنها معدّة لكلا للجنسين على حد سواء. توضح مؤلفة الأسئلة، د جنيفر توماس، أنه ليست هناك إجابات صحيحة أو غير صحيحة.
عليكم الإجابة بصراحة على كل الأسئلة. الإجابة الممكنة لكل سؤال هي: دائمًا، عادة، في أوقات متقاربة، أحيانًا، في أحيان نادرة، أبدًا. بعد أن تجيبوا على كل الأسئلة- أحصُوا كم مرة أجبتم كل إجابة منها.
.1 أخاف أن يزيد وزني
.2 أمتنع عن الأكل وأنا جائعة
.3 أنشغل بشكل مفرط في الإعداد للوجبات
.4 تنتابني نوبات أكل لا يمكنني إيقافها
.5 أقطع الطعام لقطع صغيرة
.6 أعرف عدد السعرات في كل أكل
.7 أمتنع عن الأكل الغني بالسكريات مثل الخبز والرز
.8 أشعر أن القريبين مني يريدون أن آكل أكثر
.9 أتقيّأ بعد الوجبة
.10 بعد أن أنتهي من الأكل ينتابني شعور بالذنب
.11 أفكر كثيرًا في رغبتي بخفض وزني
.12أفكر وقتَ تمرين اللياقة في السعرات التي حرقتها
.13 أنا بنظر الآخرين نحيفة جدًا
.14 أخاف من التفكير بالدهنيات التي ستتراكم في جسمي
.15 آكل على مهلي وأنهي أكلي قبل الجميع
.16 أمتنع عن الطعام الحاوي على السكر
.17 أنا آكل وأشرب فقط أشياء للحمية
.18 أحس أن الأكل يسيّطر على حياتي
.19 تتعلق ثقتي بنفسي بمقاييس جسمي وفقط عندما أنحف سأكون سعيدة
.20 يلحّ القريبون مني علي في الأكل
.21 أخصص وقتا وتفكيرًا أكثر مما يجب للأكل
.22 أمقت نفسي بعد أن رغبت في أكل تحلية
.23 أنا مقيّدة بعادات الحمية التي تبنيتها
.24 أحب الشعور بأن معدتي فارغة
.25 بعد الوجبات تزداد دافعيتي للتقيؤ
.26 أتمتع بتذوق أطعمة غير معروفة
إن أجبت على 18 سؤالا (أو أكثر) بالإجابةِ “دائمًا”
إن أجبت على 18 سؤالا (أو أكثر) “في أوقات متقاربة” و “أحيانًا”- من الراجح أنك قريبة لمعايير “مرض فقدان الشهيّة جزئيا”. لا توهمي نفسك بأن هذا الوضع عابرٌ يمكنك أن تتخلصي منه بقواك الذاتية ودون الحصول على مساعدة. حددي دورًا عند طبيب العائلة وعند مهني خبير في مجال اضطرابات الأكل.