من يشاهد مقطع الفيديو الصادم الذي انتشر في الإنترنت، لتفكيك حزام ناسف من جسد صبي عراقي عمره نحو 12 عاما قبل لحظة من انفجاره في مدينة كركوك في واجهة مسجد شيعي، لا شك أنه يصاب بصدمة من الاستخدام المتزايد للمراهقين والأطفال الصغار لتنفيذ مهامّ القتل لصالح تنظيم الدولة الإسلامية.
وصدم بالتأكيد الحزام الناسف أيضا الذي شغّله صبي تركي يبلغ من العمر نحو 12 عاما في زفاف زوج كردي، والذي أدى إلى وفاة أكثر من 50 شخصا، العالم بالوحشية والأساليب التي تستخدمها داعش في تجنيد هؤلاء المراهقين للمهام الأكثر فتكا لها وضدّ “الكفار”.
ولكن قصة “أشبال الخلافة” لا تبدأ هنا، في الأحداث الصادمة من الأيام الأخيرة، وإنما منذ سنتين من الماضي تقريبا، عندما بدأت أحلام داعش في احتلال مدن وقرى أبناء الأقلية اليزيدية في شمال العراق (صيف 2014) تتحقق. ذبح مقاتلو التنظيم رجالا وشيوخا وسخّروا نساء وفتيات كإماء للجنس. كان مصير الأبناء الصغار، المراهقين والأطفال، مختلفا. فرض عليهم تنظيم داعش اعتناق الإسلام ووجّههم إلى معسكرات إعادة التربية، والتي هدفها النهائي هو جعلهم مقاتلي التنظيم المستقبليين. تم إدخال أكثر من 120 طفلا ومراهقا يزيديا إلى معسكر في شمال العراق لغرس قيم الجهاد في وعيهم. طُلب منهم مشاهدة مقاطع فيديو لقطع رؤوس وقال لهم المرشدون أنّه يومًا ما سيقومون بذلك بأنفسهم، ولكن في البداية عليهم التدرّب على التقنية. حصل كل واحد من الأطفال على دمية وطُلب منه قطع رأسها.
https://www.youtube.com/watch?v=n1Qo7bwmWE4
ولكن اليوم، ليست هناك معلومات دقيقة حول عدد الأطفال الذين جندوا للخدمة في صفوف داعش والتدريبات الجهادية. تتحدث التقديرات المختلفة عن أعداد تتراوح بين 500-1500 طفل ومراهق يتلقّون إعادة تربية على قيم الإسلام المتطرّف.
في سوريا أيضًا، تبذل داعش قصارى جهدها لتجنّد من صفوف الصغار، جيل مقاتليها القادم. في آذار 2015 ذكرت وسائل إعلام دولية أنّ التنظيم قد جنّد 400 طفل سوري ووفر لهم تدريبات عسكرية مكثّفة ودروسا دينية في الأراضي التي يسيطر عليها في البلاد وخصوصا في منطقة الرقة.
وقال زعماء منظمات حقوق الإنسان الذين يتابعون هذه الظاهرة المقلقة إنّه في سوريا، منذ اللحظة التي يبلغ فيها الأطفال 15 عاما، تُعطى لهم فرصة القتال بوظيفة كاملة مقابل الأجر. يحاول عناصر داعش إغراء الأطفال بالمال والسلاح ويعلّمونهم قيادة السيارات. فمع غياب إطار تربوي بديل وغياب العمل أو إمكانية التشغيل، فهذا ما يفضّل الأطفال القيام به.
في سوريا، يُستخدم “الأطفال-الجنود” في العادة لحراسة نقاط التفتيش التابعة لـ “الدولة الإسلامية” ولجمع المعلومات الاستخباراتية من المناطق التي لا يسيطر عليها التنظيم. وذلك، نظرا للحقيقة أنهم يستطيعون التسلل إلى تلك الأماكن من دون أن يلاحظ وجودهم أحد. ومع ذلك، فقد خُصّصت لبعضهم أهداف أكثر عنفا.
وتتحدث شهادات من أراضي الخلافة في العراق عن جهود كبيرة لداعش في بناء أجيال جديدة من الجهاديين. يغري التنظيم الأطفال والمراهقين بالهدايا للانضمام إلى صفوفه، ولكن أيضًا من خلال ممارسة التهديد وغسيل الدماغ، مما يجعلهم قتلة وانتحاريين. الإنترنت مليء بمقاطع الفيديو لأطفال يقطعون رؤوس أكراد، شيعة أو مجرد جنود سوريين أو عراقيين. يتم كل شيء بطبيعة الحال بإشراف شخص بالغ من داعش.
https://www.youtube.com/watch?v=PlaztLcBbqU
إنّ التربية الجديدة على قيم داعش تتم أيضًا في المدارس وفي المساجد. يتم تجنيد الأطفال أحيانا خلافا لرغبة الأهالي ويثير صراعات أسرية. يوزّع المسلّحون ألعابا على الأطفال للتقرّب منهم. في معسكرات إعادة التربية، تتم تسميتهم “أشبال” – وهم الأطفال المقاتلين في الخلافة الإسلامية.
يتحدّث الأطفال الذين أقاموا في معسكرات تدريب داعش ونجحوا في الفرار عن أنّ التدريب الروتيني يشمل بين 8-10 ساعات يوميا. ويشتمل جدول الأعمال اليومي على تدريبات لياقة، تدريبات على السلاح، وتعلّم القرآن. يعلّم مرشدو المعسكرات الأطفال كيف يطلقون النار من مسافة قريبة. وتحدث أطفال آخرون عن أنّ المرشدين قد طلبوا من بعضهم توجيه الضربات بينهم بحجّة أن هذه الضربات تعزّزهم.
يرى تنظيم داعش، هؤلاء الأطفال بصفتهم جيل المستقبل من المقاتلين الذين سينشرون بشرى الخلافة، قيم الجهاد، والتطرّف الإسلامي. وقد بات العالم يعيش البوادر الأولى لظهورهم ونشاطهم الوحشي في هذه الأيام.