تتألف وحدة قصاصي الأثر في الجيش الإسرائيلي من عدة مئات من المقاتلين، غالبيتهم العظمى من أبناء الطائفة البدوية. في كل يوم وفي كل حالة طقس يخرجون للمهمة وهم مسلّحون بسترة واقية خفيفة الوزن وبندقية M-16 وبشكل أساسي بحاسة بصر وشمّ متطوّرتين. يتجوّلون في جميع الحدود الإسرائيلية في بحث مستمر عن الإرهابيين والمهرّبين. حتى في الأيام التي تطلق فيها إسرائيل إلى الفضاء أقمارا صناعية عالية التكنولوجيا، وتُدخل إلى الوحدات أنظمة متطورة ووسائل مراقبة متقدّمة، فليس هناك بديل لتقفي الأثر.
على مرّ السنين، لحقت بهم الكثير من حالات الخسارة في ساحة المعركة، وبالإضافة إلى ذلك اضطرّوا إلى مواجهة تعامل سلبي تجاههم في بيئتهم وصورة سلبية لمن يُعتبر في المجتمع العربي – المسلم في إسرائيل “عميلا للاحتلال الإسرائيلي”.
خرج فريق تحرير المصدر للالتقاء بوحدة قصاصي الأثر في التدريبات الميدانية الراهنة بقيادة زهير فلاح الهيب. مارس الجنود الشباب والقدماء الذين التقينا بهم في مكان ما وسط البلاد تدريبات قاسية في التعرّف على المتفجرات والأنفاق وكل ذلك اعتمادا على ما توفره الطبيعة كشهادة صامتة: آثر، شجيرة مكسورة، تحرّك حجر أو لون الأرض.
كان الحديث مع قائد الوحدة رائعا. حاولنا فهم سرّهم، ماذا يرون في آثار الأقدام العادية التي لا يراها الشخص العادي إطلاقا. الإجابة، كما تعلّمنا، هي الكثير جدّا.
اقتفاء الأثر – صفة فطرية؟
قطاع غزة، الحدود بين إسرائيل ومصر، الأردن، سوريا أو لبنان جميعها مشبعة بوسائل المراقبة أو الاستخبارات التي يتم السيطرة عليها عن بُعد، وما زالت لا تقترب أية قوة من السياج دون قصّاص للأثر في المقدمة. “هي حدود خطرة وقصاصو الأثر هناك يعتبرون هدفا ذا جودة بالنسبة للقناصة والفرق المضادة للدبابات”، كما يقول الهيب.
“قصّاص الأثر هو مهنة نعيشها منذ الطفولة، رعاة الغنم الذين ترعرعوا في المزارع وساروا خلف الماعز والإبل. الأشخاص الذين يعيشون على الأرض”، كما يوضح لنا الهيب. رغم أنّ التقاليد البدوية آخذة بالتلاشي لأنّ المجتمع يمرّ بتحضّر سريع، فلا زالت التقاليد موجودة، الإحساس بالطبيعة بالإضافة إلى فهم المنطقة. قال لنا أحدهم – أشك إنْ كان مازحا أو جادّا – إنّه قد تكون هذه القدرات وراثية، كامنة في الجنود البدو الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي. فكيف يمكن أن نفسّر حقيقة أنّ قصّاصي الأثر وحدهم، من أبناء المجتمع البدوي يستطيعون شمّ وتحديد فطر الكمأ في وادي العربة والنقب؟
“يأتي قصّاص الأثر مع هذا الإحساس ونحن نطوّر له ذلك زيادة بما في ذلك العمل مع سائر قوى الجيش”. يوضح الهيب بأنّ وحدة قصاصي الأثر تعمل في المقام الأول على الخبرة. يجتاز قصّاص الأثر الذي ينهي التدريب الأساسي دورة من أربعة شهور ويكتسب لاحقا مراحل مهنية. ” بحسب الظل والشمس وهطول الأمطار أستطيع أن أعرف إذا كانت هناك محاولة للتهريب على الحدود، هل من اجتاز الحدود كان أعرجا، فالشخص الأعرج يُدخل الرجل السليمة بشكل أعمق في الأرض. أستطيع أن أعرف إذا ما كان يحمل شيئا على ظهره وإلى أين هو ذاهب”.
تحاول التنظيمات الإرهابية طمس آثار العناصر لتضليل قصاصي الأثر، غالبا دون نجاح. “هناك العديد من الطرق، على سبيل المثال عندما يمرّون مع إسفنجة على الحذاء، وأكثر ندرة أولئك الذين يجتازون مع أحذية وُضع تحتها جلد الغنم. هناك من يحاول التغطية بواسطة فرع وهو الأكثر شيوعا. ليس لدى قصاصي الأثر أية مشكلة في كشف ذلك وكل تغيير في الأرض تكشفه عيوننا. تدرك مباشرة أن شيئا ما ليس على ما يرام”.
منذ 23 عامًا وهو في الجيش. بدأ طريقه كمقاتل في لواء جولاني وتقدّم هناك حتى منصب نائب قائد كتيبة. وهو في السنوات الأخيرة ضابط قصاصي الأثر في شعبة الأغوار.
قصاص الأثر هو طليعة العمليات العسكرية
يتحدث الهيب عن مهنة خطيرة لسبب بسيط: “نحن في الطليعة ونسير دائما في مقدمة القوة. يعتبر قصاص الأثر جزءًا لا يتجزأ من الدفاع وهذا أمر يجب فهمه. رغم كل التكنولوجيا فليس هناك بديل للعيون. لأنّ هناك عدة عوامل مؤثرة، حالة الطقس أو الليل والضباب، ليس هناك تأثير تقريبا على عيني قصاص الأثر، ولكن الأهم هو قدرة قصاص الأثر على التحليل. لأنّه إلى جانب الأثر فأنا ملزم بتقديم صورة الوضع الحالي عن العدوّ الذي يواجه القوة”.
وفضلا عن قدرتهم على تحليل الآثار فلدى قصاصي الأثر عقيدة عمل مرتّبة جدا والتي تحتوي على عقيدة قتالية عسكرية مع قدرات بدوية قديمة. حاسّة الشمّ القوية، القدرة على العمل في مناطق واسعة، القدرة في البقاء على قيد الحياة والجهد المادي الأمثل لظروف المنطقة الصعبة والتي لا تنتهي.
قصاصو الأثر في غزة، الضفة الغربية ولبنان
في حين أنّ أساس المواجهة في قطاع غزة بالنسبة لقصاصي الأثر هو المتفجرات والأنفاق، فإنّ أساس عمل قصاصي الأثر في الضفة هو الكشف عن الإرهابيين الفارّين، خلايا القتل بالرصاص، ملقو الحجارة والعبوات. كان أول من برز بعد العملية التي قُتل فيها رئيس الشرطة باروخ ميزراحي هم قصاصو الأثر الذين أرسِلوا للكشف عن آثار الإرهابي. حتى لو لم يمسكوا به فهم الذين قدّموا للشاباك وجهة التحقيق الأولية بعد أن أخبروا المسؤول عن عدد الإرهابيين وفي أي قرية انتهت الآثار.
تختلف قواعد اللعبة تماما بين قطاع وقطاع. في غزة هناك سياج ومحور تمويه مرتّب ممّا يحدّد منطقة النشاط. في قطاع الضفة الغربية لا يتوفر ذلك، ويتم الاعتماد على شيء واحد وهو قصاص الأثر. يشتمل التحدّي الأكبر لدى قصاصي الأثر في الضفة الغربية على إطلاق الزجاجات الحارقة، المجهّزة لمهاجمة المواطنين والجنود، إلقاء الحجارة، الهجوم بنيران القناصة ومحاولات تهريب السلاح والعناصر. وظيفة قصاص الأثر هي أن يخبّر من أين تأتي مجموعة ما، كم رجلا بها، هل جلسوا في المنطقة من قبل وكم من الوقت جلسوا بل وحتى إذا ما كانوا قد خطّطوا لذلك من قبل. “وفقا للآثار يحتاج قصاص الأثر أن يعرف ماذا فكرت المجموعة أن تفعل وكيف”، قال لنا الهيب.
الحدود الشمالية مع لبنان، هي حدود تبدو هادئة ولكنها في الواقع تشتعل تحت وجه الأرض. معظم عمليات قصاصي الأثر هي الكشف عمّ لا يستطيع معظم الناس مشاهدته. اقتفاء الأثر الجديد، العلامة الجديدة واقتراب عناصر حزب الله من السياج الحدودي. “بالنسبة لنا فكل عملية لاجتياز الحدود، سواء تم الإشارة للأمر بعد ذلك كعملية تهريب جنائية أو عملية إرهابية، فهي عملية إرهابية معادية. لكل منطقة تحدّياتها، أرضها، غطاؤها النباتي، وبواسطة هذه النتائج الجغرافية نقوم بتفسير مختلف الساحات”، أضاف الهيب.
“بحسب تقديري فمن يحاول الإضرار بإسرائيل، المهربون والعناصر الإرهابية ولا يهم في أي قطاع، يخاف من قصاصي الأثر أكثر بكثير من سائر وسائل المراقبة المتطوّرة. فهم يعرفون أنّ قصاص الأثر يعرف كيف يحلّل المنطقة ويفهم الوضع الحالي. يتحدث قصّاص الأثر العربية ويمكن أن نفهم بأنّه عقل عربي يعرف كيف يدخل إلى العقل العربي ولهذا ميزة كبيرة”.
دافعية المقاتلين البدو آخذة بالارتفاع
يخبرنا الهيب أنّه على الرغم مما يحدث في إسرائيل مع المعارضة لمحاولات الحكومة لتجنيد الشبّان العرب أيضًا لخدمة الجيش، فنحن نشهد في الآونة الأخيرة تحديدًا استمرار توجه التجنّد والتطوّع البدوي في صفوف مقاتلي الجيش الإسرائيلي. “أنا مندهش من هذا التوجه. انضمّت مقاتلة بدوية من الشمال إلى وحدة الكاراكال في الجنوب، وحدة البنات المقاتلات في الجنوب. يدرك المجتمع في غزة دلالة التجنّد في الجيش الإسرائيلي. هناك بالطبع من يعارض ذلك ولكن التجمعات البدوية تستمر في التجنّد وليس فقط لأدوار المعارك والقتال. يفتح الجيش الإسرائيلي أمام الشبان البدو آفاقا جديدة للاندماج في سلاح الطب وفي مسارات الدراسة في الجيش الإسرائيلي. وأقول لك أيضًا أكثر من ذلك. فقد طُرح مؤخرا موضوع قتل المواطن العربي من كفر كنا. غطّت وسائل الإعلام الاضطرابات التي أشعلها الحدث في المنطقة، ولكن وسائل الإعلام لم تعرف بأنّ هناك أيضًا أشخاص في هذه القرية يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وكان هناك من عارض أحداث العنف التي جرت هناك”.
يعمل قصاصو الأثر في الجيش الإسرائيلي في ظروف قاسية غير موجودة في الوحدات الأخرى. هناك في المجتمع العربي في إسرائيل بل وحتى في المجتمع البدوي نفسه عدد ليس بقليل من الأشخاص الذين لا يتقبّلون بروح جيّدة تجنيدهم في الجيش. لقد اضطروا إلى تلقّي الكثير من المقالات السلبية أيضًا من وسائل الإعلام وفي العديد من المرات أن يتلقوا صفعات من النظام الذي ينتمون إليه. كشفت محاولات الحكومة الإسرائيلية في تنظيم الاستيطان البدوي في النقب عن فجوات بين الواقع والمنشود على الأرض، بين المؤسسة والشتات البدوي. ولم يتأخر سيف التقليصات من الوصول إلى قصاصي الأثر وتمّ تسريح قادة كبار في وحدات قصّ الأثر. ورغم كلّ ذلك فهم مستمرّون في المخاطرة بحياتهم. في استيعاب القتلى والجرحى والعمل على تأمين الحدود الإسرائيلية.