“الإخفاق كبير وخطير”، هكذا عرّفت لجنة التحقيق برئاسة القاضي إلياهو فينوغراد حرب لبنان الثانية، التي هزت إسرائيل ولبنان في صيف عام 2006. والآن، بعد تسع سنوات من ذلك الصيف القاسي الذي قُتل فيه نحو 1,000 لبناني، من بينهم نحو 700 مقاتل من حزب الله، و 165 إسرائيليًّا، من بينهم 121 جنديًّا في الجيش.
في الذاكرة التاريخية لإسرائيل، كانت هناك ثلاث شخصيات هي الأهم، وهي التي قادت إسرائيل إلى لما اعتُبر حربًا فاشلة: رئيس الحكومة حينذاك إيهود أولمرت، وزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس أركان الجيش دان حالوتس.
بعد مرور تسع سنوات نقل الثلاثة للصحفي رفيف دروكر من القناة العاشرة الإسرائيلية شهاداتهم حول تلك الحرب، في إطار برنامج التحقيقات “المصدر” (لا علاقة بين البرنامج وبين موقع المصدر).
الأمر الأكثر بروزا هو ما مرّ به هؤلاء الثلاثة منذ الحرب: تم الحكم على أولمرت، الذي كان رئيسا للحكومة، بعقوبة السجن بعد إدانته بقضايا فساد. استمرّ بيرتس في طريقه السياسي وهو يتولّى الآن منصب عضو كنيست معارض، ويطوّر حالوتس حياته المهنية في عالم الأعمال.
اعتُبر كل واحد من هؤلاء الثلاثة في ذلك الوقت غير مناسب للمنصب الذي استلمه
اعتُبر كل واحد من هؤلاء الثلاثة في ذلك الوقت غير مناسب للمنصب الذي استلمه. اعتُبر أولمرت سياسيا ماكرا، والذي لم يكن ليصل إلى منصب رئيس الحكومة لولا مرض رئيس الحكومة أريئيل شارون الذي كان أولمرت نائبا له. اعتُبر عمير بيرتس زعيم عمّال لا يفهم شيئا في الشؤون العسكرية والأمنية، وقد وصل إلى منصبه بسبب مكر أولمرت السياسي. في حين أن حالوتس، الذي كان قائدا لسلاح الجو الإسرائيلي، اعتُبر طيّارا متعجرفا لا يفهم شيئا في الشؤون العسكرية “الحقيقية”.
يجلس الصحفي دروكر على مدى ساعات أمام كل واحد من هؤلاء الثلاثة، وحصل منهم في المرة الأولى على روايتهم الكاملة عن الحرب المؤلمة، والتي جُرّت إليها إسرائيلي في أعقاب اختطاف جنديّي احتياط على الحدود الإسرائيلية اللبنانية. كشف أولمرت للمرة الأولى أنّه كان يعلم بأنّ أحد المختطفَيْن قد قُتل، وبأنّه كان واضحا بالنسبة له منذ اللحظة الأولى بأنّه لا يمكن لعملية عسكرية أن تُعيد كلا المختطفَين إلى إسرائيل.
حاول كل واحد من الثلاثة، إلى حدّ كبير، بأنّ يشرح لماذا هو ليس مسؤولا عن الفشل في الحرب.
اتّهم بيرتس حالوتس بأنّه لم يرغب بتجنيد قوات الاحتياط في الجيش منذ اليوم الأول وأضاف بأنّ الجيش قد أرسل رسالة كاذبة بأنّ مدينة بنت جبيل قد احتُلّت، في حين أنّ الأمر لم يتمّ إطلاقا.
ومن جهته، اتّهم حالوتس الجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادته بأنّه لم ينفّذ أوامره الصريحة. ومن بين أمور أخرى، اتّهم حالوتس ضبّاطا آخرين، بأنّهم أصيبوا بخيبة أمل عندما تمّ تعيينه رئيسًا للأركان مكانهم، ولذلك كانوا معادين له. بل وألمح حالوتس إلى أنّه رغم قيادته للعملية، لم تكن لديه القدرة للتستّر على أخطاء القادة الميدانيين.
بينما قال أولمرت بأنّه صُدم بأن يكتشف أنّ القادة، الذين كان يُفترض بهم أن يكونوا في الجبهة، قد بقوا في الجبهة الداخلية وقادوا العملية من الخلف.
سعى كلّ من أولمرت، بيرتس وحالوتس إلى التأكيد على أنّ الإنجاز الأكبر – وربما الوحيد لإسرائيل – في هذه الحرب، هو تدمير صواريخ الفجر بعيدة المدى والتي كانت بحوزة حزب الله في 68 موقعًا
سعى كلّ من أولمرت، بيرتس وحالوتس إلى التأكيد على أنّ الإنجاز الأكبر – وربما الوحيد لإسرائيل – في هذه الحرب، هو تدمير صواريخ الفجر بعيدة المدى والتي كانت بحوزة حزب الله في 68 موقعًا. أشاد أولمرت بسلاح الجوّ وقال: “لا أعتقد أنّ أي سلاح جوّ في العالم كان قادرا على القيام بذلك”، بينما اعترف حالوتس قائلا: “منحتنا العملية الأولى ثقة بأنّه يمكن التعامل مع الصواريخ بعيدة المدى، ولكن كان واضحا لنا بأنّنا لا نزال متورّطين مع صواريخ الكاتيوشا قصيرة المدى”. وأضاف حالوتس: “ظنّنا بأنّنا أقل تورّطا ممّا اتضّح بالفعل”.
إذا كان الأمر كذلك، فقد تحدّث حالوتس بصراحة بأنّ إطلاق صواريخ الكاتيوشا قد فاجأ إسرائيل بشكل سلبي، وكان أكبر ممّا كان يُتوقّع منه. فضلًا عن ذلك، قال حالوتس إنّه ربّما تكون القيادة قد أخطأت حين لم تغتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله منذ 12 تموز عام 2006، فيما اعتُبر ظهوره العلني الأخير.
تحدّث حالوتس عن مكالمة مع قائد لواء الشمال في الجيش الإسرائيلي، اللواء أودي آدم، فهم من خلالها بأنّ القادة “مستعدون لتلقّي أربعين مدنيّا مقتولا وألا يتلقّوا جنودا مقتولين”
ولكن الأمر الأهم، والأكثر بروزا ممّا ظهر في الإجابات على أسئلة دروكر، سواء على لسان بيرتس أو على لسان حالوتس، هو أنّ الخشية لدى القيادة الإسرائيلية من وقوع ضحايا إسرائيليين أضرّت باستعداد الجيش للتصرّف بشكل حازم. تحدّث حالوتس عن مكالمة مع قائد لواء الشمال في الجيش الإسرائيلي، اللواء أودي آدم، فهم من خلالها بأنّ القادة “مستعدون لتلقّي أربعين مدنيّا مقتولا وألا يتلقّوا جنودا مقتولين”.
منذ نهاية الحرب في لبنان، شنّت إسرائيل ثلاثة حروب مشابهة ضدّ قطاع غزة. قُتل في الحرب الأخيرة في صيف عام 2014 ما معدله 67 جنديّا إسرائيليًّا. أحد الأسئلة الكبرى ذات الصدى في إسرائيل منذ الصيف الأخير، والتي تعيد الشعب الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي إلى صيف عام 2006، هو سؤال الضحايا.
هل حياة جندي إسرائيلي أقل قيمة من حياة المواطن المدني؟ في الواقع فهناك أيضًا أسرة، أصدقاء ومكان عمل للجندي. أثبتت المقابلات مع القادة الثلاثة بأنّه ليست هناك معضلة أكثر صعوبة من تلك بالنسبة لقادة إسرائيل.