أثار يوم السبت، اليوم الأكثر قداسة لدى اليهود ويوم الراحة الرسمي في دولة إسرائيل، أكثر من مرة جدلا سياسيّا، يعكس الأقطاب المختلفة في المجتمَع الإسرائيلي. ولكن ما هو معنى يوم السبت؟ ولماذا يهتم بعض اليهود جدا في “الحفاظ” على قدسيته؟
السبت في اليهودية
يوم السبت هو يوح الراحة المقدّس لدى اليهود. وفقا للمعتقد اليهودي، خلق الله العالم في ستّة أيّام، ثم “استراح في اليوم السابع من جميع أعماله” (معنى الكلمة “سبت” بالعبرية هو التوقف عن العمل). في الوصايا العشر، يطلب الله من الشعب – “اذكُر يوم السبت لتقدّسه” (سفر الخروج، 20)، وورد لاحقا في سفر آخر في التوراة – “احفظ يوم السبت لتقدّسه” (سفر التثنية، 5).
بخلاف يوم الراحة في الإسلام والمسيحية، والذي يتوجب فيه المشاركة في الصلاة ولكن يُسمح بالعمل، فوفقا لليهودية يُحظر القيام بأي عمل يوم السبت. من بين المحظورات، يحظر العمل، الطبخ، تشغيل الأجهزة الكهربائية أو السفر في السيارات. وكذلك يحظر تصنيع أي شيء جديد وحمل أشياء باستثناء الملابس التي على الجسم.
يبدأ السبت مساء يوم الجمعة، مع غروب الشمس، وينتهي مساء يوم السبت مع حلول الظُّلمة. بمناسبة يوم السبت هناك صلوات احتفالية في الكنُس، وفي مساء يوم السبت من المعتاد ارتداء الألبسة ذات اللون الأبيض، والالتقاء بعد الصلاة لتناول وجبة عائلية احتفالية، تتم فيها صلاة “التقديس” (وهي مباركة خاصّة على النبيذ، وبعد ذلك على الخبز).
يوم السبت في المجتمع الإسرائيلي
إن معظم اليهود في المجتمع الإسرائيلي ليسوا متديّنين. 43% يعرّفون أنفسهم كعلمانيين تماما، و 23% يعرّفون أنفسهم كـ “تقليديين”، ولكنهم لا يحافظون على يوم السبت. 25% هم متديّنون (أو تقليديّون-متديّنون)، و 9% من اليهود في إسرائيل هم حاريديون، أي متديّنين ملتزمين جدّا.
رغم أنّ معظم اليهود في إسرائيل يصرحون أنّهم يؤمنون بالله، ويحتفل معظمهم أيضًا بتناول وجبة أسرية وبالتقديس، ولكن من ليس متديّنا يعتبر السبت بشكل أساسيّ يوما للراحة وقضاء الأوقات مع الأسرة. يعتبر غير المتدينين يوم السبت يوما لإجراء الرحلات، زيارة المطاعم، الترفيه، مشاهدة الأفلام والتلفزيون، وكل ذلك محظور وفقا للشريعة اليهودية في يوم السبت. يسافر معظم اليهود في إسرائيل أيضًا يوم السبت ويشغّلون الأجهزة الكهربائية والهواتف.
في المقابل، يحرص المتديّنون جدّا على الحفاظ على قدسية يوم السبت. فهم يعدّون الوجبات الفاخرة مسبقا، ويحددون مسبقا المصابيح التي تبقى مضاءة، ولا يطفئونها خلال اليوم كله.
تتميّز الأحياء السكنية للمتديّنين، ولا سيّما الحاريديين، بالهدوء يوم السبت، حيث لا تسير السيارات في الشوارع، ولا يتحدّث الناس بالهواتف النقالة. يُحظر أيضا ركوب الدراجات الهوائية والاستماع إلى الموسيقى والأخبار. تحافظ الأحياء الحاريدية على طابع يوم السبت بحرص شديد، ويغلق معظمها تماما بوابات الحيّ ولا تسمح لأي شخص أن يدخلها بالسيارة.
مع مرور السنين، كان الحفاظ على السبت في المجال العام في إسرائيل، وخصوصا في المدن المختلطة والتي يعيش فيها متديّنون إلى جانب علمانيين، محورا للنقاش والخلاف. ففي حين أنّ العلمانيين يطالبون بحرية الحركة وإبقاء أماكن ترفيهية مفتوحة، يعارض المتديّنون “تدنيس السبت” ويطالبون أن يتم إغلاق جميع المصالح والحفاظ على قدسية يوم السبت في المجال العام.
يمكننا أن نلاحظ فرقا كبيرا بين المدن ذات الطابع الديني، مثل القدس، والتي من الصعب أن نجد فيها مطاعم مفتوحة يوم السبت، وبين تل أبيب، التي تعج شواطئ البحر فيها، المطاعم، والمراكز الترفيهية بشكل خاصّ بالمتنزهين في عطلات نهاية الأسبوع.
يوم السبت في السياسة الإسرائيلية
منذ إقامة دولة إسرائيل عام 1948، وتعريفها كـ “دولة يهودية وديمقراطية”، تم الاتفاق على وضع راهن بحسبه يتم الحفاظ على يوم السبت في جميع المؤسسات الوطنية، إيقاف حركة المواصلات العامة في جميع البلدات وتم أيضا سنّ لوائح ضمنت تعطيل التجارة والحرف اليدوية يوم السبت، ولاحقا تم سنّ قانون يحظر تشغيل اليهود يوم السبت.
مثّل هذا الوضع الراهن بخصوص السبت أكثر من مرة مصدرا للخلاف السياسي الشديد بين ممثّلي الحاريديين في الكنيست وبين سائر الأحزاب. على مدى السنين، اشتملت الاتفاقات الائتلافية مع الأحزاب الدينية دائما على التزام الحفاظ على الوضع الراهن في شؤون الدين والدولة، أو على الأقل إعطاء حقّ النقض للحزب الديني على أي تغيير فيه.
مرة كل عدة سنوات يُطالب الجمهور والأحزاب العلمانية بتشغيل المواصلات العامة يوم السبت، ولكن في كل مرة تُلغى هذه المطالبة من جديد بسبب ذلك الوضع الراهن. في كل مرة يمسّ فيها مسؤول عام أو حكومي ما بيوم السبت تثور ضجّة، وتكثر الأحزاب الحاريدية من التهديد بالانسحاب من الائتلاف إذا تم انتهاك الوضع الراهن الخاص بيوم السبت. وقد ثارت ضجة مؤخرا عندما وافق وزير المواصلات الإسرائيلي على القيام بأعمال البنى التحتية للقطارات يوم السبت من أجل تجنّب الازدحامات المرورية في أيام الأسبوع الأخرى. والآن أصبحت تطالب الأحزاب الحاريدية رئيس الحكومة بإقالة هذا الوزير.
يبدو أنّه في المستقبل القريب، سيتم الحفاظ على الوضع الراهن الإسرائيلي بخصوص يوم السبت، بالتأكيد طالما أنّ الحاريديين ما زالوا في الحكومة. إنهم يرون في ذلك أهمية للحفاظ على الطابع اليهودي لدولة إسرائيل. في المقابل، يستمر العلمانيون في إسرائيل طوال الوقت في محاولة تغيير الوضع الراهن، من دون نجاح دائما تقريبًا. ويبدو أنّ هذا الخلاف، الذي يعكس جيّدا الفجوات بين الأقطاب في المجتمع الإسرائيلي، سيستمرّ لسنوات عديدة أخرى.