كيف يبدو أسبوع عمل ضابط في الجيش الإسرائيلي، الذي يخدم في هضبة الجولان قريبا من حدود سوريا، ويقدم مساعدات إنسانية للثوار والمواطنين؟ وثق الملازم أوفيك أزولاي، نائب ضابط وحدة مختارة في الجيش تعمل في الحدود الإسرائيلية السورية، أسبوعا كاملا من العمل في هذه المنطقة. للمرة الأولى، الكشف عن رسالة مثيرة للاهتمام، ومكتوبة بصيغة المتكلم:
يوم الأحد
يبدأ الأسبوع بجلسات ضباط طواقم العمل مع الجنود. وتتدرب الطواقم خلال اليوم، وفي كل مساء تقريبًا يصلون إلى الجدار لنقل الأدوية، والمعدّات الطبية للسوريين في إطار حملة “حسن الجوار”.
وننقل اليوم الأدوية والمعدّات الطبية إلى سوريا. ولكن قبل أن نصل إلى منطقة الجدار أتنقل بين أعضاء الطاقم وأتأكد من أنهم يعرفون كل التفاصيل ولديهم كل ما يحتاجونه. وكلما نقترب من الجدار، تزداد التفجيرات من الجانب السوري وتصبح أقرب، وتشهد الأصوات على ذروة القتال في المنطقة بين محافظة القنيطرة وقرية الأحمدية.
وفهمت من هذه الأصوات أهمية النشاطات التي نقوم بها. وأدركت أن الأدوية التي سينقلها طاقمي إلى السوريين ستُنقذ الجرحى المصابين إثر تعرضهم للتفجيرات الخطيرة في سوريا. ربما سيحظى هؤلاء السوريون بفضل مساعدتنا بحياة أفضل، وبإمكانية تلقي علاج طبي لائق.
وعندما وصلنا إلى الجدار، أقمنا منطقة عازلة، فتحنا البوابات، وفي ظل التفجيرات الخطيرة بدأنا بنقل البضاعة التي تتضمن معدّات طبية باهظة. بعد أن نقلنا المعدّات ابتعدنا عن الجدار. ثم جمع السوريون هذه المعدّات وابتعدوا ثانية بهدوء أثناء الليل.
يوم الإثنين
عندما استيقظت صباحا، شعرت أن مشاعر الإخلاص التي شعرت بها يوم الأحد ما زالت ترافقني وتشجعني على متابعة نشاطاتي.
وفي ساعات المساء، وصلنا خبر عن وجود جريح بحالة حرجة. فكان طفل تعرض لإصابة قذيفة بعد أن لعب في ساحة منزله كرة القدم، فتضررت قدميه. عندما نقلناه عبر سرير نقل المصابين شعرت كم كان وزنه قليلا.
وعندما اقتربنا منه طلب ماء. ولكن أوصى الطبيب بعدم الاستجابة لطلبه، موضحا أنه ربما هناك حاجة لإجراء عملية جراحية له ولهذا يجب أن يكون صائما. لقد داعبته، لعبت معه، وأوضحت له بالعربية لماذا ليس في وسعه أن يتناول الماء. وحاولت إلهائه.
وعندما أنهينا نشاطنا كل ما فكرت فيه هو الطفل المصاب الذي لم يقم بأي عمل سيء. وتذكرت كيف كنا نلعب كرة القدم عندما كنت طفلا. فاللعب هو نشاط أساسي لدى الأطفال. إلا أن هذا الطفل تضرر بينما كان يلعب إثر تعرضه لقذيفة.
يوم الثلاثاء
كان من المخطط إجراء نشاطات أخرى في إطار حملة “حسن الجوار”. وكان من المتوقع نقل الوقود، لتشغيل مولّدات الكهرباء وتزويد قرية جباتا الخشب بالكهرباء.
عندما وصلنا إلى الجدار ساد هدوء إلا أن السوريين لم يصلوا بعد. حضّرنا كل شيء، وأقمنا منطقة عازلة، ثم فتحنا البوابة، ونشرنا أنابيب وقود. كان كل شيء جاهزا، وكان على السوريين أن يصلوا من الجانب الآخر وأن يتزودا بالوقود.
ولكني تلقيت فجأة مكالمة هاتفية، علمت فيها أن السوريين ليسوا قادرين على التزوّد بالوقود. ففحصت الأنبوب وعندها تمزق وأنا أمسك به. فطار الوقود على جسمي. وكانت هناك إمكانية لإلغاء هذا العمل، والعودة إلى القاعدة العسكرية لتصليح الأنبوب ونقل البنزين في وقت آخر، ولكني قررت أن أعمل كل ما في وسعي لنقل البنزين في تلك الليلة. وجاء قراري هذا بعد أن فكرت في السوريين، الذين يحتاجون إلى هذا البنزين الموجود داخل الأنبوب الذي أمسك به، والذي يشكل حاجة أساسية. ولحسن الحظ، نجحنا بعد عدة محاولات في تصليح الأنبوب ونقل محتوياته بنجاح.
يوم الخميس
لم أصل أمس، الأربعاء، إلى الجدار، وانشغلنا في نشاطات روتينية في القاعدة العسكرية. وشاركنا اليوم في حملة “زيارة طبية” نستقبل في إطارها، المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون لإجراء فحوص وتلقي علاج، لا سيّما الأطفال، ومن ثم نعمل على إعادتهم إلى سوريا.
كان علينا اليوم إعادة مجموعة تتضمن نحو 40 امرأة وطفلا. عندما رافقناهم حتى الجدار، الذي يقع على بعد نحو 600 متر مشيا، رأيت امرأة تحمل طفلا. كان يبدو أنه من الصعب عليها أن تسير وهي تحمله. فاقتربت منها وفهمت أن ابنها يعاني من تخلف عقلي وهو غير قادر على المشي.
ولهذا رفعت الطفل على كتفي، لعبت معه، وحاولت أن أسليه طيلة الطريق. “لن أنسى ابتسامته أبدا. عندما وصلنا إلى الجدار نقلته إلى والدته، ثم نظرت إليهما بحزن وهما يبتعدان عن الجدار، عودة إلى الأراضي السورية الدامية. لكن عزيت نفسي بأنه كان في وسعهما أن يقضيا بضع ساعات في إسرائيل، وأن يستحما، ويبدلا ملابسهما، ويتلقيا ألعابا وهدايا.
**
هكذا يبدو أسبوع عمل نمطي لضابط في وحدة جولاني، التي تعمل قريبا من الحدود الإسرائيلية – السورية في الجولان، والمسؤول عن النشاطات الإنسانية بالقرب من الجدار. فهو يلتقي في كل أسبوع أشخاصا آخرين ينجح العلاج في إسرائيل في إنقاذ حياتهم. فالمشاعر التي يمر بها الضابط ليست سهلة، ولكنه يشعر بالاكتفاء.
“يجب ألا يمر أي طفل المعاناة التي يمر بها الأطفال السوريون”، قال الضابط، مضيفا “نحن نقدم دعما خلال نشاطاتنا هذه. فبفضل مساعدتنا يحصل السوريون في جباتا الخشب على الكهرباء ويحصل الجرحى على الأدوية أثناء المعركة القتالية. في وسع الأطفال السوريين بفضل الألعاب التي ننقلها إليهم والمعدّات، أن يلعبوا، ويشعروا بشعور أفضل. وكما نساعد السوريين على عيش حياة أفضل من خلال تقديم العلاج للذين يصلون إلى إسرائيل”.