من ينظر إلى الرجل الذي يقف وسط كل حملة الاستعدادات للسباق العربي اليهودي المشترك، في وسط موقف ليلي مهجور في ضواحي القدس، على بعد دقائق معدودة من السفر من المدينتَين الفلسطينيتَين بيت جالا وبيت لحم، لن يصدّق أنّ السباق الذي تم التجهيز له، سيتم.
ضبابٌ من البرد والخوف يُخيم على جزءي القدس، من الغرب ومن الشرق، تماما مثل هذه الليلة. يبدو “يسرائيل هاس” منشغلا بين نقطة التسجيل، وبين العدائين الذين بدأوا بالتجمع في الموقف الليلي، وبين الردّ على الاتصالات الهاتفية الملحّة، باللغة العربية العامية، لمجموعات الشبان الفلسطينيين الذين يفترض أن يصلوا من شرقي المدينة، من حي بيت صفافا بل ومن المدينتَين الفلسطينيتَين المجاورتين، بيت جالا وبيت لحم، وبين هيئات الردّ على أجهزة الإعلام والمصورين الذين جاؤوا لتغطية الحدث.
“حتى اليوم، كان انعكاس التعايش من خلال الرياضة بشكل أساسيّ في فرق كرة القدم. صحيح، أنه في بعض الملاعب في البلاد تُسمع هتافات عنصرية فظيعة، ولكن هناك العديد من الفرق التي تتضمن لاعبي كرة قدم يهودا وعربا يتعاونون في اللعبة الجماعية الأكثر شعبية في العالم”، كما يوضح لي هاس إجابة على السؤال كيف بدأت هذه الفعالية المشتركة بين الشبيبة اليهود والعرب.
“في الرياضة الجماعية، يشكل الفوز هدفا مشتركا لجميع اللاعبين، وهم يقومون بكل شيء من أجل تحقيقه”. “إذا كان الأمر كذلك”، أسأله “كيف يمكن العمل على التعايش في رياضة فردية جدّا مثل الركض؟”. قبل أن يرد بلحظة تصل سيارة السفريات ومعها مجموعة شبيبة من بيت لحم ومن بيت صفافا فيرحب بهم ومن ثم يجيبني: “لن تصدّق كم محادثة بسيطة خلال الركض، تساهم في إيجاد محادثة مشتركة وهذه هي الفكرة تماما”.
“نركض بلا حدود” هي مجموعة مؤلفة من شباب فلسطيني، عربي-إسرائيلي ويهودي. المشترك بين الجميع: حبّ كبير للركض. أقامت المجموعة، “شوشانا بن دافيد”، تلميذة في الثانوية، عمرها 18 عاما من القدس. “شجعتنا الأحداث المؤلمة التي مررنا بها في الصيف الأخير في القدس على إقامة هذه المجموعة”، كما تقول بن دافيد، “والأكثر من ذلك، أردتُ تشجيع الفتيات على ممارسة الرياضة”. “ما يؤسفني أن الشبيبة لا يعرفون بعضهم البعض والمجموعة هنا تنشئ جسرا آخر للتعارف والتعاون بين قسمي المدينة، الشرقي والغربي”، كما توضح لي بن دافيد وهي ترحّب بصديقاتها في المجموعة.
بدأ ذلك برؤيا مقدسيَين يحبان الركض، هاس وبن دافيد. انزعج الاثنان جدّا من الأجواء في المدينة بعد الحرب في غزة صيف عام 2014. قرّرت بن دافيد أنّها ستقيم مجموعة مشتركة للفتيات اليهوديات والعربيات، وخطط هاس للقيام بنفس الأمر مع الفتيان. في كانون الأول عام 2014 التقيا ببعضهما البعض وهكذا تحقّقت الفكرة وأصبحت مجموعة ركض حقيقية، والتي بدأ معظم أعضائها من الصفر ونجحوا في إنهاء سباق 10 كيلومترات في إطار ماراثون القدس الأخير. بعد شهر من ذلك، تمت دعوة ست فتيات من المجموعة للمشاركة في ماراثون ميلانو حيث أكملنَ هناك مسار الـ 42.2 كم في سباق تتابع.
كانت غرام جبر من بيت صفافا إحدى الفتيات الفلسطينيات الأوائل ممن تحمّسن لفكرة الركض المشترك بين العرب واليهود. ألا يخيفك أن تتجوّلي هنا في القدس الغربية على ضوء الحالة الأمنية الحساسة؟ “لا، الحقيقة العكس هو الصحيح. آتي إلى هنا وأنا أشعر بأمان. عندما نتدرّب سويّا أشعر أنّ هذا بيتي وهو آمن”، تجيب غرام بهدوء عجيب.
“في البداية لم تعجبني الفكرة ولكن لم أحكم عليها منذ البداية. أقول لك إنني من بيت صفافا ولم تكن لدي إمكانية وصول ولم أتعرف على شبيبة ليس فقط من غربي المدينة وإنما أيضًا من الأحياء الفلسطينية الأخرى، مثل صور باهر أو من أحياء المدينة القديمة. لقد وحّدتنا المجموعة وكبرنا وكبر كذلك الحافز لديّ على البقاء والتعرّف على المزيد والمزيد من الشبيبة”.
تخبرني غرام خلال تمارين الإحماء قبيل إطلاق السباق والتي تُعرَف في قريتها وفي أوساط أصدقائها في المدرسة والحيّ جيّدا بأنّها تلتقي مرة في الأسبوع مع شبيبة يهود من المدينة ويشجّعونها على القيام بذلك. وكما يليق بأية فتاة في سنّها، فإنّ غرام تكسب الرزق أيضا في غربي المدينة من العمل في متجر ألعاب في مركز المالحة التجاري المعروف. “نحن نتحدث عن كل شيء. ليس عن القضايا السياسية فقط وإنما أيضًا عن القضايا التي تهمّ الشبيبة بشكل عام. نحن نحرص على الحفاظ على علاقة ثابتة بين الصديقات. هذا ما يربط بيننا أيضًا في الأيام الصعبة”.
تسعى غرام إلى تمرير رسالة للشبيبة من أبناء جيلها سواء كانوا يهودا أو عربا أنه “رغم الأوضاع من المهم الحفاظ على إنسانيتنا. نحن ننتمي إلى نفس المدينة ويهمّنا تطوير العلاقات وتعزيزها. إنها قناة إعلامية غير رسمية ولكنها فعّالة جدّا”.
إنّها، إن لم أكن قد أكدت حتّى الآن، مجموعة ركض منظّمة ومهنية وتتطلّب استثمارا ماليا. في الأسابيع الأولى اهتم مؤسسو هذه المبادرة بتجنيد الأموال عن طريق حملة تمويل جماعية في الإنترنت، وقد نجحوا بواسطتها بتجنيد أكثر بقليل من 17,000 دولار.
كان يهمّ هاس وبن دافيد الكشف عن الفكرة بشكل مكثّف بشكل خاصّ في أوساط الشبيبة في شرقي المدينة، ومن أجل ذلك، ذهبوا إلى الأحياء لعرض الفكرة في المدارس وفي المؤسسات المختلفة، وقد نجح ذلك.
شارك في سباق الليلة نحو 55 من الشبيبة والبالغين ومن أجل إقامته شارك القسم الفلسطيني في وزارة الخارجية الإسرائيلية، شركة مايلستون والصندوق الجديد لإسرائيل.