لم يكن سهلا أن يكون أحدٌ في الأسبوعين الماضيَين مكان محلل الشؤون العربية في إسرائيل والكاتب الذي يقف خلف كتاب “ألف ليلة دوت كوم”، الإسرائيلي جاكي خوجي.
ظاهريّا، كان ينبغي أن يكون سعيدا لأنّ الكتاب الذي كتبه قبل عدة سنوات حتى ما قبل بداية الربيع العربيّ تُرجم إلى العربية بل وعُرض بعد أن حظي بشرف كبير في معرض الكتاب العربي في القاهرة. وهو معرض يزوره في كل عام ملايين العرب من مختلف البلدان في العالم العربي، ومعظمهم من الدول المجاورة لإسرائيل.
صرخت عناوين الصحف المصرية بل وجرى نقاش مستعر في البرلمان المصري حول هذا الموضوع. اندفع النائب محمد المسعود إلى إلقاء بيان عاجل في مجلس النوّاب عن ملابسات صدور الكتاب وسأل وزير الثقافة حلمي النمنم، بحجة أن روّاد المعرض فوجئوا بعرض العمل، ما أثار استياءهم، يوحي على غير الحقيقة بأن همّاً ثقافياً مضاداً للتطبيع قد ألهب حماس المواطنين المهدّدين أصلاً بالاعتقال والاستهداف إذا أعلنوا عن احتجاجهم بالطرق السلمية. وكان النمنم قد صرح بأن المعرض يحوي كتباً إسرائيلية، وأن هذا الأمر موجود منذ 30 سنة، مضيفاً عن دوره في ذلك: “ما المشكلة؟! هل دوري تعميم الجهل أم تعميم المعرفة؟
كُتب كتاب “ألف ليلة دوت كوم” من دون شكّ من أجل الإسرائيليين. إنّه يفتح نافذة على العالم الداخلي للشعب العربي ويعرض قصصًا ساخنة جمعها خوجي المحلّل للشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلية، خلال زياراته إلى الدول العربية: مصر، الكويت، الأردن، والمغرب. يقدّم الكتاب نظرة إلى داخل مجتمع الجيران العرب ويكشف عالمًا حيّا ورائعًا آخذا في التشكّل، ويتشكل أمام أعين القرّاء الإسرائيليين رأي عام مستقلّ قادر على أن يؤثّر في عملية اتخاذ القرارات لدى زعمائه.
والآن بعد أن اختتم المصريون أمس نشاطات المعرض تفرّغنا لإجراء مقابلة مع خوجي وطرح عدة أسئلة عليه حول الكتاب، وحول الضجة الكبيرة التي أثارها في القاهرة وحول العالم العربي وعلاقته بإسرائيل. وهو عالم أصبحت فيه كلمة تطبيع منذ زمن شتيمة ومن يُنظر إليه كـ “مطبع” فهو شخص لا وجود له.
حدثني قليلا عن الكتاب، كيف نشأت فكرة جمع عدة قصص قصيرة حول العالم العربي؟
“كُتب الكتاب في السنوات التي سبقت اندلاع الربيع العربيّ، ومن قبيل الصدفة طُلبت طباعته في 30 كانون الثاني عام 2011، قبل أسبوع من الإطاحة بالرئيس حسني مبارك”، هكذا بدأ يتحدث خوجي. “كان يهدف إلى تقديم أسس الخطاب في الدول العربيّة للقارئ العبري. منذ ذلك الحين ازداد الاهتمام في إسرائيل بما يحدث في العالم العربي، ولكن حتى كانون الأول عام 2010 كانت هناك فجوة كبيرة بين الواقع اليومي في تلك البلدان وبين عمق معرفة الإسرائيليين به. وقد قسّمتُ الكتاب إلى عشرة مواضيع، من بينها الديمقراطية، مكانة المرأة، الإرهاب، العلاقة بين الحكومة والمواطن، التوتر بين السنة والشيعة، وما إلى ذلك. وليس من قبيل الصدفة أنْه كانت تلك هي المواضيع الأكثر انتشارا بعد الثورات”، كما أضاف.
يقول خوجي إنّه كان هناك عدة محللين عرب ادعوا أنّه تنبّأ تماما ما سيحدث في العالم العربي وكذلك حدوث اندلاع الربيع العربيّ وسقوط الرئيس مبارك. “لستُ نبيّا ولم أشتغل بالتنبّؤات. إن واجب الصحفيين الذين يعملون مثلي هو الإشارة إلى الظروف والشروط لحدوث العمليات، وهذا ما قمت به في الكتاب”، كما يقول خوجي.
كُتب نقد عميق على الكتاب. قيل إنه مليء بالكثير من القصص التي تهدف إلى السخرية من العرب أو الإظهار إلى أي مدى هم بدائيون. ما رأيك؟
“نجح كتاب “ألف ليلة دوت كوم” جدّا في إسرائيل. نبع نجاحه من الاهتمام الجادّ بواقع الحياة في العالم العربي. قال الكثير من العرب الذين قرأوه، هنا وفي مصر، إنّه يمثّل الخطاب تمثيلا صادقا. بل وإنّ المترجم العربي للكتاب، عمرو زكريا، لم يكن ليترجم كتابا يشير بسخرية إلى أبناء شعبه”.
لماذا تعتقد أنه تمت أساسا ترجمة الكتاب إلى العربية وهو يتناول، من بين أمور أخرى، ظاهرة الإنترنت في العالم العربي؟
“سألني ابني أيضا، ابن الحادية عشرة عاما، لماذا يترجم العرب كتابا يتحدث في الواقع عنهم. لقد كتبته للإسرائيليين، وليس للعرب. أعتقد أن الهدف هو عرض وجهة النظر الإسرائيلية. أي، كيف وماذا يعتقد الإسرائيليون عن العرب. لا ينبغي لأي عربي أن يقرأ الحقائق على لساني، فهو يعرفها أفضل مني. ولكن تُضاف إليها وجهة نظر الكاتب. أنا أيضًا كنت سأهتم كثيرا، بمعرفة ما يعتقده عنّي المصري أو النمساوي أو الصيني”.
هل استأتَ شخصيا من العاصفة حول الكتاب؟
“لم أستأ إطلاقا. أنا مَدين لشخصين مصريين: وزير الثقافة، السيد حلمي النمنم، والذي قال عقب هذه العاصفة إنّه يؤيد نشر المعرفة، وليس نشر الجهل، ولذلك ليست هناك مشكلة في الترجمة عن العبرية. وكذلك إلى عضو البرلمان محمد المسعود، الذي بدأ كل هذه القضية، عندما طلب فتح تحقيق في أعقاب ظهور الكتاب في معرض الكتاب الدولي في القاهرة. سمح كلاهما بذلك للطرفين مناقشة قضية التطبيع ثانية. أعتقد أنّها مقاطعة لا داعي لها، والتي لم تحقق أهدافها السياسية، وأنّها تمسّ مسا كبيرا بالمواطن المصري أيضًا”.
هل هناك رسالة ما تريد أن تنقلها إلى القارئ المصري؟
“إنّ معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر هي تحالف عسكري – دبلوماسي بين الحكومتين. لا تتمتع الشعوب بهذه المعاهدة. حظر التطبيع ليس قضاءً مبرمًا، وإنما قرار اتخذه القادة، لذلك تقع عليهم مسؤولية تغييره. نحن نعيش اليوم في عالم مفتوح، متعطّش إلى المعرفة وفضولي. من يحجب نشر المعرفة، سيشعر محرجا عندما يكتشف أنّ الحواجز باتت مليئة بالثقوب. لذلك أنا متفائل. أنا واثق أنّ القادة سيفهمون ذلك، وفي المستقبل القريب يمكننا أن نتمتع أكثر بثمار الإبداع من كلا الجانبين”.
باعتبارك تغطي ما يحدث في العالم العربي للقارئ الإسرائيلي، هل تلاحظ انعداما مماثلا للتسامح في الجانب الإسرائيلي؟
“بالتأكيد. إسرائيل منشغلة جدّا بنفسها ولا تشجّع بشكل كافٍ التعارف الاجتماعي أو الثقافي مع الدول الجارة. حتى في الحظر المفروض على التطبيع في مصر، هناك دور لإسرائيل، بسبب صمتها تجاه القاهرة. ورغم أن مسؤوليتها ثانوية، إلا أنه صمت ضارّ مستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود. هناك الكثير لدى الإسرائيليين مما يمكنهم تعلّمه من العرب، ولا سيما، في مجالات الثقافة والمجتمع”.