تركت المقاطع الفظيعة، التي قُطعت فيها رؤوس الصحفيَين جيمس فولي وستيفن سوتلوف، العالمَ الغربي مصدومًا وأثارت الاشمئزاز لدى الغربيين الذين شاهدوها. تنبع الصدمة الكبيرة التي أصابت أصحاب الثقافة الغربية من واقع أن فولي وسوتلوف كانا صحفيَين، ولا يُعدّان عدوَين في ميدان المعركة وعامة يعتبران “محصنين” من الإيذاء، وكذلك من عملية قطع الرؤوس البدائية وصعوبة مشاهدتها واستيعابها.
وهذا هو السبب الرئيسي الذي من أجله سنستمر في مصادفة هذه المقاطع، وسيدرج في القائمة التي تحوي حاليًّا صحفيَّيْن، في المستقبل غير البعيد، أناس آخرون. تنظيم الدولة الإسلامية معنيّ باستمرار صدم الغرب، من أجل أن يرفع من احتمالات دفع الفدية المطلوبة لإطلاق كل واحد منهم.
في كلماتهما الأخيرة، ردد فولي وسوتلوف ما كتب لهما القتلة، الذين قالا إن موتهما جاء إثر عمليات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لا يجدر الخطأ في هذا، لا يوهم تنظيم الدولة الإسلامية نفسه أن التدخل الأمريكي في المنطقة سيقل، لكنه معني بخلق الرعب ورفع احتمال أن تُدفع فدية مقابل كل واحد من المخطوفين.
لم يكن صدفة أن الصحفيَين اللذين قتلا أمام العدسات كانا أمريكيَين. هناك بين توجه الأمريكيين والأوروبيين فرقٌ فيما يخص دفع الفدية لمن خُطف منهم، وتنظيم الدولة الإسلامية معني بالضرب على هذا الوتر الحساس.
كيف، إذًا، تتصرف الدول الغربية عندما يطلب منها مواجهة طلب الفدية الأصعب؟
أجرت الصحيفة البريطانية “إندبندنت” استطلاعًا، قارنت فيه بين سياسات الدول الغربية فيما يخص طلب دفع الفدية والرضوخ له. يظهر حسب الاستطلاع، أن هناك فجوة كبيرة ما بين الولايات المتحدة وبريطانيا، التي ترفض رسميًّا دفع الفدية رفضًا باتًا، مقابل دول غربية أخرى، التي تدفع الفدية حقًا وتطلق سراح رعاياها.
طالب رئيس حكومة بريطانيا، ديفيد كاميرون، هذا الأسبوع الدول الأوروبية الأخرى بجعل خط موحد للجميع بحسبه لا تُدفع الفدية، كما سياسية بريطانيا الرسميّة. ربط كاميرون ربطا مباشرًا بين فداء الرهائن وبين تعاظم الدولة الإسلامية، وأوضح أن عشرات ملايين الدولارات التي حاز عليها التنظيم من دفع الفدية قد ساهمت في تمويل الإرهاب.
حسب تقارير مختلفة، دفعت كل من ألمانيا، فرنسا، إسبانيا، إيطاليا وسويسرا عشرات ملايين الدولارات في السنوات الأخيرة من أجل إطلاق سراح رعاياها الذين اختطفوا. من الناحية الأخرى، في بريطانيا يجري “غض الطرف” عن التمويل الشخصي للفدية، ومثال على ذلك هو عندما دفعت شركة خاصة 600,000 ألف جنيه إسترليني لقراصنة صوماليين اختطفوا يختًا لزوجين بريطانيَين.
على النقيض من البريطانيين، المنهج الأمريكي أشد تصلّبا، وفي حالات تمويل فداء للرهائن من قبل شركات أمريكية خاصة، تعتبر تحت بند “دعم الإرهاب”. ينفي الأمريكيون، طبعًا، أنهم يدفعون من أجل الرهائن، وفي أغلب الحالات لا يستجيبون لمطالب الفدية، لكن في حالات استثنائية (وأشهرها الجندي المخطوف بو برغدال) سيقومون بإطلاق سراح أسرى من أجلهم.
إحدى الدول المثيرة للاهتمام فيما يخص إطلاق سراح الأسرى هي إسرائيل، التي تعلن رسميًّا أنها لا تجري مفاوضات مع أي خاطفين، لكنها في الحقيقة تجري تواصلات كهذه حتى بخصوص جثث جنودها. تتعالى في إسرائيل أصوات تطالب بوضع “ثمن” للمخطوفين الذي لا يمكن تجاوزه، لكن عندما تُثار الضغوط الجماهيرية تتغير قوانين اللعبة. أبرز مثال على ذلك هو إطلاق سراح الجندي المخطوف جلعاد شاليط، الذي أطلقت إسرائيل مقابله ما لا يقل عن 1027 أسيرًا ومعتقلا أمنيًّا.
في عملية “الجرف الصامد”، خُطفت جثث جنديَين إسرائيليَين قتلا في ميدان المعركة، وحتى قبل انتهاء الحملة بدأت إسرائيل بإجراء اتصالات فيما يتعلق بإعادة جثتيهما. تجسد هذه العملية فقط القيمة الكبرى لدى إسرائيل لجثث جنودها، قيمة تدركها حماس، التي استفرغت جهودها في خطف الجنود الإسرائيليين، أمواتًا كانوا أم أحياءً. ومع ذلك، سياسة إسرائيل هي المطاردة بلا هوادة لأي جهة متورطة بأي درجة كانت في الاختطاف.
تطرق رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، أمس إلى إعدام سوتلوف، وقال إنه قُتل “بوحشية منحطة” لأنه مثّل للمخربين رمزًا غربيًّا، وهي الحضارة التي يحاول الإسلام المتطرف القضاء عليها. لقد وضّح نتنياهو أن الإسلام المتطرف يرى في إسرائيل، والعالم كله “شركاء في القيم التي يريد استئصالها من العالم- الديمقراطية والحرية”.