المصطلح الإسلامي “حلال” مواز للمصطلح اليهودي “حلال” (كاشير). في كلتا الديانتين، هناك أحكام ذبح يجب التقيد بها كي يُسمح بتناول اللحوم وهناك حيوانات يُحظر أكلها. إذن فما هو في الواقع الفرق بين الديانتين ولماذا يُسمح بتناول لحوم “الحلال” وفق الشريعة الإسلامية ولكن يُحظر تناوله وفق “الحلال” في الشريعة اليهودية؟
وفقا للشريعة الإسلامية يُسمح فقط بتناول اللحوم التي تم ذبحها باسم الله وتستوفي عدة متطلّبات أخرى. مثل هذه اللحوم هي مشروعة للأكل وتسمّى حلالا. يُحظر على المسلم أن يتناول لحوما لم يتم ذبحها باسم الله. هناك حيوانات معرّفة بأنّها “محرّمة” وفقا للشريعة الإسلامية ويُحظر تناول لحومها مثل: الخنزير، القردة، الكلاب، القطط، والحيوانات المفترسة. يتم الذبح في الإسلام من خلال قطع الأوعية الدموية في العنق، ممّا يؤدي إلى موت الحيوان السريع بسبب فقدان الدم. خلال الذبح يعلن المسلم المؤمن أنّ الذبح قد تمّ باسم الله وعليه أن يصفّي الدماء من الجثة. يُحظر على المسلم أن يأكل الدم.
وهنا يُطرح السؤال من يُسمح له بذبح اللحوم وفقا للإسلام؟ هل يجوز للمسلم تناول لحوم ذُبحت من قبل يهودي أو مسيحي؟ بخصوص هذا السؤال هناك اليوم اختلافات في الرأي في أوساط الفقهاء المسلمين. تقول الغالبية العظمى من الفقهاء إنّه يجوز تناول لحوم تم ذبحها من قبل يهود أو مسيحيين وتعتبر حقا “حلالا”. وهم يؤسسون هذا القرار على سورة المائدة، الآية 5: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ “.
وهناك فقهاء مسلمون آخرون، وهم أقلية، وبحسب دعاواهم فهم متأثرون في الصراع الإسرائيلي-العربي، ويزعمون أنّه يُحظر على اليهودي ذبح اللحوم. يحاول أولئك الفقهاء العثور على عيوب في تقنيات الذبح لدى اليهود ويطرحون الشكوك أنّ الأموال التي ستُعطى لليهود من أجل اللحوم ستصل في نهاية المطاف إلى إسرائيل.
وتحافظ اليهودية أيضًا على قواعد صارمة بحسبها يتم الإعلان عن اللحوم بأنّها “حلال”. وفقا للشريعة اليهودية فالقواعد أكثر تقييدا بقليل. إذ يُحظر تناول جميع الحيوانات فيما عدا تلك المذكورة في التوراة. يُسمح فقط بتناول البهائم والحيوانات التي لديها أظلاف، شقّ، أو الحيوانات المجترّة. بالنسبة للطيور فهناك قائمة بالطيور المحظورة للأكل في التوراة وسوى ذلك يُسمح بتناول بقية الطيور. بالنسبة للأسماك – يُسمح بتناول كل ذوي الزعانف والقِشْر، أما بقية الحيوانات البحرية فمحظورة. بالنسبة للجراد – هناك أنواع معينة يُسمح بتناولها وهي مذكورة في التوراة. هذه المحظورات غير مفصّلة في الشريعة الإسلامية.
تولي الشريعة اليهودية أهمية كبيرة للذبح بطريقة صحيحة. من أجل أن تُعرّف اللحوم بأنّها “حلال” يجب أن تُلبّى الشروط التالية: يجب على اللحوم أن تكون لحوم بهيمة أو طيور طاهرة وذات علامات “حلال” معينة محددة وفقا للشريعة وتوجد بخصوصها تقاليد ذبح يهودية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحيوان وفقا لليهودية أن يُذبح وأن يفحص بأنّه “ليس حراما” (هناك مواد غذائية غير صالحة للأكل وفقا للشريعة اليهودية) من قبل شخص مؤهّل لذلك. يشير المصطلح “حرام” في اليهودية إلى البهائم التي ماتت بسبب مرض أو إصابة ويحظر أكل هذه الحيوانات. في الشريعة اليهودية هناك علامات تثبت أنّ بهيمة معينة ليست “حراما”، وهذه العلامات هي عندما تبقى البهيمة على قيد الحياة لفترة معينة أو عندما تلد ذرية.
ومن أجل أن تكون عملية الذبح “حلال” وفقا للشريعة اليهودية يجب على اللحوم أن تكون منقوعة ويجب تمليحها والقيام بعدة أمور أخرى محددة في الشريعة. وخلال الذبح اليهودي فكما هي القواعد في الإسلام هناك تبريكة – يقول الذابح “مبارك أنت أيها الربّ ملك العالم الذي قدسنا في وصاياه وأمرنا بالذبح”.
وسوى اللحوم التي هي “حلال” وفقًا للشريعة اليهودية هناك أيضًا لحوم هي “غلات كاشير” (Glatt Kosher). “غلات كاشير” تعني اللحوم التي لم تُثر أية أسئلة أو شكوك خلال ذبحها أبدا. إذا مرّت عملية الذبح على نحو سلسٍ تماما من دون تساؤلات حول نوعية اللحوم أو كونها “حلال” إذن يمكن القول إنّ هذا اللحم “غلات كاشير”، أما إذا كانت هناك تساؤلات وشكوك فعلا خلال عملية الذبح واتضح في النهاية أنّ كل شيء على ما يرام بالنسبة للحوم – يمكن حينها تعريف اللحوم بأنها “حلال” ولكن ليست “غلات كاشير”.
يمكن للمسلمين تناول اللحوم التي اعتبرت “حلال” وفقًا لليهودية. فأحكام الذبح اليهودية كافية من أجل أن تعتبر اللحوم “حلالا” بالنسبة للمسلمين. بالمقابل، فالعكس ليس صحيحا واللحوم التي تعتبر “حلالا” في الإسلام لا تعتبر “حلالا” وفقا لليهودية. وذلك بسبب تشديدات صغيرة وأكثر صرامة في اليهودية.
وأمثلة على ذلك هو سكين الذبح. يكفي بالنسبة للمسلمين أن تكون سكين الذبح حادّة ولا توجد تقييدات أخرى، وبالنسبة لليهودية فإنّ شحذ سكين الذبح يحظى بأهمية كبيرة بحدّ ذاته. فكل عيب في السكين مهما كان صغيرا يُبطِل الذبح. مثل هذه الفروق تمنع في الواقع الأطعمة “الحلال” وفق الشريعة الإسلامية من أن تكون “حلالا” وفق الشريعة اليهودية.
في السنوات الأخيرة سمعنا كثيرا في مختلف وسائل الإعلام عن دعوات لحظر ذبح “الحلال” في بلدان مختلفة في أوروبا، بشكل أساسيّ بسبب التفكير بالحيوانات التي تعاني من هذه العملية. هناك تقييدات لذبح “الحلال” وفق الشريعة اليهودية ووفق الشريعة الإسلامية تتعلق في كل منها، وهذا الحظر يضع المسلمين واليهود في نفس الجانب في الواقع للدفاع عن حريتهم الدينية في البلدان التي يعيشون فيها.