فتحت استقالة تشاك هيغل، غير المفاجئة، من منصب وزير الدفاع في الولايات المتحدة، الباب للسباق على هذا المنصب الأمني الأعلى في البيت الأبيض. المنصب الذي يحتاج للمرونة والقدرة على قيادة الولايات المتحدة في ظل الأزمات والمشاكل التي تدق باب تلك البلاد: تفكك ليبيا وتسرب الجماعات الجهادية إلى أفريقيا، الحرب الأهلية في سوريا، الحرب ضد داعش، الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، صراع السيطرة مع روسيا والأهم من أي حرب هو وقف سباق التسلح النووي الإيراني والشرق أوسطي، وكل ذلك دون أن نذكر بعد عشرات التهديدات الأمنية الداخلية.
أول اسم تداولته وسائل الإعلام الأمريكية لهذا المنصب الكبير هي نائبة وزير الدفاع السابق، السيدة ميشيل آنجليك فلورنوي (Michele Angelique Flournoy).
تداولت الصحف اسم السيدة فلوروني (54 عامًا) قبل عام حتى كمرشحة مناسبة لشغل هذا المنصب في حال قاد الديمقراطيون الولايات المتحدة أيضًا في الولاية الرئاسية القادمة في البيت الأبيض وخاصة تحت قيادة هيلاري كلينتون.
كانت في عام 2008 واحدة من طاقم أوباما الانتقالي، قبل دخوله إلى البيت الأبيض. شغلت منذ ذلك الحين منصب نائب وزير الدفاع للشؤون السياسية وظلت في قلب الأحداث عندما قرر الرئيس أوباما وقف الحرب في العراق وتقليص حجم القوات الأمريكية في أفغانستان، عندما أمر بإلغاء سياسة التمييز ضد المثليين في الجيش وعندما حاول البنتاغون رسم استراتيجية جديدة لمواجهة التحديات في آسيا وفي المحيط الهادئ، التهديدات الرقمية وتهديدات الإنترنت والأزمة في الشرق الأوسط – كل ذلك على خلفية التقليصات بميزانية الأمن.
كانت في بداية عملها في البنتاغون، قبل 17 عامًا، امرأة عادية، ديمقراطية – كان زملائها في العمل يجدون صعوبة بالتعامل معها. “ولكن الجيش الأمريكي مبني على أساس الاستحقاقراطية – إن كنت تُحسن ما تفعله، فإن الجميع يتغلبون بسرعة على الشخصية الخارجية بسرعة كبيرة. عندما قمنا لأول مرة بتنظيم وليمة غداء للنساء اللواتي يشغلن مناصب عليا في البنتاغون اجتمعت حول الطاولة 10 نساء، وبعد شهرين من ذلك أطلق الرجال عدة أوصاف وإشاعات وتخمينات – بخصوص ما تحدثنا عنه هناك. اليوم هنالك عدد كبير من الشخصيات النسائية المؤثرة، اللواتي يشغلن وظائف متقدمة ومناصب هامة بمسألة سياسات الدولة، حيث لم تعد مسألة الجنس هي مشكلة”، هذا ما قالته في عدة مقابلات بعد أن تركت منصبها في عام 2012.
مواجهة تبعات الربيع العربي
تعترف الإدارة الأمريكية أنها لا تزال تحاول استيعاب التغييرات التي تركها الربيع العربي على الشعوب العربية، ولكن موجة الثورات في الشرق الأوسط قادتها إلى استنتاج بسيط: “الطريقة الوحيدة لإعادة الاستقرار إلى المنطقة هي التسريع بعملية الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لحين الانتهاء منها. لا مجال للعودة، وإن حدث، ليس مؤكدًا بأن ذلك مناسب لنا ولمصلحتنا. في حوارنا مع القيادة الجديدة في المنطقة، علينا أن نوضح لتلك القيادة بأن هناك نقاط معينة التي لها أهمية كبيرة بالنسبة لنا وأنها ضرورية لتحافظ بذلك على دعمنا ودعم المجتمع الدولي”، هذا ما قالته في إحدى المقابلات.
التهديد الإيراني
وما رأيها بخصوص التهديد الإيراني؟ ربما لم تكن فلورنوي ضمن المنظومة الأمنية في الولايات المتحدة طوال عامين، ولكنها عبّرت عن رأيها بالموضوع خلال مؤتمر الأمن القومي الذي عُقد في إسرائيل عام 2012. في ذلك المؤتمر، الذي حضره أيضًا وزير الدفاع السابق إيهود باراك ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عندما سُئلت عن الاحتمال العسكري ضد إيران وإن كان ذلك لا يزال مطروحًا، فأجابت: “الرئيس قال إن الخيار العسكري لا يزال مطروحًا على الطاولة. عملتُ في البنتاغون ويمكنني أن أقول إن هناك تخطيط وتمرين، لكي يكون أمام الرئيس احتمال تنفيذ ضربة عسكرية. ولكن الإدارة تعتقد أنه لم يحن بعد الوقت لتنفيذ ذلك الاحتمال، بسبب المخاطر المحيطة بذلك – الرد الإيراني، احتمال إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، أو صراع أوسع في الشرق الأوسط. كيف سيكون تأثير تلك الضربة العسكرية على أسعار النفط وعلى اقتصاد كل الدول؟ هذا ليس أمرًا يتم اتخاذه ببساطة، وتحديدًا إذا كانت العملية العسكرية لا تترك أثرًا إلا لعام واحد حتى 3 أعوام، ولا تحل المشكلة تمامًا. من المناسب أن يكون ذلك الاحتمال موضوعًا على الطاولة كخيار، إنما برأيي، علينا أن نفكر أيضًا بخيارات أُخرى”. ويبدو أن هذه هي الأجواء الموجودة هذه الأيام في إدارة أوباما الذي طلب تمديد المفاوضات مع إيران لغاية 30 حزيران من هذا العام.
لا بد أن أوباما يسعه أن يفكر بها إيجابيًا كمرشحة لهذا المنصب الموقر في وزارة الدفاع. مثل هذه الخطوة ستصب في مصلحته وتمنحه نقاطًا كثيرة كونه عيّنَ لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية امرأة كوزيرة للدفاع. ولا يزال من الممكن أن تطلب فلوروني عدم الاستجابة لطلب أوباما وانتظار بداية جديدة إذا تم انتخاب هيلاري كلينتون كرئيسة جديدة للولايات المتحدة، يمكنها هناك أن تُدير من جديد عجلات الأمن بطريقها لتخصيص موارد أكبر لحرب السايبر، للبنتاغون الذي هي داعمة كبيرة له وزيادة كعكة الميزانيات الأمنية في الولايات المتحدة بشكل أكبر.