هنالك العديد من التوجهات لكيفية اتخاذ القرار. ويتحدث العديد من الباحثين وبصدق عن تفكيرنا العقلاني والعميق، ويقترحون تقنيات هامة من شأنها أن تساعدنا على اتخاذ القرارات. ولكن، يقترح الكتاب “في طرفة عين” توجه آخر، يستند إلى ” البداهة” ويحذر من المقوّلبات.
في طرفة عين
يعرض الكتاب “في طرفة عين” (Blink) المثير للدهشة للصحفي مالكوم جلادويل والذي نشره في عام 2005 توجهًا هامًا لاتخاذ القرارات. يصف جلادويل في كتابه كيف تم إحباط قدرتنا على التشخيص البديهي، الذي يمكنه أن يساعدنا على اتخاذ القرارات التي لم نكن لنتوصل إليها بواسطة التفكير العميق، وذلك بسبب المقوّلبات في المجتمع والأفكار التي نتأقلم إليها.
يشير الكتاب إلى قدرتنا على الاستعانة بعملية سريعة وليست واعية تحدث في دماغنا، وتجري تحليلا واسعًا خلال ثوانٍ قليلة لاتخاذ القرارات الصحيحة، التي ليس التفكير الواعي قادرًا على التوصل إليها.
يصف جلادويل كيف نجح خبراء الفنون خلال ثوانٍ قليلة في التعرّف ببرهة على أن الفن هو أمر مزيّف، رغم أن بحث علمي استمر لمدة 14 شهرًا لم ينجح بالتعرّف على ذلك. يصف الكتاب شيئًا ما مثل الإحساس الأولي، ولكنه يستند إلى استيعابنا السريع للكثير من المعطيات التي لا نلاحظها.
حالة أفي كوننت
وصل ثلاثة وثلاثون مرشحًا لمنصب في الفرقة الفلهرمونية التابعة لميونخ في عام 1980. كان أحد مجري الامتحان هو ابن صاحب منصب في الفرقة، حيث اتخذ قرارًا بأن يعزف كل مرشح وراء الستار، لكي لا يراه أعضاء لجنة الحكم، وفقًا لأقوال جلادويل في كتابه.
كانت إحدى المرشحات هي أفي كوننت، التي تخطت نوتة موسيقية، وعادت أدراجها من وراء الكواليس. ولكن أعضاء اللجنة فكروا على نحو مختلف. “هذا ما نريده!” صرخ مدير الفرقة. توجه شخص ما من وراء الكواليس ليطلب من كوننت العودة.
ومع عودتها إلى مقدمة القاعة، لم يصدق مجرو الاختبار ما رأته أعينهم. “ما هذا؟!” لقد توقعوا ظهور السيد كوننت، ولكن وقفت أمامهم السيدة كوننت.
كان يعتقد مدير الفرقة الموسيقية أن النساء ليست قادرات على العزف على آلة الترومبون أبدًا. إنها آلة للرجال، يعزف عليها الرجال في الاحتفالات العسكرية، التي تتطلب رئتين قويتين. يوضح جلادويل أنه منذ أن رأى مدير الفرقة وأعضاء اللجنة السيدة كوننت، بدأت أفكارهم المقوّلبة تتنافس مع انطباعهم الأولي الرائع من الاختبار.
توجهت كوننت إلى المحكمة، ويذكر جلادويل أنه جاء في ادعاء الفرقة: “لا تملك المدعيّة القوة الجسمانية المطلوبة لترأس قسم الترومبون”. وعندها توجهت كوننت لإجراء فحوص شاملة في معهد بحث الرئتين، وأثبتت أن قدرتها على الزفير تفوق المعدل.
ويصف جلادويل أنه في الثلاثين السنة الأخيرة، منذ أن أصبحت الشاشات شائعة في الاختبارات، ارتفع عدد النساء في الفرق الموسيقية في الولايات المتحدة بخمسة أضعاف. كان حكم الموسيقيين على الأمور خاطئًا بسبب الآراء المقوّلبة حول النساء.
وتدعم الأبحاث الحديثة افتراض جلادويل كاشفة عن أن دماغنا يتخذ قرارًا قبل عشر ثوانٍ قبل أن نعرف عن ذلك.