لا يوجد تقريبا تقرير صحفي سواء في الإعلام العربي أو في الإعلام الإسرائيلي لا يذكر من حين لآخر الدور المهم لرئيس حكومة بريطانية الأسبق ومبعوث اللجنة الرباعية الأسبق للشرق الأوسط، توني بلير.
تصدّر تدخّل بلير العناوين في اليومين الأخيرين بعد عدة تقارير حول أنه التقى بنتنياهو في محاولة للتحقق إذا كان مستعدّا للالتقاء بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ذكر مكتب رئيس الحكومة نفسه أيضًا أنّ الاثنين التقيا مع المبعوث السياسي لنتنياهو، المحامي يتسحاق مولخو.
ومن غير الواضح إذا كان بلير سيستطيع تنسيق لقاء تاريخي كهذا ولكن كل شيء لا زال مفتوحا وبالتأكيد ممكنا وذلك على ضوء نجاح اللقاء بين نتنياهو ووزير الخارجية المصري في الأسبوع الماضي، سامح شكري.
ونُشر أيضًا في الساعات الأخيرة أنّ مسؤول حماس، موسى أبو مرزوق نقل لوسائل إعلام فلسطينية أنّ بلير قد التقى مع قيادة الحركة للنقاش حول مصير الجنديَين الإسرائيليين، غولدين وشاؤول.
وسيط سياسي؟
بلير هو لاعب رئيسي في الشرق الأوسط ولا مجال للشك في ذلك. حاول مؤخرا، كما هو معلوم، أن يتسبب في انضمام المعسكر الصهيوني إلى الائتلاف من خلال تصريح للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي دعا الأحزاب الإسرائيلية للتوصل إلى وفاق وطني من أجل تعزيز السلام مع الفلسطينيين. على مدى عدة أسابيع التقى بلير ببنيامين نتنياهو، وبرئيس المعارضة الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ وبالرئيس المصري، وأقنع هرتسوغ بالانضمام إلى الائتلاف على أساس تقدّم سياسي وحثّ السيسي على الخروج بتصريح سياسي يجعل هرتسوغ ينضمّ إلى الائتلاف. وقد تُوّجت هذه المحاولات كما هو معلوم بفشل ذريع.
الصفقات الشخصية إلى جانب العلاقات الدولية
على مدى ثماني سنوات كان بلير مبعوث اللجنة الرباعية للشرق الأوسط. قبل عام بالضبط ترك منصبه في أعقاب انتقادات حول تضارب المصالح بين أعماله الخاصة ومنصبه الرسمي، ولكنه لم يغادر المنطقة.
يهمّ بلير بشكل خاصّ الحفاظ على علاقات جيّدة مع نتنياهو ومع سائر زعماء المنطقة لأنّ أعماله الخاصة متعلقة بهذه العلاقات. كشفت تحقيقات في وسائل الإعلام البريطانية أنّه في الوقت الذي كان يعمل فيه كمبعوث اللجنة الرباعية قام بلير بصفقات كبيرة في الشرق الأوسط. على سبيل المثال في محاولاته لمساعدة الفلسطينيين في تشغيل شبكة خليوية ثانية، “الوطنية”. أقنع بلير الإسرائيليين بتخصيص ترددات “للوطنية”. ولكن انكشف حينها أنّه من بين عملاء بنك “J.P. Morgan” هناك مستثمرين في شركة Qtel، والتي هي مالك الوطنية. كان بلير مستشارا كبيرا في بنك “J.P. Morgan”. أيضًا شركة الغاز البريطانية (British Gas)، التي طوّرت حقل الغاز القريب من شواطئ غزة، والتي يعمل فيها بلير كعضو مجموع الضغط، كانت زبونا لنفس البنك تماما.
يندمج بلير بشكل ممتاز في الشرق الأوسط ورغم الفشل النسبي في تحقيق انفراجة لحلّ الصراعات المحلية فقد نجح في القيام بأعمال كبيرة. لقد وقّع على عقد استشارة مع Petrosaudi، وهي شركة نفط سعودية تأسست من قبل مسؤول في الأسرة المالكة. وكان وسيطا في إقامة شركة تعدين كبيرة في قطر، وهي صفقة ربح منها بلير وفقا لتقديرات الإعلام البريطاني، نحو مليون دولار في ثلاث ساعات. وقد قدّم استشارة للحكومة المصرية كجزء من خطة تم اعتمادها من قبل الإمارات العربية المتحدة ووعدت بتقديم فرص تجارية ضخمة لمصر.
يعيش بلير في هذه الأيام في وسط عاصفة إعلامية ضخمة في بريطانيا بعد نشر التقرير الذي يقرر بأنّه في الوقت الذي كان فيه بمنصبه كرئيس للحكومة البريطانية مشى كالأعمى خلف رئيس الولايات المتحدة السابق، جورج بوش، في خوض الحرب في العراق، من دون مبرر. وفي هذا الصدد ادعى بلير أنّه بمساعدة هذه الحرب “فالعالم أكثر أمنًا”. ومن المشكوك به إذا ما كانت هذه الفضيحة ستمنع بلير من زياراته المتكررة للمنطقة ومحاولاته الدؤوبة للوساطة، رغم أنّه لا يحمل في هذه الأيام منصب الوسيط الرسمي.