كانت هناك حاجة إلى خمسين عاما إلى إحداث تغيير، فبعد انتهاء الصراع الجماهيري وتقديم التماس إلى المحكمة العليا في إسرائيل، أصبح في وسع 20000 درزي، يعيشون في القرى الدرزية الأربع في شمال هضبة الجولان، اختيار رؤساء القرى بأنفسهم وأعضاء المجلس.
حتى وقتنا هذا، قامت دولة إسرائيل بهذه الخطوة من أجلهم. يدور الحديث عن تغيير هام بالنسبة للسكان الدروز الذين يعيشون في شمالي هضبة الجولان ويعتبرون أنفسهم جزءا من الشعب السوري ولدى معظمهم بطاقات إقامة إسرائيلية فقط. سبقت هذه الخطوة صراعات في شبكات التواصل الاجتماعي الدرزية. إذ طالب السكان بتحسين ظروف حياتهم في دولة إسرائيل، بدءا من ترميم منظومات الصحة والشوارع، المؤدية إلى الطرق الخاصة بقراهم وانتهاء بضمان تربية أفضل لأطفالهم. تألفت مجموعة من الشبان الدروز في أعقاب الصراع وقدمت التماسا إلى محكمة العدل العليا لإلزام وزارة الداخلية ووزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه درعي، بتقديم تعليلات لعدم إجراء انتخابات في القرى الدرزية في شمالي هضبة الجولان.
منذ عام 1967، عندما احتلت إسرائيل هضبة الجولان، اختارت الدولة رؤساء القرى. شغل هذا المنصب في أحيان كثيرة مقربون من السياسيين ومن بينهم يهود وكذلك أشخاص تم اختيارهم دون أهمية لمهاراتهم.
وتنضم هذه الخطوة السياسية، التي تبدو للوهلة الأولى عديمة الأهمية ولا تشهد على انفصال الدروز في هضبة الجولان عن الأمة السورية الكبيرة، الغارقة منذ أكثر من ست سنوات في حرب أهلية فتاكة، إلى عملية أوسع حيث يسعى فيها المزيد من الشبان الدروز إلى التنازل عن حلم العودة إلى سوريا والمطالبة بالحصول على الجنسية الإسرائيلية.
يبدو مؤخرا فقط أن سكان القرى الدرزية الأربع في شمالي هضبة الجولان، وهي بُقعاثا، مجدل شمس، مسعدة، وعين قنية بدأوا يسعون إلى الانفصال عن الوطن السوري، الذي كانوا يتماهون معه لمدة 50 عاما. طيلة سنوات، طالب بعض السكان من هذه القرى الأربع بالتجنس في إسرائيل ولكن في السنتَين الماضيتَين طرأت زيادة على عدد مطالبي الحصول على الجنسيّة الإسرائيلية.
وتشير وزارة الداخلية الإسرائيلية إلى زيادة في عدد المعنيين بالحصول على الجنسيّة الإسرائيلية. فإذا كان الأشخاص يتحدثون قليلا عن الموضوع في الماضي، خوفا من فرض مقاطعة اجتماعيّة ودينية ضدهم، فاليوم أصبحوا يتحدثون عن الموضوع علنا ودون خشية.
وفق المعطيات التي نشرتها وزارة الداخلية الإسرائيلية فبين شهري كانون الثاني وحزيران 2016، أنهى 86 مواطنا درزيا عملية الحصول على الجنسية الإسرائيلية. في الواقع، يدور الحديث عن عدد قليل في وقتنا هذا، ولكن للمقارنة بين شهر كانون الثاني حتى تشرين الأول 2015 حصل 80 مواطنا درزيا فقط على الجنسية الإسرائيلية – يدور الحديث عن زيادة أكثر من %300.
منذ احتلال إسرائيل هضبة الجولان من سوريا في عام 1967، أعرب سكان القرى الدرزية المحتلة عن إخلاصهم للوطن السوري. ازداد هذا الولاء عندما صدر القانون الإسرائيلي لضم هضبة الجولان إلى الأراضي الإسرائيلية في عام 1981، حيث انتهى حينها عصر الحكم العسكري في هضبة الجولان ووصل ممثلون إسرائيليون إلى القرى الأربع في شمالي الهضبة، وأرداوا توزيع هويات إسرائيلية للسكان. ردا على ذلك أشعل معظم السكان بطاقات الهوية التي حصلوا عليها. وأعلن الشيوخ الدروز أيضا أن من يوافق على حمل الجنسيّة الإسرائيلية يتعرض للمقاطعة الدينية والاجتماعية، أي اسبتعاده عن المجتمع وعن المناسبات الجماهيرية.
أشارت المعطيات التي نشرتها وزارة الداخلية الإسرائيلية حينذاك إلى أن 1500 مواطن درزي فقط كانوا معنيين بالحصول على الجنسيّة الإسرائيلية الكاملة، طيلة 30 عاما وذلك منذ أن دخل قانون ضمّ الجولان إلى الأراضي الإسرائيلية إلا أنهم دفعوا مقابل ذلك ثمنا اجتماعيّا باهظا تجسد بالتهميش المجتمعي الخطير.
مع نشوب الحرب الأهلية السورية وتفاقهمها، تنازل شيوخ كبار عن المقاطعة جزئيًّا ضد من سعى إلى تلقي الجنسيّة الإسرائيلية ورويدا رويدا بدأ الكثير من الشبان عملية انفصالهم عاطفيا عن الأمة السورية ومرحلة حصولهم على الجنسيّة السورية.
أما اليوم فهناك المزيد من سكان القرى الأربع الذين أصبحوا يدركون أن سوريّا على شفا الانهيار، ولن يكون مستقبلهم جيدا في سوريا بل في إسرائيل. حتى قبل نحو ثلاث سنوات، كان المعبر الحدودي في القنيطرة تحت سيطرة الأسد، وتعلم الكثير من الشبان في دمشق ووصلت منتجات زراعية كثيرة عبر المعبر إلى سوريا. ولكن بعد أن سيطرت المعارضة السورية على المعبر، انقطعت العلاقة المادية للدروز بالوطن السوري تماما تقريبا، وأصبح رجال الدين يمارسون ضغطا أقل على السكان الذين يسعون إلى الحصول على الجنسيّة الإسرائيلية في ظل الوضع الراهن في سوريا.
إضافة إلى المظاهرات الاحتجاجية تضامنا مع بشار الأسد ومواقفه إزاء الحرب الأهلية السورية، التي تدور رحاها حاليا، كما في كل سنة، تظاهر شبان مثقفون من قرية مجدل شمس (تشرين الثاني 2012) احتجاجا على النظام السوري ودعما للمعارضة السورية.
في هذه الأثناء، يبدو أن غالبية السكان الدروز في شمالي هضبة الجولان، التي تدعم النظام السوري والتي تعارضه على حد سواء ما زالت تعتقد أنها تشكل جزءًا لا يتجزأ من سوريا، رغم أن مشاعر التضامن الوطني هذه قد بدأت تتفكك وتؤدي في أحيان كثيرة إلى شرخ داخل العائلة والمجتمع.