في أعقاب فوز زعيم فتح المعتقل في إسرائيل، مروان البرغوثي، بغالبية الأصوات في انتخابات المجلس المركزي للحركة في الأسبوع الماضي، تتزايد الأصوات الفلسطينية التي تدعو الرئيس محمود عباس إلى تعيين البرغوثي نائبًا له، ووريثا لزعامة السلطة الفلسطينية.
تتناقض مواقف البرغوثي بشكل واضح مع مواقف عباس في ما يتعلق بالقضايا الجوهرية مثل طبيعة مواجهة إسرائيل وضرورة المصالحة مع حماس. ففي حين يركز عباس على محاولة عزل إسرائيل على الساحة الدولية، وفي الأمم المتحدة، تحدث البرغوثي هذا الأسبوع في مقابلة مع صحيفة الغد الأردنية عن ضرورة العودة إلى “مسار النضال والوحدة الوطنية والمصالحة والخيار الديمقراطي الداخلي”، وهو الخطاب الذي يمثل المشاعر الطاغية في حركة فتح. يعتقد عباس أن “الوحدة الوطنية” مجرد كلام، في حين يعتقد البرغوثي أن التوافق الوطني الواسع شرط أساسي لمواجهة إسرائيل.
يمكن أن نضيف إلى ذلك أيضا العلاقة القائمة على الشك بين عباس وبين الدول العربية وذلك بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية لحركة فتح على خلفية الصراع بينه وبين محمد دحلان، وذلك خلافا لدعوة البرغوثي إلى تعزيز العلاقة مع الدول العربية (وكذلك مع الدول الغربية الصديقة).
وكان عباس، على الرغم من الخلافات، قد اتصل بفدوى البرغوثي لتهنئتها بفوز زوجها. وشجعها ما قاله لها أبو مازن حول الاعتقاد أن مروان قد يعيَّن وريثا له على الرغم من كونه أسيرا لدى إسرائيل. وقد قالت (فدوى) هذا الأسبوع في مقابلة مع صحيفة “الحياة” اللندنية: “الرئيس تسلم الحركة من شهيد، وليس مستبعداً أن يسلمها إلى أسير”. وأضافت إن “الرئيس متمسك بالثوابت الوطنية، وبالتالي فإن الأرجح أن يكون مروان خياره الأول لقيادة الحركة من بعده”.

ويبدو أن تصريح رئيس الحكومة نتنياهو هذا الأسبوع والذي جاء فيه إن انتخاب البرغوثي يعكس “التشدد في ثقافة التحريض” في حركة فتح هو ما يعزز تحديدًا شخصية الأخير داخل حركته. وقد وصف رئيس المخابرات العامة السابق في الضفة الغربية، توفيق الطيراوي، البرغوثي قائلا إنه “قائد وطني تختطفه حكومة الاحتلال”.
وكان الوزير الفلسطيني لشؤون الأسرى، عيسى قراقع، قد كرّس مقالاً مطولاً، في موقع “معا” الإخباري، لتوضيح سبب انتخاب مروان من قبل 930 عضوا من أصل 1300 عضو شاركوا في المؤتمر السابع لحركة فتح، قال فيه: “الفتحاويون انتخبوا من يمثل وجعهم الانساني، ومن ينتصر لأرواح الشهداء وعذابات وتضحيات الاسرى وأحلام اللاجئين والمبعدين”، وفقًا لما كتبه قراقع.
مهم جدًا أن ننتبه إلى صعود نجم فدوى البرغوثي، زوجة مروان، والعضو معه في الحركة. ففي حين فاز زوجها بغالبية الأصوات في اللجنة المركزية، فازت فدوى بالمرتبة الأولى في انتخابات المجلس الثوري، وهي الهيئة الثانية من حيث أهميتها. باتت المحامية فدوى البرغوثي منذ فترة طويلة ممثلة جماهيرية لزوجها خارج السجن وذلك بسبب شخصيتها المحببة ولغتها الفصيحة، ولكن يبدو أن صعود نجم زوجها يساعدها أيضا.
يأتي تفضيل البرغوثي على جبريل الرجوب، وهو رجل الأمن ورجل المؤسسة القديم في كل من منظمة التحرير الفلسطينية وفي حركة فتح، تعبيرا عن عدم الثقة بالسلوك المحافظ لعباس في مواجهة إسرائيل. لم تتمكن الجهود الدبلوماسية، لسنوات طويلة، في ظل زعامة أبو مازن من أن تُغيّر سوى القليل في حياة الفلسطينيين اليومية، وفشلت في إعادة إسرائيل إلى طاولة المفاوضات. بالمُقابل تشكل الأقوال المبطنة للبرغوثي في حديثه مع الصحيفة الأردنية أن السبل السلمية لعباس قد استنفدت نفسها، وأنه يجب “إعادة دراسة مهام السلطة الفلسطينية”، مؤشرا جيدا بالنسبة لإسرائيل حول سلوك السلطة الفلسطينية في مرحلة ما بعد أبو مازن.
جاءت نتيجة مؤتمر حركة فتح ناجحة بالنسبة للحركة ولأبو مازن نفسه، الذي حافظ على موقعه كزعيم للحركة بلا منازع في هذه المرحلة. تتجه الأنظار الآن إلى المجلس الوطني الفلسطيني، وهو الهيئة التشريعية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل الفلسطينيين في الشتات، والذي لم يعقد أي اجتماع له منذ عقدين.ستشارك حركتَي حماس والجهاد الإسلامي وفقًا لأقوال محمود العالول، عضو اللجنة المركزية في حركة فتح، في اجتماعات المجلس الوطني على الرغم من أنهما ليستا عضوين في منظمة التحرير الفلسطينية.
هذا المقال نشر لأول مرة على موقع منتدى التفكير الإقليمي