وُلد أريئيل شارون، أو أريئيل شاينرمان، عام 1928 في قرية ملال، التي تأسست عام 1920، هُجرت عام 1921 بعد أن هاجمها فلسطينيون، ثم أعيد استيطانُها. قد يكون تاريخ البلدة العنيف أثّر في طابع الشاب إريك، الذي كان منذ الثامنة من عمره يساعد والدَيه بعد الدراسة في أعمال جسديّة شاقّة في الحقل، ويعمل في العُطَل في بيّارة الأسرة.
نشأ الطفل إريك شاينرمان، منذ سنواته الأولى، على مشاعر بالعُزلة والاغتراب. أدّى العداء والخلافات المريرة بين والدَيه وسكّان قرية ملال به إلى العيش بشعورٍ دائم بأنه وعائلتَه يواجهان العالم كلّه. كانت القريةُ معزولة، وكان إريك وأخته دينة التي تكبره بسنتَين قليلَي الخروج منها في سنواتهما الباكرة. مع السنين، تخاصمت الأخت مع والدَيها. وحين ماتت الأم، أورثت ابنها أريئيل كلّ ميراثها.
منذ طفولته، شارك شارون في مهمّات حراسة البلدة، وتعلّم استخدام السلاح. قضى شارون الطفل لياليَ بأكملها يتجوّل في البيارة، ممسكًا بسكّين، ومستعدًّا لمهاجمة الغزاة واللصوص. تبنّى اسم “شارون” بنصيحة من رئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون، الذي أعجبته مواهب شارون الحربيّة، لكنّه حذّر من ميله إلى عدم قول الصواب.
زعيم ذو قابليّة مفتوحة
أحد الأمور الأكثر ارتباطًا بشارون هو قابليته للطعام. كلّ من عمل مع الرجُل يعرف قصصًا مثيرة للاهتمام عن قابليّته. يخبر عدد كبير من الذين عملوا مع شارون في ديوان رئيس الحكومة أنه حين كان يجوع، كان يفقد صبره ويتجاوب بعصبيّة. في الفترات التي كان فيها في حمية، كانت له نوبات غضب لا يستطيع التحكُّم فيها. في تلك الأيّام، كان العمل في مكتبه عذابًا.
في الساعات الثابتة التي كان يتغلّب الجوع فيها على شارون، اعتاد مساعدوه على إرسال أحد سائقي رئيس الحكومة ليشتري بعض الشطائر من مطاعم مقدسيّة. يُحكى أنّه “حين يلتهم إريك بعض الشطائر دون انقطاع، يهدأ، يعود إلى طبيعته، ويتعامل مجدّدًا بلطفه المعهود مع موظّفي مكتبه والمقرَّبين منه”. حتّى حين كان وزيرًا للدفاع، اعتاد شارون على تناوُل الطعام في أفخر مطاعم نيويورك، وقد تحدّث الوزير جلعاد أردان في الماضي أنّ شارون كان يتناول وحده كيلوغرامًا من اللحم.
في سيرة حياة شارون التي دُعيت “الراعي”، ذُكر أنه في إحدى زياراته كرئيس حكومة إلى الولايات المتحدة الأمريكية اعترت شارون رغبة هائلة في تناوُل النقانق، مباشرةً قبل لقائه بالرئيس جورج بوش. أُرسل أحد معاونيه بسُرعة إلى دكّان بيع معلَّبات في واشنطن، وأحضر الطعام الإضافي لرئيس الحكومة. فور عودته إلى البلاد، استحوذت على شارون مجدّدًا الشهوة الكُبرى – لوجبة فلافل هذه المرّة. عارض الأمن العامّ الإسرائيلي (الشاباك)، الذي كان عليه أن يحرس دكّان الفلافل المحليّ، طلب شارون، الذي تحوّل إلى عملية عسكريّة حقيقيّة. في نهاية المطاف، أصرّ شارون، وأحاط به رجال الأمن حتّى يتمكّن من الاستمتاع بوجبته.
سلسلة مآسٍ
في حياته الخاصّة، تجرّع شارون مرارًا كأس الأسى. ففي شبابه، تزوّج مرجليت، التي كانت ممرضة نفسية، ووُلد لهما ابن. عام 1962، ضربت الأسرةَ الكارثةُ الأولى حين كانت مرجليت في طريقها إلى العمل: فقد اصطدمت مرجليت، التي كانت تقود سيّارة، بشاحنة جاءت مقابلها فيما كانت تحاول تخطي سيارة أمامها.
لكنّ شارون لم يغرق في الأسى، وبعد سنة تزوّج امرأة جديدة – ليست سوى ليلي، شقيقة زوجته الراحلة. استمرّ هذا الزواج 37 عامًا، حتّى وفاة ليلي، وأنجب الزوجان ابنَين، هما عُمري وجلعاد. كان يبدو أنّ حياة شارون الشخصية تستقرّ وتعود إلى مسارها. كانت إحدى هوايات شارون البارزة في تلك الفترة ركوب الخيل مع ابنه البكر غور، ابن الحادية عشرة، الذي كان يتيم الأمّ.
كذلك مشوار شارون العسكري، وهو كان أحد أبرز الضبّاط في نصر إسرائيل في حرب 1967، كان يتقدّم بسُرعة. حتّى الإعلام الإسرائيلي افتُتن بسِحر الضابط الشابّ والجذّاب. لكن في ذاك الوقت تحديدًا، ضربتِ العائلةَ المُصيبةُ الأكبرُ.
وحلّت المصيبة تحديدًا في ليلة عيد رأس السنة العبرية عام 1967. كان شارون يجلس في بيته ويتحدّث هاتفيًّا مع أصدقاء، فيما ليلي تتسوّق في المدينة. خلال المحادثة الهاتفيّة، دخل غور إلى غرفة نوم إريك وليلي، وأعلم أباه أنه سيخرج للّعب في ساحة البيت مع صديق. بعد دقائق، سُمعَ إطلاقُ نار. ترك شارون سمّاعة الهاتف معلَّقة في الهواء، وهُرع إلى الساحة، ليكتشف أنّ ابنه البكر مُصاب بطلقة في الرأس وينزف دمًا. كان المحارِب المخضرَم قد رأى جرحى كثيرين في حياته، وحين رأى إصابة ابنه أدرك أن لا أمل له في تخطّيها.
كانت جدران بيت أريئيل شارون مزخرَفة ببندقيات قديمة، عمرُها أكثر من قرن. وفق ليلي شارون، كان صديق الولد هو مَن لعب بالسِّلاح وقتله. “في اليوم نفسِه، جاء إليه أحد أبناء الجيران، الذي كان معروفًا بمشاغبته، وأنزل البندقيات عن الحائط. وأحضر معه أيضًا موادَ متفجّرة. مات غور بعد دقائق. لم يكن هذا سلاح إريك”، قالت في مقابلة. بالتباين، تدّعي عائلة الولَد أنّ غور نفسه ضغط على الزناد، وتتذمّر من أنّ شارون كذب في هذا الشأن.
في مُقابلة أجريت معه قبل سنوات، روى شارون: “قد يكون أفظع شيء أتذكره في هذا الشأن هو صباح اليوم الذي قُتل فيه. كنتُ في البَيت، وفجأةً سمعتُ إطلاق نار. خرجتُ من البيت، ورأيته مُلقًى إلى جانب أخوَيه، عُمري وجلعاد. أمسكتُه بيديّ، وانتظرتُ أن ينقلني أحدٌ إلى المستشفى. وهكذا، لفظ نفَسه الأخير وهو بين يديّ. لقد أصيب بطلقة في رأسه، وفي الواقع كان الوضع ميؤوسًا منه”.
حين وقف أمام قبر ابنه المفتوح، تذكّر إريك ما جرى قبل خمس سنوات ونصف في نفس المكان تمامًا. لقد تذكّر الوعد الذي قطعه فوق قبر مرجليت بأن يحافظ على غور. مرّةً بعد أخرى، آلمه إدراكُه بأنه نكث بالعهد. لفترةٍ طويلة جدًّا، كان الأسى والاشتياق لغور يستحوذان على شارون، وبفضل زوجته ليلي فقط، تمكّن من تجاوز الأمر في نهاية المطاف.
عام 2000، قبل أشهر قليلة من انتخابه رئيسًا للحكومة الإسرائيليّة، فقد شارون زوجته ليلي أيضًا، إذ قضت بمرض السرطان. كان طلبُ ليلي الأخير أن تُدفَن في مزرعة هشكميم، التي سكن فيها الزوجان لسنواتٍ، لا في مقبرة. عام 2005، وعقب برنامج فكّ الارتباط الذي هيّج على شارون معارضين يمينيّين كُثرًا، التمس ناشطون يمينيون إلى المحكمة العُليا في إسرائيل بهدف إخلاء القبر غير القانونيّ لزوجته. لكنّ قضاة المحكمة العُليا رفضوا الالتماس.
في بداية الألفية الثانية، بعد موت ليلي، تم الاكتشاف بأن الزوج شارون قد تبنى ابنا آخر، وإن كان بشكل غير رسمي. وقد أصبح روني سحياق، الجندي الذي خدم مع ابن جلعاد في شعبة المظليين، مقيمًا في مزرعة أريئيل شارون، وحتى اليوم وبعد دخوله في غيبوبة يكثر سحياق من زيارة سرير شارون.
وقد أشار سحياق في جنازة ليلي بأنه لم يبك على أمه البيولوجية بقدر ما بكى في جنازة ليلي، “روني سحياق هو ابننا المتبنى، على الرغم من أن ذلك التبني ليس رسميًا، ولكنه أكثر من ذلك بالنسبة لنا”، هذا ما قاله شارون خلال حفل تم فيه منح شهادة تقدير لسحياق على عمله في شركة الكهرباء الإسرائيلية. حتى اليوم ظلت ملابسات “تبني” سحياق من قبل عائلة شارون غامضة.