بدأ نفتالي بينيت، الذي يبلغ من العمر 41 عاماً، حياته السياسية في حزب “الليكود” عندما كان يشغل منصب مدير مكتب بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الحالي، لكنه أضحى اليوم خصما لدودا لنتنياهو على زعامة اليمين في إسرائيل. وبعد أن حاز على 12 مقعدا (من أصل 120 في الكنيست الإسرائيلي) في انتخابات 2013، صار بينيت حقيقة ثابتة في السياسة الإسرائيلية. واليوم، يشير مراقبون في إسرائيل إلى أن بينيت لن يفوت فرصة للانقضاض على مزيد من أصوات اليمين بعد أن شهدت شعبية نتنياهو تراجعا في أعقاب الحرب على غزة. من هو نفتالي بينيت؟
عائلة قادمين جدد
ولد بينيت في مارس (آذار) 1972 في مدنية حيفا لوالدين قدما إلى إسرائيل من كاليفورنيا، الولايات المتحدة، بعد حرب الأيام الستة. في صغره، تقرب والداه من الدين، وهكذا تربى بينيت في جو ديني، ودرس فيما بعد في المدرسة الدينية “يافني” في حيفا، وكان مرشدا في فرع الحركة الشبابية الدينية “أبناء عكيفا” في حيفا. وفي نقطة معينة، تحديدا خلال خدمته العسكرية، نزع بينيت القبعة الدينية (قلنسوة) عن رأسه، وهي الرمز الواضح بالنسبة للمتدينين اليهود. لكنه في أعقاب مقتل رئيس الحكومة اسحاق رابين في عام 1995، وفي خضم الانتقادات اللاذعة التي وجهت إلى المؤسسة الصهيونية المتدينة، قرر اعتمار القبعة الدينية مجددا، واليوم يعدّ بينيت كأحد رموز الصهيونية المتدينة في إسرائيل.
التحق عام 1990 بالجيش الإسرائيلي، وكانت خدمته العسكرية في وحدة النخبة التابعة لهيئة الأركان ومن ثم ضابط في وحدة “مغلان” (وحدة خاصة في الجيش الإسرائيلي مختصة في عمليات خلف خطوط العدو)، وشارك بينيت في حرب لبنان الثانية كضابط احتياط في نفس الوحدة. وبعد تسريحه من الجيش درس القانون وإدارة الأعمال في الجامعة العبرية في القدس، وفي عام 1999 أقام شركة ناشئة (ستارت-أب) تدعى “سايوتا”، المتخصصة في برامج حماية المعلومات على شبكة الإنترنت. وسطع نجم الشركة عام 2005 حيث قامت شركة أمريكية تدعى RSA باقتناء “سايوتا” مقابل 145 مليون دولار، في صفقة جعلت بينيت ينام قرير العين من ناحية الثروة والمال، ويتفرغ للعمل في السياسة.
زعيم “البيت اليهودي”
في عام 2006 شق بينيت طريقه في السياسة الإسرائيلية عندما انضم إلى حزب الليكود وترأس طاقم عمل بنيامين نتنياهو، الذي كان في حينها رئيس المعارضة، وفي عام 2007 أدار حملة نتنياهو في الانتخابات التمهيدية في حزب الليكود. وعلى الرغم من نجاحه في منصبه، طُرد في عام 2008 من مكتب نتنياهو. ويقول متابعون في إسرائيل لشؤون حزب الليكود إن السبب في ذلك يعود إلى سارة نتنياهو، زوجة رئيس الحكومة، إذ تقول الشائعات إن بينيت حين عمل مديراً لمكتب نتنياهو، تجاهل أوامر “السيدة الأولى”، مما أدى إلى إقصائه عن وظيفته.
لكن انشقاق بينيت عن حزب الليكود عاد عليه بما هو أفضل من الناحية السياسية، إذ انتخب بعدها رئيسا لحزب “البيت اليهودي”، واستطاع تحت شعار “هناك شيء جديد يبدأ” أن يستقطب أصوات شابة كثيرة إلى حزبه، أصوات كانت من نصيب حزب الليكود.
وعيّن بينيت عام 2010 مديرا تنفيذيا لمجلس المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وحارب من أجل تعزيز الاستيطان، وخلال هذه الفترة وطّد علاقاته مع المستوطنتين حيث أصبح مرشحهم المفضل.
وانتخب عام 2012 رئيسا لحزب البيت اليهودي- المفدال، وفي انتخابات 2013 قاد بينيت حزب البيت اليهودي إلى إنجاز تاريخي، حين فاز الحزب ب12 مقعدا في الكنيست الإسرائيلي.
مواقف سياسية
يؤمن بينيت أن حزبه هو بمثابة “ربيع يهودي”، يجمع بين القيم اليهودية والقيم الصهيونية. ففي الانتخابات الأخيرة ركّز الحزب على القضايا الاجتماعية، وعلى رأسها جسر الهوة بين العلمانيين والمتدينين في إسرائيل، ودمج الحارديم في المجتمع الإسرائيلي وكذلك العرب.
أما سياسيا، فيمثل بينيت وحزبه اليمين المتطرف، إذ يعارض صراحة إقامة دولة فلسطينية، حيث يقول: ” قيام دولة فلسطينية بجانبنا سيؤدي إلى تكريس الحرب بيننا. لقد أثبتت اتفاقية أوسلو فشلها عندما أدت إلى موجة من العنف، وكذلك الخطوات أحادية الجانب مثل الانسحاب من غزة. لذلك علينا أن ننظر إلى الأمور من وجهة نظر جديدة”.
وبالفعل، يعرض بينيت خطة سياسية جديدة مثيرة للجدل، إذ يقترح ضم مناطق “ج” التي يوجد فيها أغلبية إسرائيلية إلى إسرائيل، والسماح للمواطنين الفلسطينيين في هذه المناطق إما بالحصول على الجنسية أو حق الإقامة. أما مناطق “أ” و “ب” فيقترح إنشاء شبكة مواصلات تمنح حرية الحركة بشكل كامل للفلسطينيين.
وفي تصريحات أخرى أثارت الجدل في إسرائيل، قال بينيت في حديثه عن مستقبل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، إنه، كجندي احتياط، لن يشارك في “عمليات إخلاء يهود من بيوتهم”، مما فسره كثريون في إسرائيل على أنه تمرد ورفض للأوامر. وخرج رئيس الحكومة نتنياهو، في أعقاب هذا التصريح، بشدة ضد بينيت منتقدا توجهه.
بديل لنتنياهو
شغل بينيت في حكومة نتنياهو المنتهية ولايته منصب وزير الاقتصاد بعد أن انضم حزبه إلى الائتلاف الحكومي برئاسة نتنياهو، وقد حاز الحزب على حقائب وزارية مهمة مثل وزارة الأديان، ووزارة الإسكان.
وبرز بينيت في حرب غزة الأخيرة، والذي كان عضو في المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت)، كأحد المعارضين لإدارة نتنياهو ووزير الدفاع يعلون الحرب، فقد نادى إلى حسم المعركة مع حركة حماس في غزة، واتهم نتنياهو بالتردد.
ويشير مراقبون في إسرائيل إلى أن شعبية بينيت ازدادت جرّاء حرب غزة خاصة في أوساط الإسرائيليين الذين خاب ظنهم بنتنياهو. ومن جهة ثانية، أتهم سياسيون إسرائيليون بينيت بأنه يستغل الحرب لمكاسبه السياسية، لكن بينيت لن يفوت فرصة استقطاب المزيد من أصوات اليمين على حساب نتنياهو.