في السنوات الأخيرة، أصبح تدريس اللغة العربية المحكية صرعة منتشرة في إسرائيل. لهذا ينضم الإسرائيليون من أعمار مختلفة إلى دورات لتعلم اللغة العربية المحكية، سعيا للتحدث مع جيرانهم العرب في إسرائيل والمناطق المجاورة، يعتقد بعضهم أن اللغة تشكل جسرا للتفاهم المتبادل، ويرغب آخرون في التعرف إلى العرب والتقارب منهم.
يعيش نحو 1.8 مليون عربي الآن في إسرائيل، وهم يشكلون %21 من إجمالي سكان دولة إسرائيل. رغم أن اللغة العربية هي لغة رسمية في دولة إسرائيل، إلا أن تدريسها في الجهاز التربوي الإسرائيلي غير منصوص عليه في القانون. في كل عام، يجتاز نحو 10.000 شاب وشابة إسرائيليون، يختارون تعلم اللغة العربية، امتحانات “البجروت”. ولكن، تُدَرس اللغة العربية الفصحى في المدارس الإسرائيلية، التي تختلف عن اللغة المحكية، ما يصعب على الشبان الذين يتعلمون اللغة العربية عند إجراء محادثة بسيطة مع جيرانهم العرب.
تلبية لتغيير هذا الواقع، أقيم في السنوات الأخيرة عدد من الجمعيات والمبادرات لتسهيل الوصول إلى العربية المحكية، وتمكين كل الإسرائيليين من تعلمها بناء على رغبتهم. إحدى المبادرات الملفتة هي مشروع “مدرسة” وهو مشروع تقني اجتماعي لتدريس العربية المحكية عبر الإنترنت مجانا. يهدف هذا المشروع المميز إلى تشجيع التواصل الجيد بين الفئات السكانية المختلفة في المجتمَع الإسرائيلي.
أقيمت جمعية “مدرسة” عام 2015، وهي تشغل موقع إنترنت مجانا، صفحة فيس بوك، ومجموعات واتس آب لكل من يرغب في تعلم العربية المحيكة. يقدم موقع “مدرسة” أربعة مستويات تعليمية، بدءا من المبتدئين وصولا إلى المتقدمين، ويتيح لكل مستخدم التقدم وفق وتيرته ومستواه. ترافق الدروس مواد مساعدة، وهي تتضمن، من بين مواد أخرى، تلخيصا لقواعد المادة، ملفات ثروة لغويّة، وأوراق عمل.
غلعاد سويت هو المبادر إلى المشروع الذي حقق شعبية كبيرة سريعا، وهو من مواليد القدس، ابن 27 عاما، ومؤسس الجمعية. بمناسبة أسبوع اللغة العربية الذي يصادف في هذه الأيام في إسرائيل، تحدثنا مع مدير الجمعية، دانيئل دوتان، الذي يدير بالتعاون مع سويت نشاطات الموقع والجمعية منذ إقامتهما. قال دوتان إن سويت معروف بحبه للغة العربية جدا، ودرّسها في حلقات دراسية وأطر مختلفة. “يتقن سويت اللغة العربية المحكية جدا، ولكن لا يمكن عزو هذا النجاح إلى المدرسة”، قال دوتان موضحا: “نتعلم العربية الفصحى في المدارس، التي تحظى بأهمية كبيرة، ولكن نحتاج إلى العربية المحكية للتحدث والتواصل”.
أدت قدرة سويت على التحدث بالعربية المحكية إلى أن يفكر في مشاركة معلوماته. لهذا بدأ بتدريس اللغة العربية، وبعد أن تلقى توجهات كثيرة، قرر تمرير الدروس عبر الإنترنت. لذا أقام بمساعدة دوتان موقعا، وبعد مرور عام، أقاما الجمعية. “هدفنا هو خلق مجتمَع إسرائيلي يتحدث أفراده بالعربية إضافة إلى العبرية”، قال دوتان. “يعرف 3% فقط من اليهود الإسرائيليين اللغة العربية، مقارنة بـ %80-90 من العرب الذين يتحدثون العبريّة – فنحن نسعى إلى إحداث ثورة في هذا المجال”.
يعتقد دوتان أن تدريس العربية يدفع التعايش المشترك بين اليهود والعرب في إسرائيل دون شك. “مَن يتقدم في تعلم اللغة، يتعرف إلى الثقافة العربية وإلى العرب”، أوضح. “نحن لا نتحدث عن السياسية والسلام، بل عن قضايا أهم، عن مجتمع جيد وسليم، يسود التواصل بين أفراده. هذا هو هدفنا الأسمى”، قال دوتان.
وأوضح دوتان أن موقع “مدرسة” حقق نجاحا كبيرا منذ البداية. “لقد اشتهر المشروع سريعا. عرفنا أن الأشخاص ذوو الأعمار المختلفة والفئات السكانية في المجتمَع الإسرائيلي، يريدون تعلم اللغة جدا، وهناك معرفة لأهمية ذلك”. وفق أقواله: “حتى الآن، زار أكثر من 170 ألف الموقع، وقد انضم أكثر من نصفهم لتعلم المزيد عن اللغة العربية”. كما أنهى عشرات آلاف المتصفحين دورة الإنترنت التي يمررها موقع “مدرسة”، وذلك إضافة إلى 24 ألف متابع في صفحة الفيس بوك لمشروع “مدرسة”. “هناك أشخاص أيضا يلتقون بعيدا عن الموقع، في أماكن مختلفة في البلاد، ويرسلون صورا”، قال دوتان.
هذا الأسبوع، أعرب رئيس دولة إسرائيل، رؤوفين ريفلين، عن دعمه للمشروع الناجح، مشاركا أحد أفلام الفيديو الخاصة به لتدريس اللغة العربية. في منشور رفعه ريفلين بمناسبة أسبوع اللغة العربية، عرض موقع “مدرسة”، متحدثا عن تجربته الشخصية فيما يتعلق باللغة العربية. “عندما كنت صغيرا، سمعت اللغة العربية في البيت ومن حولي، كما تحدث العرب باللغة العبرية تماما”، كتب ريفلين. “اهتم والدي، الذي ترجم القرآن وقصة ‘ألف ليلة وليلة’، بأن نعرف أهمية الإلمام باللغة العربية. لمزيد الأسف، رغم أن اللغة العربية هي لغة رسمية في إسرائيل، إلا أن معظم الإسرائيلين لا يتقنوها”.
https://www.facebook.com/ReuvenRivlin/videos/1959943770706971/
إشارة إلى برنامج الجمعية المستقبلي، قال دوتان إنه يتوقع أن يُطلق قريبا موقع جديد، يتضمن مستويات تدريس إضافية، وكذلك فيديو يتيح للمتصفحين التحدث معا بشكل مباشر. “عرفنا أن هناك حاجة علينا تبليتها، لتكون أكثر من مجرد صرعة، لهذا قررنا تمرير دورة جديدة تلبية للتحديات الأساسية وحفاظا على الاستمرارية والتدرب الكافي”، قال دوتان. وفق أقواله: “يعرض الموقع الجديد دورات تفاعلية تتضمن تدريبات، متابعات مكثّفة، محادثات بين المستخدِمين، وأطرا أكثر مهنية”. بالإضافة إلى ذلك، يخطط أعضاء الجمعية لإقامة لقاءات أسبوعية في إسرائيل، يجرى فيها حوار مفتوح بالعربية بين المشاركين.