جرت مؤخرًا حادثتان مرتبطتان بأسرة مُغنية. أولهما كانت عملية اغتيال جهاد مُغنية وأعضاء كبار في حزب الله وإيران والتي نُسبت لإسرائيل، وكان من بينهم جنرال إيرانيّ من الحرس الثوري، وقد جرت هذه الحادثة في هضبة الجولان. والأخرى كانت إعلانا في “واشنطن بوست”، بحسبه فإنّ إسرائيل والولايات المتحدة تعاونتا في اغتيال عماد مُغنية، والد جهاد، والذي كان رئيس الجناح العسكري لحزب الله.
يناقش هذا المقال طرق مواجهة إسرائيل لحزب الله، المدعوم من قبل الإيرانيين، ويدرس تأثير اختيار الاستراتيجية الإسرائيلية في مواجهة التحدّي في الساحة الشمالية على ردود حزب الله.
استنادا للتقارير المعلنة، يهدف الهجوم الذي جرى في الجولان إلى الإضرار القاسي بالبنى التحتية للإرهاب، والتي أقامها حزب الله هناك بالتنسيق مع الحرس الثوري، والتي كانت في مراحل متقدّمة من التوطيد. كانت القوة المهاجَمة من منظّمي هذه البنى التحتية. نسبت مصادر أجنبية هذه العملية لإسرائيل، بل وشهد أعضاء الأمم المتحدة بأنّهم رأوا طائرات دون طيار إسرائيلية وهي تحلّق في مكان الحادثة. أدت بعض القذائف التي تمّ إطلاقها ردّا على العملية من الأراضي السورية باتجاه جبل دوف إلى ردّة فعل إسرائيلية ضدّ قوات الجيش السوري، والتي كانت لا تزال في هضبة الجولان. ولكن جاء الرد الأكثر أهمية من قبل حزب الله بعد عدّة أيام من ذلك، وكان عبارة عن إطلاق عدد من الصواريخ المضادة للدبابات. باتجاه قافلة للجيش الإسرائيلي في جبل دوف، على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ونتيجة لذلك قُتل جنديّان إسرائيليّان وجُرح سبعة. ورغم إصابة جنود الجيش الإسرائيلي، اختارت إسرائيل الكبح وأيضا حزب الله نقل رسائل من خلال قوات اليونيفيل، بأنّه يعتبر الحادثة منتهية.
كان اغتيال عماد مُغنية، والذي حدث في 2008، نوعا آخر من العمليات. تمّ تحميل عماد مُغنية مسؤولية عمليات إرهابية بارزة ضدّ الولايات المتحدة في لبنان (ضرب السفارة الأمريكية في بيروت وقتل جنود المارينز، اختطاف طائرات واحتجاز مواطنين كرهائن لفترة طويلة)، وضرب أهداف إسرائيلية ويهودية في الأرجنتين، بالإضافة إلى بناء قوة حزب الله بعد حرب لبنان الثانية. نُشر مؤخرًا أنّه قد تمّ تنفيذ عملية اغتياله بعد تتبّع طويل، بالتعاون بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) وجهاز الموساد الإسرائيلي. أعلن زعماء حزب الله أكثر من مرة، بأنّ موته سيجرّ ردّ فعل مؤلم ضدّ إسرائيل، ولكن لم يتم تنفيذ هذا التهديد، على ضوء فشل عدة محاولات للإضرار ببعثات وممثّلي إسرائيل في الخارج، باستثناء العملية التي نُفّذت في بورغاس، بلغاريا، عام 2012. إنّ الكشف عن المسؤولية المباشرة لحزب الله عن العملية كما جاء في المحكمة كلّفه إدراج الجناح العسكري للتنظيم في قائمة التنظيمات الإرهابية التابعة للاتحاد الأوروبي.
وتبرز طريقة قتل أسرة مُغنية، الأب والابن، استراتيجيات إسرائيلية مختلفة لمواجهة التنظيمات الإرهابية. كانت الطريقة الأولى، التي استُخدمت في هضبة الجولان، هجوم منفّذ من الجوّ، بشكل علني تقريبا. ويتم تنفيذ هذا الهجوم عندما يتم الكشف عن هجوم حقيقي ضدّ إسرائيل أو عندما ترغب إسرائيل بنقل رسالة للطرف الآخر، حتى لو لم تتحمّل مسؤولية الهجوم. الطريقة الأخرى، هي الإضرار بالبنى التحتية وضرب قادة الإرهاب بشكل سرّي دون ترك بصمات إسرائيلية. يترك العمل السري لإسرائيل وللخصم مساحة نفي، أو يمكّنهما من الامتناع عن الردّ، أو الردّ بشكل محدود، لمنع التصعيد.
المنطق الرئيسي للحرب السرية بين حزب الله وإسرائيل هو إبقاء مساحة نفي لكلا الطرفين والسماح للطرف المتضرر بألا يردّ، دون أن يُنظر إليه نظرة “ضعيف” بسبب ذلك. في الواقع، لقد استغلّ حزب الله، سوريا بل وإيران في السنوات الماضية مساحة النفي هذه ولم يردّوا بشكل مباشر على عمليات نُفّذت ضدّهم، والتي تمّ نسبها لإسرائيل. وقد شملت تلك الهجمات التي نُفّذت تورط إسرائيل فيها بوضوح، بشكل أساسيّ في الأراضي السورية، لمنع نقل الأسلحة المتطوّرة من سوريا لحزب الله، والتي لم يتم العثور على دليل واضح عن المسؤول عنها. في المقابل، فقد صعّبت عملية القتل المستهدف في هضبة الجولان بشكل “صاخب” على حزب الله استغلال مساحة النفي و “اضطُرّ” إلى الردّ، لاستعادة صورته الرادعة، حتى لو كان معنى الردّ المخاطرة بإشعال المنطقة. لذلك، ردّ حزب الله بطريقة “مشروعة” بالنسبة له ويمكن تفسيرها، لأنّها كانت مشابهة للهجوم الذي نُسب لإسرائيل (“صاروخ مقابل صاروخ”، “جولة مقابل جولة”) وتم تنفيذها في منطقة مريحة نسبيًّا بالنسبة له؛ حيث هناك لديه فيها مطالب إقليمية تجاه إسرائيل. سعى حزب الله من خلال ردّه نقل رسالة، بأنّه سيرد في المستقبل على استهداف إسرائيل له أيضا في الأراضي السورية، بما في ذلك استهداف نقل الأسلحة. لو اختار ردّة فعل متطرّفة أخرى، على سبيل المثال، في الخارج، فقد كان من الممكن أن يخاطر بردّة فعل قاسية بل وبعقوبات ضدّه من قبل المجتمع الدولي، وخصوصا من قبل الدول الأوروبية، والتي خفّضت من تسامحها منذ عملية بورغاس تجاه نشاطه وكل عملية إرهابية في أراضيها.
ومن الجدير ذكره، بأنّه رغم قرار حزب الله وإسرائيل، بحكم الأمر الواقع، إنهاء الصراع العنيف الذي اندلع بينهما في أعقاب الهجوم في الجولان وردّ حزب الله، فلا يمكن أن نحدّد، إذا ما كانت إيران أيضًا، مع أو دون حزب الله، ستردّ في المستقبل من أجل انتزاع ثمن باهظ من إسرائيل، كما هدّد قادة في الحرس الثوري. على أية حال، يبدو، بأنّه في المواجهة مع حزب الله وإيران في الساحة الشمالية من المناسب إعطاء الأولوية، قدر الإمكان، لأسلوب الحرب السرّية ذات أثر منخفض، يسمح بمساحة مناورة ونفي لكلا الطرفين، فتقلّص بذلك من احتمالات التصعيد واندلاع حرب لا يرغب بها كلا الطرفين.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع INSS