لقد ارتقى إسماعيل هنية سُلم القيادة من أسفله: وُلد في مخيّم الشاطئ للاجئين، تعلم في الجامعة الإسلامية في غزة وقاد الحركة الطلابية، حتى نجح في أن يُصبح يد الشيخ ياسين اليُمنى، الذي كان يساعده على التنقل من مكان إلى آخر بمساعدة كرسيّ مُتحرّك. يُعتبر اليوم أحد الأشخاص الأقوى في حماس، ومن المُرتقب، بحسب جميع التقديرات، أن يُشغل منصب رئيس المكتب السياسي لحماس بدلا من خالد مشعل بعد الانتخابات القادمة في مجلس الشورى. ولكن هل سينجح هنية في الحفاظ على مكانته؟
ترعرع في الأحياء الشعبية
في حين يُعتبر مشعل شخصية عالمية، يحب حياة الرفاهية، يعيش في الفنادق، ويأكل في المطاعم الفاخرة، لا يزال هنية يُعتبر ممثلا عن الشعب في غزة. لقد وُلد هنية في مخيم الشاطئ للاجئين عام 1963 ونشأه فيه، كان والده صيّادا، ووصل إلى غزة من أشكلون (عسقلان) في أعقاب حرب عام 1948. لقد تُوفي والده عندما كان طفلا، فنشأ في أسرة فقيرة. لقد كان معروفا بحبه لكرة القدم، وتشجيعه لفريق مُخيّم الشاطئ للاجئين، وقد لعب كرة القدم بين حين وآخر. بخلاف الكثيرين الذين يختارون الالتحاق بالدراسة في جامعة الأزهر المصرية ذات السُمعة الحسنة أو جامعات الخليج، درس هنية للقب الأول في الأدب العربي في الجامعة الإسلامية في غزة.
في الثمانينيات، كان ناشطا في إطار المجلس الطُلابي للجامعة الإسلامية في غزة، بل وتولّى منصب رئيس المجلس على مدى عامين. خلال تلك الفترة أكثر من المواجهة مع محمد دحلان، رئيس “الشبيبة” حينذاك والذي أصبح لاحقا أحد قادة حركة فتح. في عام 1987، وهو العام الذي تأسست فيه حركة حماس، وأنهى فيه هنية دراسته، اعتُقل هنية بموجب أمر اعتقال إداريّ لمدة نصف سنة.
بدءًا من العام 1989 أمضى فترة عقوبة مدتها ثلاث سنوات في السجون الإسرائيلية. عندما أطلِق سراحه عام 1992، طرِد إلى جنوب لبنان في العام ذاته، وعاد إلى غزة بعد نحو عام، حينها عُين سكرتيرا لمجلس أمناء الجامعة الإسلامية في غزة ومديرا إداريا في الجامعة. ترشّح هنية لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الأولى، ولكنه سحب ترشّحه في أعقاب ضغوط مارستها حركة حماس.
يد الشيخ ياسين اليُمنى
بدأ طريقه نحو قيادة حركة حماس بدءًا من العام 1997، عندما أُطلِق سراح الشيخ أحمد ياسين من السجون الإسرائيلية، وتم تعيين هنية رئيسا لمكتبه. منذ ذلك الحين أصبح أحد أكثر الأشخاص المقرّبين من الشيخ، وكان يُرافقه إلى كل مكان، حيث كان يدفعه على كرسيّه المُتحرّك. في أيلول عام 2003، عندما كان هنية في شقة بغزة مع الشيخ ياسين وجميع قيادة حماس، أصيب بجراح طفيفة في ذراعه نتيجة لقصف الشقة من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.
تعززت مكانة هنية في حماس في فترة انتفاضة الأقصى، سواء بسبب قربه من الشيخ ياسين، أو بسبب اغتيال الكثير من قادة الحركة في تلك الفترة. انتُخب في كانون الأول 2005 رئيس قائمة حماس، وقاد الحركة في الانتخابات التي أجريت في 25 كانون الثاني 2006 إلى الفوز إذ انتصرت على حركة فتح وانتُخب رئيس حكومة السلطة الفلسطينية بدءًا من 19 شباط 2006.
في تلك الفترة عانت السلطة الفلسطينية من مقاطعة اقتصادية، بسبب تعريف حماس كمنظمة إرهابية. في كانون الأول عام 2006 سافر هنية إلى جولة لقاءات في العالم العربي بهدف تجنيد الأموال. عندما عاد، في كانون الأول 2006، حاول بعض عناصر فتح اغتياله. ولكن لم يُصبْ هنية بأذى، وقد قُتل أحد حراسه وأصيب ابنه فحسب.
استمر هنية في تولي منصب رئيس حكومة الوحدة الفلسطينية التي شُكّلت في آذار عام 2007، وعُيّن عزّام الأحمد من فتح نائبه. ورغم أنّه في نهاية ذلك العام أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن إقالة هنية، رفضت حماس قبول الإقالة وبقي هنية في منصبه كرئيس لحكومة حماس في غزة حتى عام 2014. ويتولّى منذ العام 2012 أيضًا منصب نائب رئيس المكتب السياسي للحركة.
صاحب مواقف معتدلة؟
لدى هنية “حساب” مفتوح مع وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان. وذلك لأن ليبرمان عندما كان عضوا في المعارضة، قال في انتقاده لحكومة نتنياهو، إنّه لو أصبح وزيرا للدفاع، كان سيمهل هنية 48 ساعة لإعادة جثث الجنود والمواطنين المحتجزين في غزة، وإن لم يفعل، فسيموت. مرّت بضعة أشهر منذ أن تم تعيين ليبرمان وزيرا للدفاع، ولا يزال هنية كما هو معلوم حيّا يُرزق. أسس إسرائيليون أرادوا السخرية من تصريح ليبرمان هذا موقعا في الإنترنت أطلقوا عليه اسم “هل مات هنية فعلا”؟ عندما ندخل إلى الموقع، فكل ما نراه هو الإجابة “لا”.
يُعتبر هنية من ضمن قادة “صفقة شاليط”، والتي تم فيها إطلاق سراح 1,027 أسيرا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط من أيدي حماس. اعتُبر على مدى السنين “معتدلا” نسبيا في موقفه من إسرائيل، بل وصرّح في الماضي أنّه يطمح إلى وقف سفك الدماء في المنطقة، وهو الادعاء الذي استُقبل بالشكّ والريبة في إسرائيل.
وحتى عام 2000 كان هنية من الشخصيات السياسية ذو التوجه الوسطي في حماس وليس المتشدد ضد فتح أو غيرها من التنظيمات. ولكن، رغم أن البعض يرى فيه منذ انتخابات 2006 أنه لا زال الشخصية الأكثر حضورا في وسط الفصائل وحتى عند فتح مقبولا به، إلا أنه فعليا هو الرأس المدبر لغالبية قرارات حماس ومنها تلك التي تهاجم فتح، ويقال عنه داخل حماس بأنه الرجل الذي يعرف من أين تؤكل الكتف فلديه قدرة كبيرة في التحكم بقرارات حماس ولديه القدرة في إبداء مظهر إيجابي علنا ولكن موقفه السلبي تجاه قضايا يبقى في الخفاء وهو الذي يستطيع أن يمضي إيجابا أو سلبا في العديد من الملفات الحساسة.
فيلا في الرمال
في تموز عام 2014 وخلال عملية “الجرف الصامد” قصف سلاح الجو الإسرائيلي منزل هنية، ولكنه لم يكن موجودا في المنزل ولذلك لم يُصبْ. في ذلك العام، ذكرت وسائل الإعلام أنّ هنية قد اشترى قطعة أرض بمساحة 2,500 متر في شارع عمر المختار في حيّ الرمال المرموق في غزة مقابل 4 ملايين دولار. وقدّرت جهات أخرى في الإعلام ثروة هنية بالمليارات.
ما زال هنية يعلن عن أنه يسكن في مخيّم الشاطئ، ولكن من الواضح منذ فترة أنّه لم يعد يمارس نمط حياة سكان المخيّمات. ذكرت وسائل إعلام عربية مؤخرا أنّه ربّما ينتقل هنية للعيش في قطر، ويقود حركة حماس من هناك بدلا من خالد مشعل.
يُعتبر هنية، “أبو العبد”، أيضًا مسلما متديّنا، وربّا لأسرة وهو متزوج ولديه 13 ابنا. ثلاث من أخوات هنية يحملنَ الهوية الإسرائيلية، بعد أن تزوّجنَ من رجال بدو من مواطني إسرائيل ويعشنَ في النقب. ونجح أبنائه في تأسيس ورثة مالية كبيرة جراء النفوذ الذي يتمتع به والدهم حتى هذه اللحظة، ويُعتبر تقريبا القائد الوحيد في حماس بغزة الذي لم يُقتل أي من أبنائه أو لم يشاركوا في أعمال مقاومة كما يفعل أبناء قيادات أخرى مثل الحية والزهار وغيرهم.
يبدو أن صورة القائد الغزّي المتصل بالشعب آخذة بالتدهور. إذا كان في الماضي شعبيا بفضل مقاطع فيديو ظهر فيها وهو يعدّ الفلافل لسكان غزة ويلعب كرة القدم، فهو يشتهر اليوم بفضل الامتيازات الزائدة التي يحصل عليها، مثل خروجه الأخير للحجّ في السعودية عن طريق معبر رفح. ورغم أن شعبيته لا تزال كبيرة جدا، ومن المرجح أن تساعده أيضًا في وراثة منصب مشعل، إلا أن عليه أن يعمل جادّا للحفاظ عليها. والخطوة الأولى التي عليه أن يتخذها هي العيش في قطاع غزة، في ظل كافة الصعوبات.