في سنّ الثامنة عشرة، استطاعت يُسرى مرديني النجاة أكثر من مرة من الموت. نشأت في دمشق، وكابنة لمدرب سباحة تقضي وقتا طويلا في الماء منذ سنّ الثالثة. كانت تعيش حياة عادية جدا حتى قبل أربع سنوات، ولكن الحرب قد عطّلت، بطبيعة الحال، روتين حياتها.
رغم أنها وأسرتها حاولوا الحفاظ، قدر الإمكان، على روتين حياتهم، فقد دُمّر منزل العائلة عام 2012 أثناء قصف. في مجزرة داريا، التي فقد المئات فيها حياتهم، ثكلت يُسرى اثنين من أصدقائها. انهار سقف المبنى في قاعة السباحة التي تدرّبت فيها أيضا أثناء قصف. لقد تغيّر كل ما عرفته في حياتها من النقيض إلى النقيض.
لقد أدركت مرديني أنّه من أجل البقاء على قيد الحياة عليها أن تجري تغييرا كبيرا في حياتها. عام 2015، سافرت جوّا مع أختها واثنين من أبناء عمومتها إلى بيروت ومن هناك إلى تركيا، حيث تواصلوا فيها مع مجموعة من نحو 30 لاجئ، بهدف السفر إلى اليونان.
انتظر اللاجئون عدة أيام، مع مجموعة أخرى من نحو 300 لاجئ، ليصعدوا إلى سفينة للسفر إلى أوروبا. تتحدث مرديني في مقابلة أجرتها مع نيو يورك تايمز عن “صناعة القوارب” وهو عمل يديره مواطنون أتراك بقبضة قوية وبوحشية، من دون أن يحظى برقابة الشرطة أو السلطات.
بعد عدة أيام من الترقّب، صعدت مرديني وأختها أخيرا إلى قارب صغير، تماما كتلك القوارب التي نسمع عنها في الأخبار وهي تغرق. رغم أن القارب كان معدّا لستّة أشخاص – فقد كان فيه 20 شخصا، بما في ذلك طفل في سنّ السادسة.
في محاولة الإبحار الأولى أوقفهم شرطي حدود واضطرّوا إلى العودة. في المحاولة الثانية، توقف المحرّك عن العمل بعد 20 دقيقة. من بين جميع الناس الذين كانوا على متن القارب، لقد كانت تعرف مرديني وأختها سارة، التي كانت سبّاحة أيضًا، وشابّين آخرين السباحة فقط، وهكذا فقد اضطرّوا إلى السباحة على مدى ثلاث ساعات ونصف، وهم يجرّون القارب ورائهم.
كان ذلك مساءً، ووفق أقوال مرديني كانت المياه باردة، وكانت الملابس التي ترتديها ثقيلة وتجرّها نحو الأسفل وأدى ملح البحر إلى حرقة في عينيها، “ولكن طوال الوقت كنت أفكّر – أنا سبّاحة، إذا فكيف يمكن أن أموت في النهاية في الماء؟”.
في النهاية، وصلت المجموعة إلى الشاطئ، ولكن الرحلة كانت أبعد من أن تنتهي. لقد سار أفرادها على مدى أيام، حيث رفضت سيارات الأجرة أن تقلّهم ورفضت المطاعم خدمتهم. “ولكن كان هناك أيضًا أشخاص طيّبون”، كما تقول. “عندما وصلت لم يكن لدي حذاء، شاهدتنا طفلة واحدة، يبدو لي أنها كانت في سنّي، وأعطت لأحد الأطفال قميصا وأعطتني حذاءها”.
تابعت مرديني وأختها التنقل مشيا على الأقدام وعلى الدراجات الهوائية عن طريق البلقان، حتى وصلتا إلى ألمانيا، حيث تم إسكانهما هناك في خيمة لاجئين. رغم كل الصعوبات، لم تكفّ عن الحلم بالسباحة التي أحبّتها كثيرا، ونجحت في الوصول إلى مدرّب لياقة بدنية ألماني من أصول مصرية ووافق على تدريبها. لاحقا اكتشفتها اللجنة الأوليمبية، والتي عرفت عن بعثة اللاجئين. في كانون الثاني حازت على منحة، مكّنتها من ممارسة الرياضة بشكل يومي واستئجار شقّة لها ولأختها ولوالديها وأخويها، والذين انضّموا إليهما في هذه الأثناء في برلين.
واليوم، كما ذكرنا، أصبحت مرديني جزءا من البعثة الأوليمبية في ريو. ورغم أنها كما يبدو لن تفز بالميدالية، ولكنها تمثّل إلهاما للكثيرين في العالم، فقد فتحت الطريق لنفسها إلى منافسة الأوليمبياد القادمة، التي ستصل إليها بعد أن تتوفر لها ظروف أفضل بكثير وتحظى بقدرة على التدرّب كما يجب على مدى 4 سنوات، ولا سيما الآن بعد أنها لم تعد بحاجة إلى الكفاح من أجل حياتها.