ربما كان الشهر الأخير هو الأكثر صعوبة في تاريخ منظمات حقوق الإنسان والمواطِن التي تعمل في دولة إسرائيل. إنّ هذه المنظمات، مثل “بتسيلم”، “تعايش”، “لجنة مناهضة التعذيب”، “نكسر الصمت” و “حاخامات من أجل حقوق الإنسان”، بالإضافة إلى الحركات اليسارية مثل “حركة السلام الآن” – وجدت نفسها جميعا في وسط عاصفة عامة، حيث جميع أصابع الاتهام موجّهة تجاهها.
وهناك سببان رئيسيان قادا إلى هذا الوضع المحزن. الأول، هو حملة مموّلة من قبل حركة “إم ترتسو” اليمينية، التي تعرض بعض هذه المنظمات باعتبارها “مزروعة” – أي عملاء أجانب يعملون داخل دولة إسرائيل بسرية، من أجل تدمير دولة إسرائيل. وهناك مقطع فيديو مثير للجدل نشرته الحركة يُظهر شابّا فلسطينيا يلوّح بسكين لطعن اليهود، مع علمه أنّ أعضاء منظمات “حقوق الإنسان” ستدافع عنه إذا تم القبض عليه.
انضم جميع السياسيين اليمينيين في إسرائيل معًا لإدانة منظمات حقوق الإنسان
وثانيا، في الأسبوع الماضي كُشف في تحقيق على القناة الثانية الإسرائيلية كيف يعمل ناشط كبير في منظمة “تعايش” على تسليم فلسطيني، يسعى إلى بيع أراض لليهود، إلى أيدي السلطة الفلسطينية، حيث من المتوقع أن يمرّ هذا الفلسطيني هناك بتعذيبات قاسية. تم تسجيل الناشط، واسمه عزرا نافي، وهو يتفاخر بأنّه سيسلّم اسم وصورة الفلسطيني الذي يرغب ببيع أراضيه إلى الأمن الوقائي، والذي سيعذّب هذا الشخص ويقتله.
وعلى خلفية هذه الاتهامات وما يبدو أنّه اشتعال للانتفاضة الثالثة، وُضعت منظمات حقوق الإنسان في قفص الاتهام. ففي إسرائيل هناك من يسميها “خونة” من دون تردّد، وتم فعلا وضع اقتراح قانون على طاولة الكنيست يطالب بإخراج منظمة “نكسر الصمت” خارج القانون، والتي توثق شهادات لجنود إسرائيليين عن انتهاكات لحقوق الإنسان.
فعلى سبيل المثال، أدى فورا تقرير عن حريق في مقرّ منظمة “بتسيلم” نُشر في الأسبوع الماضي، إلى موجة من الفزع من اليمين واليسار. فسارع مؤيدو المنظمة من اليسار إلى التصريح بأنّه إشعال متعمّد، كنتيجة للتحريض المباشر من قبل حكومة نتنياهو. بينما أعرب الكثيرون من مؤيدي اليمين في مواقع التواصل الاجتماعي عن فرحهم بهذا الإشعال، وتمنّوا مقتل نشطاء المنظمة.
وانضم جميع السياسيين اليمينيين في إسرائيل، بدءًا من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وحتى آخر عضو في أحزاب “الليكود”، “البيت اليهودي” و “إسرائيل بيتنا”، معًا لإدانة منظمات حقوق الإنسان. ففي رأيهم جميعًا، فإنّ هذه المنظمات تعمل ضدّ دولة إسرائيل، وليس لصالح حقوق الإنسان الفلسطيني. صرّح نتنياهو أنّ هذه المنظمات “تختبئ خلف قناع من الحرص على حقوق الإنسان”.
بنيامين نتنياهو: “المنظمات حقوق الإنسان تختبئ خلف قناع من الحرص على حقوق الإنسان”
ويهاجم الكثيرون منظمات حقوق الإنسان لكونها تحصل على تبرعات من حكومات أجنبية، وخصوصا من الدول الأوروبية. ففي الأيام التي تتم فيها إدانة وزيرة الخارجية السويدية في إسرائيل لكونها تسعى إلى التحقيق في قتل فلسطينيين حاولوا طعن يهود، يتم اعتبار التمويل الأجنبي كطريقة للدول الأوروبية لتحقيق سياساتها المعادية لليهود. وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ويتّهم هذه المنظمات بكراهية الذات الحقيقية، مثل اليهود من أبناء الأجيال القديمة الذين بدّلوا دينهم وفقدوا هويّتهم الفريدة.
وفي مثل هذه الحالة التي تكون فيها شعبية هذه المنظمات أقل من أيّ وقت مضى، فهناك قليلون مِن مَن مستعدون ليُسمعوا موقفا مؤيدا لنشاطها بصوت واضح. أحد هؤلاء هو البروفسور مردخاي كرمنيتسر، نائب رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، والذي كتب هذا الأسبوع في صحيفة “هآرتس”: “كل من هو ليس أعمى أو غافلا تماما يعلم أنّ حقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة تُنتهك انتهاكا منهجيًّا. لذلك، فمن يعتبر حقوق الإنسان موضوعا هاما، عليه أن يتقدّم بالشكر للمنظمات العامة لحمايتها”.
في حين قالت عضو منظمة “نكسر الصمت” في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي: “هذه أيام ليست بسيطة في نضالنا لإنهاء الاحتلال. سنستمر في أن نكون بيتا للجنود الذين يرغبون بالحديث عمّا قاموا به في الضفة الغربية وغزة”.