ازدهر في السنوات الأخيرة الاستهلاك عبر الإنترنت في العالم كله وفي المجتمعات العربية والإسلامية بشكل خاص. إن الفاعلية الكبيرة لمواقع المبيعات عبر الإنترنت والطلب على سلع حلال – أي منتجات تم تصنيعها وفقا لمبادئ التمويل، العمل والأخلاق الإسلامية – وخصوصا من قبل المسلمين الذين يعيشون في الغرب، جعلت رجال أعمال مسلمين يؤسّسون مواقع إسلامية.
برز معظم هذه المواقع بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، ويبدو بسبب التغييرات في سهولة حركة الأقليات المسلمة في الغرب. هذه المواقع متقدّمة جدا من الناحية التقنية وتتوجه إلى المسلمين في الغرب، إلى معتنقي الإسلام الجدد، إلى النساء الغربيّات اللواتي يبحثن عن أزياء “شرقية” أو متواضعة نسبيا، وللمتسوّقين الذين يطاردون “عملية الشراء الخاصة المقبلة”.
أحد هذه المواقع البارزة هو Shopping Online، وتم تأسيسه في تشرين الثاني عام 2001، بعد شهرين من أحداث مركز التجارة العالمي. وهو متجر كبير لكل شيء يعرض سلعًا حلالا، من بينها لعب الأطفال، الملابس، مستحضرات التجميل، مجوهرات الفضة والذهب، الكتب للمسلمين الجدد وملفات أحكام الفقه.
https://instagram.com/p/3ZO88oLbUJ/
يمكن للمتصفّحة المتابعة زيارة متجر الملابس النسائية الهولندي على الشبكة، Inayah. يصرّح مؤسسوه أن الأزياء الإسلامية الحديثة للماركة تدمج التوجهات العصرية والإسلامية الفريدة. إنها “أزياء خاصة وأصيلة لمصمّمين، ولا تتبنى أي اتجاه عابر في عالم الموضة والذي يتم إملاؤه من قبل الغرب، وإنما ما يصلح للمرأة المسلمة”. الملابس الإسلامية مريحة، متواضعة وعصرية وهي تلائم مقاسات أجسام مختلفة. تتم حياكة تلك الملابس بقطع محدودة وليس بإنتاج ضخم كما هو معهود في الغرب، مما يسحر مرتدية الملابس المسلمة وغير المسلمة على حدّ سواء.
أثارت كثرة هذه المواقع وشعبيّتها نقاشا فقهيّا حول السؤال إذا ما كان الشراء عبر الإنترنت جائزا في الإسلام. لفت علماء الفقه انتباه المتصفّحين المتديّنين إلى أنّه في معظم هذه المواقع هناك إعلانات منبثقة، ذات محتوى محظور في بعض الأحيان، وبطبيعة الحال تحتوى على صور غير لائقة وتسوّق مشروبات كحولية. ولذلك تم توجيه المؤمنين إلى مواقع إنترنت “حلال” تُعرض فيها السلع دون وجه أو جسد لعارضي/عارضات أزياء.
وحول سؤال استخدام بطاقات الاعتماد اختلفت آراء الفقهاء بين التيار الوسطي المتساهل، وبين فقهاء التيارات الأخرى في الإسلام. كان هناك فقهاء رفضوا الفكرة رفضا قاطعا على أساس أنها ممارسة غربية بغيضة تؤدي إلى التبذير والسقوط في شبكة القروض والربا المحظورة دينيًا. إنّ استخدام بطاقات الاعتماد، كما قيل، يعيد المسلمين إلى فترة ما قبل الإسلام التي أدار فيها العرب حياتهم من خلال الدفع المؤجل. وفضلا عن ذلك، فإنّ تكاليف الاستخدام التي تتقاضاها شركات بطاقات الاعتماد هي بمثابة ربا اخترعته البنوك الغربية من أجل استغلال زبائنها. ووجّه هؤلاء الفقهاء المتسوّقين إلى مواقع تقبل الإيداع إلى حسابات بنوكهم، على طريقة “ادفع وخذ” (وذلك على الرغم من أنه عند كل وديعة تجبي البنوك رسومًا من زبائنها).
وقد أجازت فتاوى أخرى استخدام بطاقات الاعتماد فقط عند غياب إمكانية الدفع الأخرى في الموقع. وكان هناك فقهاء أجازوا استخدام بطاقات الاعتماد المشحونة بمبلغ معين أو أوصوا بألا يتجاوز الزبائن الرصيد الحالي في حساباتهم. أجاز بعض الفقهاء، ومن بينهم القرضاوي، استخدام بطاقات الاعتماد بناءً على حديث منسوب للنبي محمد وبحسبه يجوز الدفع بعد يوم الشراء. وأوضح المجيزون أيضًا أنّ الشراء عبر الإنترنت يتمّ عندما تكون سلّة المشتريات المفترضة موجودة أمام أعين المتصفّح، ويرفق لكل منتج صورة وسعر. يسمح التسوق عبر الإنترنت للمتسوّقة بتتبّع سلّة المشتريات وتحديثها، حيث تتمتّع بالتحكّم الكامل فيما يتعلق بالميزانية المتاحة لها.
وفضلا عن الاستهلاك الحكيم، يعتبر رجال الأعمال والفقهاء الوسطيون مواقع التسوّق أداة لنقل رسالة دعائية إسلامية. يصرّح مؤسّسو هذه المواقع بأنّهم يقومون بدور فاعل في نشر الدعوة الإسلامية. سيعزّز تسويق السلع الحلال، على سبيل المثال، دين الإسلام في قبول المسلمين في الغرب. بل وتبلّغ مواقع معيّنة المشترين بأنّه سيتم إرسال جزء من الأرباح إلى منظّمات إسلامية.
وهناك توقيع لتلك المواقع أيضًا على معاهدة التجارة النزيهة: تم إنتاج السلع بطرق قانونية، صديقة للبيئة، ليست مسروقة، ولم يشارك الأطفال في عملية الإنتاج. وعلاوة على ذلك، فإنّ معظم السلع مصنّعة في تركيا أو في دول إسلامية أخرى، بحيث سيساهم شراؤها في ازدهار الاقتصاد الإسلامي. وكل شيء يبدأ بالنقر على زرّ الفأرة.
نشر هذا المقال لأول مرة على موقع Can Think