في 24 تشرين الأول عام 2014، شنّ مسلّحون في شبه جزيرة سيناء حملة في عدة جبهات ضدّ ثكنات تابعة للجيش المصري. فجّر تنظيم أنصار بيت المقدس – وهو اتحاد جهادي متشدّد، تأسس في سيناء عقب أحداث الشغب عام 2011 – سيارة مفخخة دمّرت قاعدة مصرية. بعد ذلك فورا داهم رجاله هذه الثكنة. وقُتل أكثر من ثلاثين جنديا مصريا.
بعد ذلك بأسبوعين، في العاشر من تشرين الثاني، أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس عن انضمامه إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. وعندها غيّر تنظيم أنصار بيت المقدس اسمه إلى ولاية سيناء. حتى قبل إطلاق اسمه الجديد، كان أنصار بيت المقدس فعلا تنظيما إرهابيا مدرّبا، وتمتّع أعضاؤه بمساعدات وتدريبات من أشخاص مرتبطين بالقاعدة، داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى المناهضة للدولة في سوريا، بالإضافة إلى مسلّحين في غزة، بما في ذلك حماس. لا شكّ أن قدرات تنظيم أنصار بيت المقدس في تصدّر العناوين في الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان جعله موضوعا رئيسا بالنسبة لداعش.
https://www.youtube.com/watch?v=20PemWzWNUg
خلال العام الفائت، أصبحت نشاطات ولاية سيناء أكثر اتساعا، تواترا وتعقيدًا. ومع ذلك، وعلى ضوء تطور التنظيم منذ العام 2011، كان يُمكن أن تحدث زيادة قوته أيضًا دون انضمامه إلى داعش. كانت الهجمة الأكبر حتى الآن في صفوف المنفّذين في ولاية سيناء/ تنظيم أنصار بيت المقدس هي اقتحام الشيخ زويّد والذي تم في الأول من تموز عام 2015، وهي المدينة الثالثة في مساحتها في شمال سيناء. كانت هذه الهجمة، التي كانت محاولة واضحة لمئات المسلّحين في السيطرة على المدينة، تحاكي بشكل واضح الطريقة التي تداهم فيها داعش وتحتلّ الأراضي في شمال غرب العراق.
الفرق بين أنصار بيت المقدس وولاية سيناء
لم تكن عملية الشيخ زويّد نموذجية، ولكنها عكست الطرق الثلاث التي تغيّر فيها التشدّد في سيناء. بداية، فإنّ ولاية سيناء تفرض اليوم تهديدا أكبر بكثير على السكان المحليّين. فقد قتل التنظيم عشرات الأشخاص بحجّة أنهم جواسيس وهدّد علنًا زعماء القبائل المعارضين له. إن الهجمات المتزايدة لولاية سيناء تشكّل خطرا على المواطنين بشكل مباشر، وفي المقابل، يمنع التنظيم تهريب الدخان والماريجوانا لكونهما “خطايا في الإسلام”. في النهاية، هاجم تنظيم ولاية سيناء وأصاب جنود مراقبين متعدّدي الجنسيات، والذي من المفترض أن يشكّل هدفا رئيسيا لذوي الطموحات الجهادية، ولكن في المقابل، فهو أيضًا صاحب العمل الأكبر على الإطلاق لدى البدو في سيناء.
يكمن التغيير في التعامل مع السكان المحليين في الغالب من التغيير الرئيسي الثاني الذي مر به تنظيم أنصار بيت المقدس. وفقًا للحكومة المصرية فهناك تدفق للمقاتلين الأجانب إلى داخل سيناء، ومن بينهم مصريون عادوا من الحرب في سوريا. وإذا كان هذا الكلام صحيحا، فإن زيادة أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم تنشئ فرصة، يمكن للحكومة المصرية استغلالها لصالحها. ورغم أنّ التنظيم يتمتع دائما بدعم من جهات خارج حدود مصر، لكنه حرص على الحفاظ على جدول أعماله المحلي. ما يُنظر إليه باعتباره مصالح خارجية، سواء كانت خاصة بالأجانب أو بمصر، قد يؤدي في ظروف معينة، إلى تغيير موقف السكان المحليين ومن ثم تقديم مساعدتهم إلى الحكومة المصرية في صراعها.
التغيير الثالث الجدير بالذكر، هو أنّه منذ انضمام تنظيم أنصار بيت المقدس إلى داعش، فإنّه بتجسّده في ولاية سيناء يسيطر في الواقع على أراضي سيناء. وصحيح أن الحديث يجري عن منطقة صغيرة نسبيا، ومنذ فترة طويلة، لا يقع معظم شمال سيناء تحت السيادة التامة للحكومة المصرية. وبحسب أحد المصادر الغربية، ما زال التنظيم يعزّز سيطرته على المنطقة الحدودية رغم الهجمات المتكررة للجيش المصري. وبشكل مشابه لتجسّد التنظيم السابق، تشير دعاية ولاية سيناء إلى نية التنظيم بالحكم.
فرصة حصول رد مصري ناجح
حتى الآن، فشلت مصر في مواجهة هذه التطورات في سيناء. منذ شهر تشرين الأول عام 2014، فرضت السلطات الأمنية تقييدات على سكان سيناء، ورغم ذلك، فالسكان المحليّون اليوم أقلّ أمنا مقارنة بالعام الماضي. رغم الأعداد غير المسبوقة للجنود المصريين والسلاح في سيناء – والتقارير عن مقتل نحو ألف “إرهابي” خلال السنة الماضية – لم تنجح تلك الحملات العسكرية في إخضاع معاقل ولاية سيناء. لقد اتضح أن أعضاء التنظيم قد تكبدوا الخسائر ولكن استطاعوا التعافي وزيادة معدّل الهجمات التي ينفّذونها. وفي النهاية، رغم الحواجز على طرق المرور إلى سيناء (من قطاع غزة، مصر والبحر)، فلا يزال المقاتلون الأجانب والأسلحة المتقدّمة قادرين على الوصول إلى شبه الجزيرة.
https://www.youtube.com/watch?v=QubLRC_7D6M
إن التغييرات في طبيعة وهيكل تنظيم ولاية سيناء/ أنصار بيت المقدس تنشئ نافذة من الفرص لدى مصر. للمرة الأولى، يحتاج السكان المحليون إلى الدولة كي تدافع عنهم ضدّ العنف المحلي. ومن أجل استغلال هذه الفرصة، فعلى مصر أن تقوم بأكثر مما قامت به في حملتها العسكرية التي شنّتها مؤخرا. إنّ العمليات العسكرية الفعالة والمتكررة ضرورية بطبيعة الحال، ولكن على مصر أن تعمل أيضًا ضدّ رواية داعش، بشكل يمزج بين الأقوال والأفعال. يتعيّن على الرواية المضادة أن تؤكد كيف أن ولاية سيناء تعمل ضدّ مصالح السكان المحليين. كي تثبت الدولة أنّها البديل الأفضل بالنسبة لهم، على مصر أن تتعامل مع سكان المنطقة باحترام، وأن توفر لهم الخدمات وأن تصلح تعاملها معهم بعد سنوات طويلة من القمع السياسي وغياب التنمية في المنطقة. والأهم من كل شيء، على القوى الأمنية المصرية أن توفر الأمن لسكان سيناء.
بدا مؤخرا أن هناك علامات لتطورات إيجابية من قبل القاهرة. كان أحد النشاطات الذي قامت به الحكومة المصرية الجديدة، بعد أن أدّت القسم في أيلول الأخير، هو نشر بيان عن “خطة شاملة لمكافحة الإرهاب في سيناء”، تدعو إلى تقديم المساعدات الإنسانية والعلاج الطبي لسكان سيناء ووضع برنامج تعويضات “مفصّل” للسكان الذين تضرّروا أو اضطرّوا إلى المغادرة عقب النشاط الأمني لها. كما ودعت الحكومة القوى الأمنية إلى حماية السكان من خلال الارتباط بالاستخبارات الدقيقة وتجنّب العمليات التي قد تشكل خطرا على أمنهم.
https://www.youtube.com/watch?v=80YwYAft55A
الآثار المترتبة على إسرائيل
منحت إسرائيل مصر مساحة مناورة واسعة في جهود الأخيرة لمحاربة التهديد الذي يمثله الإرهاب في سيناء على كلا البلدين. إن نشر قوى الجيش المصري على طول قناة السويس يتجاوز معاهدة السلام، ولكنه تمّ بالتنسيق التام بين البلدين. فضلا عن ذلك، تجري إسرائيل مراقبة على حدودها الغربية وتنقل معلومات استخباراتية إلى مصر. وفي الوقت نفسه، يبقى السؤال إذا ما كانت مصر قادرة على القضاء أو كبح ولاية سيناء مفتوحا.
ومن جهته، يستعد الجيش الإسرائيلي لاحتمال مهاجمة التنظيم ما وراء الحدود، حيث يستهدف المواطنين الإسرائيليين في المدن أو في المواقع العسكرية، وذلك بشكل مشابه لهجماته على المواقع الأمنية المصرية. إن آفاق التحسن في عمليات الجيش المصري والسيطرة السيادية على شمال سيناء يُقدم فائدة كبيرة لإسرائيل أيضًا. ومع ذلك، ستستمر إسرائيل ومصر بالتعرّض إلى المخاطر الأمنية في المستقبل المنظور، إذا زادت السياسة المصرية، التي تخطط لإرساء الاستقرار الفوري، من التوتر في المنطقة.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي INSS