لم يُعتبر قطار إسرائيل ذات مرة أنه دقيق في مواعيده كالقطار الياباني أو السويسري، إلا أن أحداث الأيام الأخيرة تكسر أرقامًا قياسية من هذه الناحية أيضًا. أبلغ أمس صباحًا 41 سائقا أنهم مرضى وأنهم لن يحضروا إلى العمل، فيما عبّرت إدارة القطار عن غضبها “السائقون يشوشون حركة قطارات المسافرين من دون أن يعلنوا عن أي نزاع عمل في شركة قطار إسرائيل” قالت الإدارة التي أعلنت أيضا أنها تخطط لإرسال أطباء إلى منازل كافة السائقين الذين أبلغوا عن مرضهم. وأشار المتحدثون باسم القطار أن بعض السائقين الذين أبلغوا عن مرضهم، شوهدوا وهم يقضون أوقات فراغهم على الشاطئ في إيلات، وقد تمت دعوتهم للمثول أمام لجنة الانضباط.
وكانت إضرابات العاملين في القطار مشهدًا متكررًا طيلة السنوات الأخيرة. يشغل منصب وزير المواصلات في السنوات الأخيرة الوزير يسرائيل كاتس، وهو أحد أعضاء الليكود البارزين وسياسي ذو طموحات، كان قد اعتبر أن موضوع ترقية القطار في إسرائيل هو بمثابة وسيلة للحصول على تأييد جماهيري سيفيده في متابعة طريقه. ولكن لجنة عمال القطار، وهي إحدى لجان العاملين القوية والمتكتلة في الدولة، قد عارض بشكل منهجي أي إصلاحات مقترحة، ابتداء من تخصيص أجزاء من شركة القطارات وانتهاء بترقية المقطورات القديمة بمقطورات جديدة (وهي خطوة تستوجب إدخال عاملين خارجيين إلى الشركة).
في بداية الأسبوع فقط دشّن وزير المواصلات كاتس ووزير المالية لبيد بافتتاح الخط السريع إلى أشدود، وقد واجها إضرابا جديدا ومفاجئا. “الإضراب الهمجي انطلق في أعقاب نية الشركة إنجاع وتحسين منظمة ترتيبات العمل لسائقي قطارات المسافرين واعتراض السائقين على ذلك”، ادعت الإدارة. “هذه النية كانت معروفة لدى الهستدروت (التنظيم العمالي) ولدى السائقين، وحتى أنه تم إجراء نقاشات بين إدارة الشركة وبين الهستدروت وممثلية العاملين حول هذا الشأن”.
من جهة أخرى، شرح نيكا سمحوفيتش، رئيس لجنة عمال القطار، أن سبب المرض الخفي الذي أصاب السائقين هو التعب “إنهم يعملون 14 يوما من دون توقف، بين 12 وحتى 14 ساعة يوميًا، على الرغم من أن المنظومة تسجل تسع ساعات فقط. إنها لمسؤولية أن يكون الإنسان سائق قطار ونحن لا نريد أن تحدث حوادث كتلك التي حدثت في إسبانيا”.
أمرت محكمة العمل هذه الليلة الهستدروت بإصدار أوامر للسائقين للعودة إلى عملهم، ولكن 6 من بين الـ 42 أبلغوا أنهم سوف يحضرون إلى العمل اليوم. وفي المداولة التي أجرتها المحكمة هذا الصباح قررت القاضية أن على السائقين العودة إلى عملهم. غير أن الحقيقة أن عليهم الخضوع أولا للفحص من قبل طبيب، سوف تؤدي إلى استمرار التشويشات.
هناك من يرى في هذا الإضراب معركة صغيرة في حرب يشنها وزير المواصلات على رئيس الهستدروت عوفر عيني. يواجه الإثنان في الشهور الأخيرة سلسلة من النزاعات التي تشمل إضافة إلى القطار إصلاحات في الموانئ، التي يحاول الوزير إجراؤها. هذه النزاعات انتقلت إلى أمور شخصية حين هاجم عيني حقيقة أن الوزير كاتس يدعي أن فكرة الإصلاحات قد توصل إليها خلال يوم نزهة مع كلبه تشابي. “إن الإصلاحات التي يتم وضعها بناء على نزهة مع الكلب تشابي ليست إصلاحات يمكن التطرق إليها بجدية” قال عيني في حينه وتلقى إجابة هزلية من الوزير كاتس بقوله “عليك إبداء مسؤولية ودعم الإصلاحات في الموانئ، وبعد ذلك سنجلس طيلة الليل على الشاطئ لنتسامر ونضحك. إذا كان لديك كلب، أحضره. ستكون متعة لا مثيل لها”.
وعلق المسافرون بين وزارة المواصلات وعمال القطار. حتى عندما يعمل القطار بأدائه الكامل، يكون من الصعب في أمسيات أيام الخميس العثور على مقعد شاغر، إذ ينضم إلى الحركة الاعتيادية جنود كثيرون ممن يعودون إلى منازلهم في نهايات الأسبوع، وهذا يحوّل المشهد إلى مشهد نرى فيه “بساط” من الجنود يستغلون السفر للنوم على أرضية المقطورة.
وكان الوضع هذا الخميس أصعب بكثير، ففي هذا اليوم ستقدم جوقة “كافيرت” الأسطورية عرض آخر توحيد لها في متنزه اليركون تحت أنظار 50,000 متفرج، وهو عرض أضافت الشركة من أجله عددًا من القطارات، بهدف معالجة العبء المتوقع وتخفيف العبء على حركة المرور. غير أن نقص السائقين قد يؤدي إلى إلغاء تلك القطارات وإلى اختناقات مرورية حادة في منطقة دان كلها.
وقد كشف النقاب في وقت مبكر من هذا الأسبوع أن 13 عاملا من عمال القطار، ومعظمهم من عاملي الصندوق، متهمين بالتورط في اختلاس كبير يبلغ ملايين الشواقل، في إطار بيع تذاكر سفر في القطار. حسب الشبهات، فقد باع العاملون، طيلة سنوات، تذاكر للمسافرين ووضعوا ثمنها في جيوبهم. تُضاف هذه الشبهة إلى فضيحة أخرى منذ بداية السنة حيث اشتُبه بكافة العاملين في قسم مراقبة التنظيف، ويبلغ عددهم تسعة عاملين، باختلاس من أموال المؤسسة، أو غض النظر عن اختلاسات وعدم تبليغ المسؤولين.
هذه ضربة أخرى لصورة عاملي القطار بين أوساط جمهور المسافرين الإسرائيليين، الذين لم يسرّهم أن يكتشفوا في شهر حزيران أن حتى عاملي القطار لا يسافرون فيه على ما يبدو. وقد كشفت إدارة القطار أن العاملين قد استخدموا هذه السنة سيارات أجرة بمبلغ 22 مليون شيكل (أكثر من 6 ملايين دولار)، وهو مبلغ مرتفع بشكل خاص إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحملة الإعلامية التي أطلقها القطار قد ارتكز على أفضلياته مقابل السفر بسيارات الأجرة.