لقد فكرتُ كثيرا في إجراء محادثة مع رجال دين إسرائيليين حول الله، الإلهة، ومكانة الدين في المجتمَع الإسرائيلي في العصر الحديث.
تهدف الفكرة إلى عرض 10 أسئلة شبيهة أمام ثلاثة رجال دين ومحاولة الإجابة بواسطتها عن أسئلة كثيرة، تقلق البشر.
هل المجتمَع الإسرائيلي: اليهودي، المسيحي، والإسلامي متدين أكثر؟ لماذا يلجأ المؤمنون إلى الدين لتلقي نصائح لحياة أفضل مع شريك أو شريكة الحياة، العائلة، والتعامل مع الآخرين؟ هل هناك أهمية خاصة بالإيمان الديني في العصر الحديث؟ هل هناك المزيد من الأشخاص الذين يؤدون الصلاة، يسعون إلى الطهارة، والحفاظ على الوصايا؟ هل يُعتبر الإنسان الذي لا يعمل بموجب الوصايا، أو يصلي بشكل ثابت، مؤمنا؟
تعرض لكم سلسلة المقالات التالية، قراءنا الأعزاء، وجهة نظر ممثلي الديانات التوحيدية الثلاث الأكبر في الأراضي المقدّسة، وفق ظهور هذه الديانات في التاريخ البشري: اليهودية، المسيحية، والإسلام.
الشيخ شريف محمد، 50 عاما، من حي الكبابير في حيفا. متزوج منذ 23 عاما، ولديه 4 أولاد، ابنان وبنتان.
رجال دين آخرون يتحدثون عن الله:
الأب ناصر قسطنطين من يافا
الحاخام دافيد ستاف من بلدة شوهام
“الإيمان لا يعني مجرد الاعتقاد بفكرة أن هنالك إله، بل هو تجربة وعلاقة حية مع هذا الإله”
1.هل أمنت بالله دائمًا؟
“نعم، بفضل الله تعالى، وأزداد إيمانا في كل يوم. الإيمان لا يعني مجرد الاعتقاد بفكرة أن هنالك إله، بل هو تجربة وعلاقة حية مع هذا الإله من خلال استجابة الدعاء والتجارب الروحانية المتنوعة التي تترك واقعا ماديا ملموسا وليس مجرد أوهام. والواقع أن الدين الذي لا ينشئ هذه العلاقة مع الله تعالى، لا يمكن أن يكون دينا حقا”.
2.هل يمكن أن يؤمن الإنسان بالله دون أن يكون متديّنا؟
“بذرة الإيمان بالله مغروسة في فطرة الإنسان، بل إن الذين يعلنون أنفسهم ملحدين لا يمكن أن يتجردوا من هذه البذرة أو يطمسوها مهما أصروا على ذلك. وما نقصده بهذه البذرة هو إقرار النفس الإنسانية عميقا بوجود الخالق والرغبة في التواصل معه واللجوء إليه وخاصة عند الشدائد والأزمات. والواقع أن القطاع الأوسع من الملحدين الذين يسمون أنفسهم “أغنوستك”، يقرون بوجود إله ولكنهم لا يعرفون حقيقته، ويرون أن الإنسان يمكن أن يعيش بمنأى عنه، ويدعون أنهم لا يهتمون بإنشاء علاقة معه. باختصار، إذا كان المقصود بالإيمان مجرد الإقرار بوجود الإله فيمكن القول إنه ليس هنالك إنسان لا يؤمن حقيقة بهذا الإله حتى لو نفى مكابرا. ولكن دون إنشاء العلاقة مع الله من خلال دين يؤدي إلى إنشاء هذه العلاقة، يجعل هذا الإيمان بلا فائدة”.
3.ما الذي يُميز اليهودية، المسيحية، والإسلام عن الديانات الأخرى وفق اعتقادك؟
“من الخطأ الظن أن الأديان السماوية هي فقط اليهودية والمسيحية والإسلام، فالإسلام يقر بأنه ما من أمة ولا قوم في زمن من الأزمان إلا وبعث الله تعالى فيهم الأنبياء. فأصل الأديان الباقية إلى يومنا هذا سماوي بلا شك، ولكنها تحرفت مع الزمن. أما إذا كان المقصود العناصر المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية فهو ربما الاشتراك في الأصل الإبراهيمي، ولكن على صعيد المعتقدات الأساسية في الله وكذلك في جوانب متعددة من الشريعة نجد أن اليهودية أقرب إلى الإسلام من المسيحية، كما تقترب المسيحية في فكرة الإله مع بعض الأديان الأخرى كالبوذية والهندوسية. أما فيما يتعلق بالسماحة والدعوة إلى العفو والصفح فإن المسيحية أقرب إلى الإسلام من هذه الناحية. ولكن الإسلام في رأينا يتفوق على الأديان كلها في تقديم الصورة الحقيقية المتكاملة السامية للإله، وليس هذا فحسب، بل يقدم طريقا للتعرف عليه وإنشاء العلاقة معه وتلمس آثاره الواضحة المؤكدة في حياتنا. وبالطبع هنا أنا أتحدث الإسلام الحقيقي الذي ندعي أننا ننتمي إليه والمتمثل في الجماعة الإسلامية الأحمدية التي نعتقد بأنها النشأة الثانية للإسلام التي عاد فيها نقيا خالصا كما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك على يد خادمه المخلص الذي هو المسيح المحمدي الموعود والمهدي، وذلك وفقا للأنباء العديدة التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية”.
4.هل تعتقد أن الله يستجيب للصلوات؟ ماذا تقترح على الإنسان الذي يصلي للمرة الأولى في حياته؟
“بالطبع، الله تعالى يعلن عن نفسه وينادي إن الذي يبحث عني ويدعوني فإنه سيجدني في قوله:
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر 61)
بل ويقول الله تعالى في القرآن الكريم أن الإنسان مهما كان معتقده لو دعاني مضطرا وتوجه إلي بصدق كامل فإنني سأستجيب دعاءه، ويقدم هذا الأمر دليلا على وجوده، إذ يقول تعالى:
{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (النمل 63).
ويبين الله أن الفطرة الإنسانية سوف تدعو الله تعالى عندما تحيط بها الأزمات وستترك الآلهة الباطلة، وأن الله عندها سيستجيب أيضا للمضطر الداعي في هذه الحالة:
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} (الإسراء 68).
ولكن لا بد من الإخلاص في العبادة، والتي لا تعني مجرد الطقوس، بل المقصود أن يتخلق الإنسان بصفات الله وأخلاقه الحسنة القائمة على الرحمة والصدق والرغبة في خدمة بني البشر الذين هم أشبه بخلق الله وعياله. عند ذلك يمكن أن يجد العابد، الله تعالى. فالله تعالى لا يريد منا الطقوس الفارغة، بل يريد منا أن نعرف صفاته الحسنة ونتمثلها ونعكسها على البشر في تعاملنا، وعند ذلك سيحبنا وسيقترب منا ويجب دعواتنا.
“ليس الدين هو سبب الحروب، بل أصحاب المصالح الضيقة الذين يستغلون الدين، أبشع استغلال لتحقيق مصالحهم”
الذي يريد أن يصلي للمرة الأولى عليه أن يضع في حسبانه صفات الله تعالى ويرغب من كل قلبه في مواساة الإنسانية وخدمتها ثم يقوم بالطقوس والصلوات معتقدا اعتقادا جازما بأن الله يسمع كلامه ودعواته، وعند ذلك سيجد أن الله تعالى يقترب منه ويعرفه على نفسه ويجيب أدعيته ويمتعه بالسعادة في هذه الدنيا ثم يرى هذه السعادة أضعافا مضاعفة بعد الموت”.
5.هل تعتقد أن هناك شيئا سلبيا في الدين؟ أم أن هناك أمورا إيجابية فقط؟
“الدين المنحرف عن التعاليم الإلهية الحقيقية، والذي ليس فيه مواساة بني البشر، والذي يركز على مصلحة فئة بعينها لا شك أنه خطير للغاية ويكون سببا للاضطراب وزعزعة الأمن في العالم. لذلك يجب على أتباع الأديان جميعا أن يرفضوا أية تعاليم تخلو من الإنسانية وتدفع إلى التعصب وظلم الإنسان لأخية الإنسان. والواقع أن أتباع هذا الدين المنحرف يكون أكثر الناس تضررا ولو في النهاية من هذه التعاليم.
أما الأمور الإيجابية في الأديان عموما فهي الأمور المشتركة التي تحض على الفضيلة والإنصاف والإنسانية والمواساة، وبقدر ما تتوفر هذه التعاليم في دين وتطبق فهي تكون ذات فائدة لأتباع هذا الدين وللعالم”.
6.ماذا تقول لمن يدعي أن بسبب الدين فقط، هناك الكثير من الحروب في العالم ؟
“ليس الدين هو سبب الحروب، بل أصحاب المصالح الضيقة الذين يستغلون الدين، أبشع استغلال لتحقيق مصالحهم، وبهذا يسيئون إلى الدين ويساهمون أيضا في إفساد تعاليمه.
هنالك كثير من الحروب والصراعات التي نشأت في العالم كالحربين العالميتين مثلا، لم يكن الدين هو الدافع وراءها بل الطمع والجشع والتعالي واعتقاد فئات بأنها تتمتع بأفضلية على غيرها.
الدين هو ضحية النزاعات والحروب. ولكن بلا شك فإن التعاليم المحرفة كما قلت سابقا، تؤدي إلى زعزعة الأمن وإنشاء الصراعات، ولكن الدين ليس العامل الأهم أو الأول في الحروب في العالم”.
“يجب على الأديان أن ترجع جميعها إلى الأصل وتتعاون فيه على البر والتقوى وخدمة بني البشر ونبذ التطرف والعنف والعنصرية واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان”
7.هل الجيل الشاب قريب أو بعيد عن الله والدين؟
“الشباب إجمالا يميلون إلى الابتعاد عن الدين نتيجة انتشار وسائل الفساد الرذيلة وتحوِّلها إلى تجارة بصورة غير مسبوقة، هذا إضافة إلى فقدان الشباب إلى الأسوة الحسنة والمثال الصالح من الكبار وبخاصة المتدينين. لذلك لا بد أن يكافح رجال الدين مع المؤسسات المختلفة لوضع حد لهذه الرذيلة والفساد وإيقاف استغلالها لجيل الشباب، كما أن من واجبهم أن يقدموا الأسوة الحسنة لشبابهم.
والواقع إنني أرى نماذج من الشباب يتحلون بحماس كبير للدين ولخدمة الإنسانية وللتقدم في الأخلاق والروحانية ومعرفة الله تعالى، ولدي في جماعتي نماذج ممتازة منهم بفضل الله تعالى”.
8.ما المشترك بين المسيحية، اليهودية، الإسلام، والديانات الأخرى؟
“يفترض أن نتفق على قاسم مشترك ويقوم كل دين بسنده والتأصيل له، وهذا القاسم المشترك ينبغي أن يكون الإنسانية ومواساة بني البشر الذي هو أصل كل الأديان في الحقيقة. يجب على الأديان أن ترجع جميعها إلى هذا الأصل وتتعاون فيه على البر والتقوى وخدمة بني البشر ونبذ التطرف والعنف والعنصرية واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان”.
9.ما هي الضائقة البارزة بشكل خاص لدى الناس أيامنا هذه؟
“الإنسان مخلوق لكي يعرف خالقه ويتمثل صفاته ولكي يكون إنسانا مواسيا محبا لبني جنسه عاملا لخيرهم ولنفعهم، وبقدر ما ابتعد الناس عن هذه الغاية من خلقهم فهم في ضائقة وشدائد هي التي تقود إلى الويلات والمصائب والكوارث التي يسببها البشر لأنفسهم. فالضائقة الحقيقية هي ابتعاد البشر عن الغاية من خلقهم وتركيزهم على مصالحهم الضيقة ورغبتهم في تحقيقها على حساب إخوانهم في الإنسانية”.
10.هل الإنسان صالح في طبيعته؟
“بذرة الصلاح وبذرة الفساد موجودة في الإنسان، فهو يتمتع بنفس لوامة تأمره بالخير وتلومه على ارتكاب الشر وهي ما يُعبَّر عنه بالضمير أحيانا، وهنالك نفس أمَّارة تأمره بالسيئات وتريد أن تدفعه نحوها.
والواقع أن هذه التركيبة إجمالا هي تركيبة صالحة في النهاية، ولكن الواجب على الإنسان أن يبذل جهده لتغليب نفسه اللوامة على نفسه الأمارة، لأن النفس الأمارة إنما وجدت في الأصل لكي تحافظ على حياة الإنسان وكيانه المادي وتحقيق مصالحه، ولكنها إذا جاوزت حد الاعتدال أصبحت تنتج الشر. أما النفس اللوامة فهي التي تدفع إلى الأخلاق الفاضلة والإيثار والشعور بالآخرين. فحتى النفس الأمارة في أصلها ليست شيئا سيئا فيما لو تم توظيفها في نطاقها الصحيح ولم تستولِ على الإنسان وتدفعه إلى الطمع والجشع والظلم وتجاوز الحدود.
ما نعتقده في الإسلام هو أن الإنسان لو غلَّب نفسه اللوامة التي تدفع إلى الأخلاق على نفسه الأمارة وحاز الإنسان الاعتدال المطلوب في تحقيق حياته ومصالحه فإنه سيصل إلى حالة فطرية سامية يصبح الخير فيها تلقائيا وشبيها بالخير التي تقوم به الأم لأبنائها ولا تريد منهم جزاء ولا شكورا. وهذه هي الحالة الروحانية التي تربط الإنسان بالله وتجعله إنسانا صالحا ساميا على صلة بخالقه، وهي في الواقع لا تنشأ إلا بعد المجاهدات وبمعونة الخالق وحده وبفضله.
الإنسان خُلق ليكون صالحا، والصلاح جزء من فطرته الأساسية، وإذا تقدم في مجاهدة نفسه وتوطيدها على الخير فإنه سيكون متفوقا على الملائكة التي ليس لديها خيار في الخير بينما يملك الإنسان هذا الخيار.
والواقع لو نظرنا إلى الطبيعة البشرية فسنجد أن الخير لا يُنزع حتى من أعتى الناس إجراما، إذ نجد أن الإنسان في كل الأحوال يُظهر الخير مع عائلته ومع أقاربه أو مع قومه ويكون مستعدا أيضا للتضحية من أجلهم أيضا. فمن الخطأ الظن أن الإنسان مخلوق فاسد شرير الطبيعة، وأن إصلاحه مستحيل. فهذا يخالف الواقع بشدة”.