تسنى لي، في الأسابيع الأخيرة، التحدث مع عدد من السياسيين والعسكريين في إسرائيل بخصوص سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتحديدًا سوريا. تطرقت الأسئلة عادة إلى سياسة إدارة أوباما، ولكن سرعان ما انتقلت إلى التحري عن هوية الرئيس/ة القادم/ة وعن موقفه/ها تجاه الحرب الأهلية في سوريا. أعتقد أنه من الصعب توقع ماذا ستكون سياسة دونالد ترامب بالنسبة لسوريا (أو أي موضوع آخر)، بينما ربما يبدو الأمر فيما يخص هيلاري كلينتون واضحًا أكثر.
حاولت كلينتون بصفتها وزيرة الخارجية أن تُقنع الرئيس أوباما بتعزيز دعم الثوار السوريين من خلال تزويدهم بالسلاح وتدريبهم، وكانت قد صرّحت، كمرشحة للرئاسة، أكثر من مرة أنها ستُعزز دعمها للثوار. عبّرت كلينتون حتى، في واحدة من المواجهات بينها وبين ساندرس في شهر نيسان الأخير، عن دعمها لفرض منطقة حظر طيران ومناطق آمنة (Safe-Zones) في سوريا لمساعدة كل الذين يرغبون في الهرب من الحرب.
أما ميشيل فلورنوي، التي تُعتبر مرشحة من قبل كلينتون لشغل منصب وزيرة الدفاع، فلديها استراتيجية مُفصّلة فيما يخص المسألة السورية. شغلت فلورنوي منصب نائب وزير الدفاع للشؤون السياسية وتشغل اليوم منصب مديرة معهد أبحاث رائد في واشنطن. دأبت، في هذا الإطار، على نشر مقالات تتعلق بالسياسات الخارجية والأمنية للولايات المتحدة. تجلب فلورنوي، على الرغم من أن هذه السياسة هي عبارة عن دمج بين العديد من السياسات والمواقف للعديد من الجهات الحكومية، والتي وزارة الدفاع واحدة منها، سنوات كثيرة من الخبرة في المؤسسة الأمنية وهي شخصية تُقدّرها هيلاري كلينتون كثيرًا وتحترمها.
نشر معهد الأبحاث الذي تُديره فلورنوي قبل نحو شهر تقريرًا شاملاً يتعلق بسياسة الولايات المتحدة ضد داعش، استمرارًا لورشات عمل عُقدت في المعهد تتعلق بالحرب في العراق وسوريا. طالب التقرير بتقديم دعم كبير للمعارضة السورية، يتضمن دعمًا بالسلاح، تدريبًا وحتى الدفاع عنهم ضد الهجمات التي يشنها الجيش السوري والروسي في حالات مُعينة، وعلى الأغلب استخدام القوة ضد نظام بشار الأسد.
طالب مُعدو التقرير الولايات المتحدة بزيادة الدعم في “الجبهة الجنوبية” في سوريا وحمايتها من الغارات السورية والروسية. تضم هذه الجبهة تحالفًا لأربعين فصيلاً في جنوب سوريا، من بين الفصائل التي تُعتبر مُعتدلة نسبيًا. تدير الولايات المتحدة الأمريكية والأردن هذه الجبهة من خلال غرفة عمليات في عمان، وكان يقاتل أفرادها ضد نظام بشار الأسد قبل دخول مرحلة وقف إطلاق النار. تُركّز هذه الجبهة نشاطها في الأشهر الأخيرة على قتال تنظيم يُسمى “شهداء اليرموك”، المُقرّب من داعش ويعمل على حدود الجولان والأردن.
تهدف توصيات مُعدي التقرير إلى فرض “منطقة من دون قصف” في جنوب سوريا لتوجيه ضربات أمريكية ضد أهداف للجيش السوري في حال تم شن غارات سورية وروسية جوية ضد قوات المعارضة. وفي حال أن تلك الهجمات لم تردع سوريا وروسيا كانت التوصية بأن يتم تزويد قوات المعارضة في جنوب سوريا بـ “سلاح يكسر التعادل”: صورايخ مضادة للطيران.
لا يتم وضع السياسة الخارجية مُسبقًا، بالطبع، ولا سيّما أن الأحداث تتسارع على الساحة السورية بشكل سريع جدًا. إلا أنه في حال قررت كلينتون، كرئيسة، وفلورنوي، كوزيرة للدفاع، تطبيق السياسة المذكورة أعلاه، ستكون المعادلة فيما يخص إسرائيل مُختلطة. يمكن، إيجابيًّا، أن يؤثر تعزيز دعم الولايات المتحدة لـ “الجبهة الجنوبية” في تغيير ميزان القوى في جنوب سوريا وأن يُضعف النظام السوري ومؤيديه، إيران وحزب الله، من جهة، وتنظيمات جهادية من التنظيمات التابعة للقاعدة وداعش من جهة أخرى. سيمنح وجود ائتلاف قوي في جنوب سوريا من المعارضين المُعتدلين، الذين يتبعون للولايات المتحدة والأردن، قدرة معيّنة لإسرائيل على التأثير في رسم الواقع على حدودها مع سوريا.
في المقابل، تكمن سلبيات تلك الخطوة في أن التواجد الكبير للولايات المتحدة في جنوب سوريا من شأنه أن يزيد من التوتر بين الولايات المتحدة، روسيا وسوريا، الأمر الذي قد يؤدي إلى التصعيد. قد يُحاول النظام السوري أو واحدة من الميليشيات الشيعية التابعة له، وفي رد على أي هجوم أمريكي، مهاجمة أهداف إسرائيلية. وفي حال زودت الولايات المتحدة المعارضة بصواريخ مضادة للطائرات سيكون هذا سببًا آخر يدعو إسرائيل للقلق مُستقبلاً على الأقل.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى على موقع منتدى التفكير الإقليمي