لن ينسى جنازة ياسر عرفات في رام الله، كل من شارك فيها. فهي كانت حاشدة وكادت تخرج عن السيطرة. بعد حصار طويل في المقاطعة ومرض عرفات السريع والغريب، كان يبدو أن هذه الأحداث والصدمة أدت إلى مشاعر خرجت عن السيطرة لدى الكثيرين. لكن الجنازة المهيبة لم تبشر بالسنوات الهادئة والمستقرة التي تلت ذلك. يبدو أن الجماهير في الضفة الغربية، التي دخلت حالة من دوامة العنف والحرب فى السنوات الأخيرة من عهد عرفات، أرادت العودة الى الحياة الطبيعية فقط.
بعد 13 عاما على وفاته، أصبح عرفات يتصدر مرة أخرى العناوين الرئيسية، بعد أن خرج من الوعي الوطني والإقليمي. كانت مراسم الذكرى السنوية على وفاته هذا العام أكبر بكثير مما شهدته في السنوات السابقة، وخاصة في غزة. ماذا يمكن أن نتعلّم من هذه الحقيقة؟
1. إن الإحساس بالتحرر بين نشطاء فتح في غزة بعد المصالحة مع حماس كبير جدا – للمرة الأولى منذ سنوات خرج النشطاء إلى الشوارع في مظاهرة سياسية مثيرة للإعجاب شارك فيها عشرات الآلاف. تعتبر المنافسة، وفق قوانين الرأسمالية، أمرا إيجابيا، لأن الصراع بين مؤيدي عباس ومؤيدي دحلان، الذين أجرى كل منهم مسيرة منفصلة في يوم مختلف، أدى إلى أن كلا الجانبين حاولا تجنيد أكبر عدد من المؤيدين قدر المستطاع..
2. أصبحت حماس في غزة ضعيفة – صحيح أن قيادة حماس سمحت بإجراء نشاطات لذكرى عرفات، حتى أن بعض أعضائها شاركوا في هذه الأحداث (في إحدى المظاهرات، عُلِقت صورة ضخمة للشيخ أحمد ياسين، إلى جانب صورة عرفات)، لكن عرفات لم يكن رمزا للشعب الفلسطيني كله، بل كان أولا وقبل كل شيء زعيما أسطوريا لحركة فتح. وخلال المحادثات حول الوحدة، أصر أبو مازن موضحا أن على حماس أن تسمح لحركة فتح بأن تكون حاضرة في المجال العام، وأن تطئ قدمها في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس.
3. شعور الفراغ القيادي – على الرغم من أنني أعتقد أنه لو أجري استطلاع وطُرِح سؤال على سكان الضفة الغربية عما إذا كانوا قد يشتاقون إلى عهد عرفات – فإن الغالبية العظمى كانت ستجيب سلبا. مع ذلك، كلما ازدادت النزاعات حول الخلافة في اليوم التالي لأبو مازن، أصبح من الواضح أن اليوم ليس هناك أي أحد في قيادة فتح يتمتع بالصفات القيادية ذاتها. بالمناسبة، هذه حالة طبيعية، وتنطبق على إسرائيل أيضا- بعد غياب شخصية تاريخية مثل بن غوريون، الذي كان أول رئيس حكومة إسرائيلي وأقام الدولة في الواقع، ظهر عدد من القادة “المدنيين” الذين كانوا أقل أهمية وقوة مقارنة به.
4. الحنين إلى الماضي – في عالم تم فيه دفع القضية الفلسطينية إلى الزاوية، وفي ظل الكوارث المستمرة في الشرق الأوسط، أعرب العديد من الفلسطينيين عن التوق إلى الأيام الأبسط التي تصدرت قضيتهم فيها نشرات الأخبار في البلاد والعالم. ويمكن رؤية ذلك في شبكات التواصل الاجتماعي حيث رفع المستخدمون صور قديمة لعرفات من الستينيات، السبعينيات، والثمانينات.