لماذا قرّرت إسرائيل سحب قواتها من قطاع غزة وإعادة نشرها؟ نشر رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، اللواء الاحتياطي عاموس يدلين، اليوم (الإثنين) مقالا وصف فيه التغيير الاستراتيجي الكبير الذي نفّذته إسرائيل، حسب تعبيره، في نهاية الأسبوع ضدّ حماس في غزة، ويشرح لماذا كان هذا هو الحل الممكن الأفضل بالنسبة لإسرائيل في الوضع الراهن.
إنّ قرار السعي نحو وقف إطلاق النار من جانب واحد، سواء تم التوصل إليه باتفاق أو بخلاف ذلك من خلال تعميق القتال، كما يشرح يدلين، هو القرار الوحيد الذي يضع إسرائيل قُدمًا أمام حماس، ويخرج التنظيم الإرهابي واضعًا يده في القاع، ليس مهمّا ماذا سيختار أن يقوم به “فيما وراء إشكالية الاتفاق مع تنظيم إرهابي والدروس الإشكالية المستمدّة من تعزّز قوة حماس تحت أوضاع التسوية في الماضي”، كما كتب يدلين، وأضاف: “يبدو أنّه لا يمكن تحقيق تسوية جيدة/معقولة في ظروف استراتيجية تشعر فيها حماس أنّها خرجت من المعركة مع “قصة انتصار”.
حسب تعبيره، بالانتهاك الواضح لوقف إطلاق النار من قبل حماس يوم الجمعة الأخير، بإرسال إرهابي انتحاري ومحاولة اختطاف الجندي، سمحت حماس لإسرائيل بتغيير توجّهها الاستراتيجي واختيار بديل الذي هو على الأقل على المدى القصير يضع حماس في وضع استراتيجي صعب. عادت إسرائيل وفازت بالشرعية الدولية لعمليّتها، وعُرضت حماس مجدّدًا كتنظيم إرهابي غير موثوق، والذي ينتهك للمرّة السادسة وقف إطلاق النار الذي بادر إليه المجتمع الدولي وقبلته إسرائيل.
في الوضع الجديد الذي نشأ، كما يقول يدلين، تقول إسرائيل لحماس أربعة مقولات، والتي تعرض أمامها الوضع الاستراتيجي الجديد:
أ. جميع المطالبات التي خرجتم للمعركة من أجل تحقيقها ليست على جدول الأعمال بعد. بقيتم دون رفع الحصار، دون مطار وميناء، دون رواتب، دون إطلاق سراح الأسرى ودون إعادة إعمار غزة. حالتكم اليوم أسوأ بكثير مما كانت عليه عشية المعركة.
ب. بقيتم مع غزة مدمّرة، أزمة إنسانية، مئات كثيرة من القتلى، آلاف الجرحى وربع مليون لاجئ. أنتم مسؤولون عن “تسونامي الذي ضرب غزة” ولا تملكون أدوات مواجهته. سوف يحاسبكم الشعب في غزة، الذي وعدتموه بتحقيق إنجازات في الحرب، لأنه ليس بوسعكم توفيرها له دون تسوية.
ج. إذا استمريتم بإطلاق النار فإن إسرائيل تملك القوة المفضّلة وبكثير؛ وستستمرّ بضربكم، وهذه المرة ليس بضرب معسكرات التدريب الفارغة وإنما بهجمات مؤلمة على الأهداف الأهم لحماس. ستستمر قيادة حماس السياسية والعسكرية في العيش بالمخابئ تحت الأرض وستجد صعوبة في بثّ مزاعم ذات مصداقية حول انتصارات كاذبة.
د. بخلاف الجولات السابقة فإنّ إسرائيل ومصر تضمنان عدم قدرة حماس على النموّ وبناء قوّتها العسكرية من جديد.
ستدار المرحلة القادمة وفق الاستراتيجية التي ستختارها حماس. إذا اختارت الانضمام إلى وقف إطلاق النار من جانب واحد (بشكل مشابه لما حدث في “الرصاص المصبوب”)، ستحاول الحركة تعزيز التسوية لتخفيف الحصار المفروض على القطاع، وستحظى إسرائيل بالهدوء الذي سعت إلى تحقيقه. ستُدرس سائر الأهداف حول تعزيز الردع وإضعاف حماس؛ فقط مع مرور الوقت. من ناحية أخرى، إذا اختارت حماس الاستمرار بإطلاق النار على إسرائيل بشكل مكثّف، فسيتحدّى الأمر حكومة إسرائيل ويجبرها – في حالة عدم كفاية القصف الجوّي – على إعادة النظر في خيار تعميق العملية. “قد تكون خطوة التعميق الكبير في هذه الحالة أكثر تخطيطا، أكثر مفاجأة، دون “الأهمية” التي كانت لمهمّة الأنفاق، وستستند على دروس التحقيق في الأسابيع الثلاثة الأولى من العملية”. هكذا يقدّر يدلين.
في النهاية يلخّص: “تفتح هذه الخطوة من جانب واحد لإسرائيل مجموعة واسعة من الخيارات. قد تستمرّ في ضرب حماس وإضعافها، وتعطي فرصة لوقف إطلاق النار وإقامة تهدئة مستمرّة، وتتيح صياغة تعاون دولي وإقليمي لمعالجة ملفّ غزة وتمكّن أيضًا من الوصول إلى تفاهمات وتسوية بواسطة المصريين مع السلطة وحماس… تشكل خطوة من جانب واحد كهذه بديلا أفضل من “التسوية السيّئة” التي تسعى حماس إليها في هذا الوقت”.