بعد غياب دامَ أكثر من عام عن وزارة الخارجية، سيعود ليبرمان إليها بعد تبرئته، ويُضطرَ إلى مواجهة تحديات ليست بالبسيطة، منها الوضع المتدهور مع تركيا، قرارات الاتحاد الأوروبي، وغيرها
انتهت المحاكمة الجنائية لوزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان اليوم في القدس بتبرئة تامّة، ما يعني أنّ ليبرمان سيعود فورًا إلى وزارة الخارجية، المنصب الذي كان وديعة لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الشهور العشرة الأخيرة.
خارج قاعة المحكمة، بدا وجه ليبرمان مُشرقًا كمن تجنّب مصيبة، وقال للمراسلين هناك: “سنوات طويلة من التحقيقات انتهت. أصبح هذا خلف ظهري. أشكر عائلتي والأصدقاء الكثيرين الذين اتصلوا بي في الأيام الماضية لتشجيعي”.
وانهالت التهانئ على ليبرمان فورًا من جميع رؤساء الأحزاب، عدا زعيمة المعارضة شيلي يحيموفيتش، التي دعت المستشار القضائي للحكومة إلى تقديم طعن في التبرئة. وسواءٌ قُدِّم الطعن أم لا، فإنّ ليبرمان سيعود إلى مكانته السابقة: وجه إسرائيل في العالم. وسيكون مثيرًا للاهتمام مراقبة كيف ستستقبله الدبلوماسية الأمريكية برئاسة وزير الخارجية جون كيري. وللتذكير، فإنّ هيلاري كلينتون، طيلة سنواتها كوزيرة للخارجية، تعاملت بلامبالاة مع ليبرمان، تجنبت اللقاء به، وفقط قُبَيل نهاية ولايتها، أجرت معه لقاءَ مجاملة ثانيًا وأخيرًا.
وسارع اليمين الإسرائيلي إلى تقديم التهانئ والتشديد على أنّ عودة ليبرمان إلى منصب بارز “بشارة هامّة للمعسكر القومي”. وقال المتحدث بلسان وزير الاقتصاد نفتالي بينيت إنّ الحسم “سيُعزّز معسكر الأولياء لإسرائيل وغير المُساومين على مصالح إسرائيل في العالم”. أمّا من اليسار السياسي، ممثَّلًا بميرتس، فوصلت رسالة مُفاجئة. فقد قالت زهافا غلؤون، التي تدعم غالبًا الجهاز القضائي وسلطة القانون، إنه يجِب احترام قرار المحكمة، ولكن التحقُّق من سلوك المستشار القضائي للحكومة، فينشتاين.
وليست مهمّة ليبرمان، بعد غياب استمرّ أكثر من عام عن وزارة الخارجية، بسيطة. فمنذ البداية، ومن الولاية السابقة، كان ليبرمان شخصيّة غير محبَّبة في عواصم أوروبا الغربية وأميركا الشمالية. فقد ركّز على تحسين العلاقات مع دُوَل أوروبا الشرقية، أمريكا الجنوبية، وإفريقيا. لكن حتى تحسين تلك العلاقات في الظاهر لم يخُدم المصالح الإسرائيلية، إذ وقفت روسيا ضدّ الموقفَين الإسرائيلي والأمريكي في قرارات مجلس الأمن الخاصّة بإيران وسوريا. كذلك لم تستفِد إسرائيل في المحافل الدولية من تحسُّن علاقاتها بدول أمريكا الجنوبية أو إفريقيا، إذ أصبحت تصريحات الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف أقوى ضدّ إسرائيل.
بالمقابل، تدهورت العلاقات بين إسرائيل وتركيا. وقد كانت مساهمة ليبرمان كوزير للخارجية، ونائبه حينذاك وعدوّه لاحقًا داني أيالون، حاسمة في انهيار العلاقات في الفترة الماضية. لكن حين جرى الكشف مؤخرا عن لقاءات بين مُشغَّلين من الموساد وعملاء إيرانيين على الأراضي التركية، وعن أنّ تركيا نقلت معلومات بهذا الصدد إلى إيران، ردّ ليبرمان، الذي لم يكن وزيرًا للخارجية، بطريقة عنيفة حول العلاقات بين البلدَين، ما يشير إلى أنّ وزارة الخارجية قد تقود العلاقات إلى تدهوُر إضافيّ بعد عودته للمنصب.
وخلال عام غيابه عن وزارة الخارجية، اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارًا أنّ الاتفاقات بين الاتحاد وإسرائيل (دعم الأبحاث، المِنَح، وتمويل المبادرات المشترَكة) لن يسري مفعولها في المستوطنات، بحيث ستُضطرّ إسرائيل إلى الإعلان في الاتفاقات الرسمية أن لا شركاء بحث من الأراضي المحتلة، كجامعة أريئيل وغيرها. ويحمل القرار الأوروبي معاني خطيرة بالنسبة لإسرائيل، سواء من حيث التهديد الاقتصادي، آثاره في المجتمع الدولي، أو من الناحية الأخلاقيّة الداخليّة. وتتطلب معالجة هذا الموضوع رقةً، دبلوماسيّة ناعمة، وعلاقات مركبّة، مع أذن حسّاسة لأرقّ الإشارات. يُشكّ في أن يكون ليبرمان يمتلك أصلًا هذه الصفات. مع ذلك، سيكون عليه أن يبدأ بالاهتمام بعُمق بمشاكل من هذا النوع تواجهها إسرائيل.
على هامش القرارات السياسية، سيُضطَرّ رئيس الحكومة إلى تعيين رئيس للجنة الخارجية والأمن خليفةً لليبرمان. ويُعدّ المنصب مهمًّا وحسّاسًا بصورة خاصة، رغم أنه غير معروف للشعب. ويُفترَض أنّ رئيس الحكومة يفضّل تعيين تساحي هنغبي، الذي شغل هذا المنصب في الماضي (حتّى أُدين هو نفسُه واضطُرّ إلى المغادرة). لكنّ ثمةَ آخرين في الليكود يطالبون بالمنصب، بينهم النائب أوفير أكونيس، النائب ياريف ليفين، والنائب ميري ريغف.