الأزمة في شبه جزيرة القرم تعيد تكريس فلاديمير بوتين أقوى رجل في العالم حاليًّا؛ فكيف سيؤثّر الشأن الأوكراني في تدخُّله في الشرق الأوسط؟
منذ أواخر شهر تشرين الأول الماضي، توّجت مجلة “فوربس” فلاديمير بوتين، لا باراك أوباما، “أقوى رجل في العالم”. ففيما وقف الرئيس الأمريكي في العام الماضي عاجزًا أمام تعطيل الإدارة الأمريكية، أزمة تسريبات وكالة الأمن القومي (NSA)، والحرب الأهلية السورية، كان الرئيس الروسي يزيد من قوّته.
مثّلت المعركة على سورية، التي انتهت دون طلقة أمريكية واحدة، أكثر من أيّ شيء آخر، قوّة بوتين في السنة الماضية. فقد بدا بوتين هو الرجل الذي كبح بيده جماح الهجوم الأمريكي، ونجح في إنقاذ نظام الأسد مقابل التضحية بالسلاح الكيميائي. وحدث ذلك رغم أنّ روسيا أنكرت طوال الوقت أنّ نظام الأسد استخدم هذا السلاح، وقالت إنّ مَن فعل ذلك كان المعارضة السورية.
الآن، بعد نصف عام على وقف الهجوم على الأسد، بدأ بوتين بعرض عضلاته الخاصّة في شبه جزيرة القرم. ويعتقد محلِّلون عديدون أنّ خطوات بوتين مع أوكرانيا لم تكن ممكنة لولا انحلال الإدارة الأمريكية برئاسة أوباما ونعومتها.
في إسرائيل مثلًا، نظروا بعين القلق إلى الضمانات الأمنية التي منحتها الولايات المتحدة لأوكرانيا عام 1994، حين التزمت الولايات المتحدة بضمان سلامة أراضي أوكرانيا أمنيًّا. تساءل الإسرائيليون: ماذا سيجري إذا اضطُرّت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الإيفاء بالتزاماتها الأمنية لإسرائيل على الأرض؟ هل تكون نهاية الضمانات الأمريكية لإسرائيل مثل الضمانات التي أُعطيت لأوكرانيا؟ سارع اليمين الإسرائيلي إلى استخلاص العبَر: كما وقفت الولايات المتحدة عاجزة أمام عدوانية بوتين في أوكرانيا، هكذا يُتوقَّع أن تتخلى عن إسرائيل.
كيف إذًا سيؤثّر ازدياد قوّة بوتين في المسألة الإيرانية؟ يخشى الغرب من أن تكون المصلحة الروسية تعزيز قوة إيران، لا المشاركة في مساعي منعها من تطوير سلاح نووي. وثمة مَن يعتقد أنّ المهادَنة الأمريكية المقابِلة لتصلُّب بوتين هي ما أدّى إلى الاتّفاق النووي في جنيف، اتّفاق ترى فيه إسرائيل الرسمية “اتّفاقًا سيّئًا” و”خطأً تاريخيًّا”.
بالتباين، ثمة مَن يعتقد أنّ المصالح الأمريكية والروسية في الواقع متطابقة فيما يتعلّق بتجريد إيران من السلاح النووي. وفق هذا الادّعاء، ليست المفاوضات مع سورية التي انتهت بتفكيك السلاح الكيميائي هزيمةً أمريكية وانتصارًا روسيًّا، بل اتفاق يمكن أن يكون جميع الأطراف راضين عنه. فإذا جرى استنساخ نموذج التسوية السورية في الميدان الإيراني وأدّى ذلك إلى تفكيك المنشآت النووية، سيكون في وسع الأمريكيين تسجيل إنجاز عظيم لهم. لكنّ ثمة شكًّا كبيرًا في إمكانية الموافقة على تفكير كهذا في أعقاب اتّفاق جنيف والتصريحات الإيرانية أنّ المنشآت النووية لن تُفكَّك على الإطلاق.
يُكثر الإسرائيليّون من التذمّر من النظام الأمريكي وتساهله مع روسيا، لكنهم يحاذرون من توجيه إصبع الاتّهام إلى بوتين. فقد نجمت الاحتكاكات القليلة بين إسرائيل وروسيا بشكل أساسيّ من حوادث نُقل فيها سلاح روسيّ إلى أعداء إسرائيل، وسلاح إسرائيلي إلى أعداء روسيا. عام 2006، عُلم أنّ حزب الله استخدم سلاحًا من صناعة روسيّة، ما أدّى إلى إحراجٍ ما في الكرملين. أمّا عام 2008، فقد أُحرج الإسرائيليّون نتيجة ادّعاءات روسية بوجود سلاح إسرائيليّ استخدمه المقاتِلون في جورجيا. لكن يبدو مذّاك أنّ الروس هدؤوا، واستجابوا لمناشَدات إسرائيل بعدم تزويد إيران بصواريخ “أس – 300” متقدّمة.
في هذه الأثناء، لا يزال بوتين يطمح إلى زيادة تأثيره في الشرق الأوسط قدر الإمكان. فرغم انعدام الاستقرار في سوريا، الذي يمسّ بالمصالح الروسية، بدأ موظفون روس يزورون بشكل مكثّف عددًا من الدول العربية، بهدف تعزيز التأثير الروسي. في المقام الأوّل، تأتي مصر، إذ يُقدَّر أنه كلما توتّرت العلاقات المصرية – الأمريكية، سيزداد الدور الروسي في مصر. وثمة مَن يقدِّر أنّ صفقة سلاح روسية – مصرية قابلة للتحقيق للمرة الأولى منذ أربعة عقود.
ويُقدَّر أيضًا أنّ دُولًا مثل الأردن، العراق، أو حتّى السعودية يمكن أن تكون مهتمّة بصفقات عسكريّة مع روسيا. فحين تتفكّك منظومة العلاقات القديمة التي تسود في الشرق الأوسط منذ سنواتٍ طويلة، يمكن أن يدخل لاعب جديد مهيمِن ويجرف الغلّة بجُملتها.