الرجل الذي يدير من خلف الستار المعركة العسكرية ضدّ إسرائيل هو دون شك محمد الضيف، الذي يقبع في هذه الأيام تحت الأرض مع ضباط الوحدات المختلفة في كتائب عز الدين القسام.
حسب المعلومات التي وصلت من غزة ونشرت في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، من قبل المحلل والكاتب المتمرّس رونين برجمان، يطلب ضيف من مندوبي حماس في المفاوضات في القاهرة عدم الموافقة على أي خطوة لا تساهم في التخفيف الحقيقي في مجالات محددة للحصار، وخاصة تلك المتعلقة بنقل البضائع الطلوبة لعمليات ذراع حماس العسكري. مثلا استيراد الإسمنت لبدء ترميم الأنفاق التفجيرية التي دمرها قصف السلاح الجوي الإسرائيلي.
كشفت مصادر فلسطينية لمراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الضيف هو الذي يقوم في هذه الأيام بإدارة التفكير الاستراتيجي بشأن أداء الأنفاق التفجيرية وأنه مصمم على إحراز إنجاز بارز أمام إسرائيل في جولة العنف الحالية وبكل ثمن: خطف الجنود أو السكان للتفاوض المستقبلي على مصير الأسرى الفلسطينيين.
كذلك كشفت المصادر أنه في دائرة مختلفة كليا، يدير الضيف معركة سياسية ضدّ أرفع مسؤولَين في التنظيم، رئيس المكتب السياسي، خالد مشعل، ونائبه رئيس حكومة حماس السابقة في القطاع، إسماعيل هنية. يهتم ضيف، من خلال وظيفته كرئيس الذراع العسكرية، بأن يظهر للقائدَين الآخرَين في التنظيم أن قراراته في الميدان توازي في وزنها قراراتهما.
وأكثر ما حاول الضيف أن يتعلمه من دروس حرب لبنان الثانية أمام حزب الله: اعتمادًا على المساعدات الإيرانية أمر ببناء تحصينات ومحطات إطلاق في شوارع غزة، على أي اجتياح بري إسرائيلي أيًّا كان. وزع منظومة الصواريخ للمنظمة: في المستشفيات، الكراجات، قريبًا من مدارس الأمم المتحدة، من تحت الأرض ومراكز السكن الكثيفة وذلك كي يستطيع التنظيم إطلاق الصواريخ لمدة طويلة في الصراع غير المتكافئ.
لا تشكك جهات استخبارية إسرائيلية مختلفة للحظة في مركزية هذا الرجل. لقد نجا ضيف أكثر من أي مطلوب آخر، رغم عدد لا يُحصى من المحاولات للقضاء عليه. قال مسؤولون رفيعون سابقون في الشاباك إنه “قد تناوب خمسة من رؤساء الشاباك منذ أن صار ضيف المطلوب الأول على قائمة الاغتيالات في إسرائيل. حاول كلهم قتله ووضع يدهم عليه. هم الآن في التقاعد، ولكن هو ما زال يدير المعركة ضدّ إسرائيل”.
يدير الضيف حياة شخصية جدًا، يعزل نفسه من باقي قواد غزة ولا يشاركهم في نفس الملجأ. لقد تعلم من محاولات اغتياله، محاولات جعلت منه حتى الآن إنسانًا آخر تمامًا، مبتور الأطراف، صاحب عين واحدة، على الأقل، هذا على حسب التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية.
وكانت مرة من تلك المرات في سنوات التسعين بعد موجة من العنف الكبير الذي بدأ في إسرائيل، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد موجة من العمليات التفجيرية والانتحارية في الحافلات، وأعداد لا تحصى من المعتقلين والاغتيالات لقواد حماس، التي وقع عليها رئيس الحكومة آنذاك، شمعون بيريس، على “ورقة حمراء” لاغتيال الهدف الأول لإسرائيل، محمد الضيف. أوعز بيريس للشاباك بالعمل بكل ما يتطلب لقتل الرجل لكنه بالطبع نجح في النجاة. “أعطيت أمرًا بقتله، لأنه كانت له خطط شيطانية لتنفيذ تفجيرات كثيرة”، قال بيريس لصحيفة “يديعوت أحرونوت” ويكشف أن سيارة الضيف قد كانت على مرمى الهدف لسلاح الجو. “لكنه كان مع نساء وأطفال، لذلك لم ننفذ”، يعترف بيريس. استمرت محاولات الاغتيال أيضًا بعد ذلك في عامي 2002 و 2006 لكن من غير نجاح.
يشير المقرّبون القلائل من الضيف إلى أنه كتوم، يحافظ على صورة هادئة. يعيش الضيف في قطاع غزة ويداوم على تغيير مستمر لهويته. السبب الوحيد في أنه ما زال حيًّا هو أن دائرة الرجال الذين حوله ضيقة جدًا”.
هذه السرية عززت من مركزه في حماس. إنه أكثر شهرة من خالد مشعل. أصبح البعد السري أقوى أيضًا في التسجيل الدرامي لضيف، الذي أذيع في الحرب الأخيرة، والتي وعد فيها بألا يكونَ وقف لإطلاق النار حتى تتم الاستجابة لكل طلبات حماس. أذيع التسجيل في محطة حماس على خلفية ظل مسرحي لضيف على كرسي متحرك، وتحوّل إلى رمز.
يتمسك الكثير من الجهات الاستخبارية بالاعتقاد أن الضيف ليس القائد العام، لكنه قائد فكري أكثر، يتعامل مع الأمور السرية، الاستراتيجية، مثل الخطف ونجاعة القدرات الهجومية للأنفاق.