هناك اليوم في العالم مناطق كاملة لا يمكن لمن ينظر فيها إلى السماء أن يلاحظ النجوم. فالنجوم لا تزال في مكانها، ولكننا لم نعد قادرين على رؤيتها. وذلك لأن شروط رؤيتنا اليوم مختلفة عن تلك التي كانت متاحة أمام البشرية في الماضي، على سبيل المثال شعراء الجاهلية، الذين تألقت نجوم السماء كمجاز في قصائدهم.
وكم رأت الفراقد والثــريا / قبائل أَضحت في ثراهـا
تقضي الناس جيلاً بعد جيل / وخلفت النجوم كما تراها(أبو العلاء المعرّي)
هناك ظاهرة تدعى “التلوث الضوئي” وهي المسؤولة عن “اختفاء النجوم”. منذ اختراع الكهرباء في العصر الحديث، زادت الأضواء الصناعية المنتشرة في المناطق المأهولة من مستوى السطوع أكثر بكثير من السطوع الطبيعي الذي توفّره الأجرام السماوية في الليل، مثل القمر والنجوم. وبسبب السطوع الصناعي الذي يؤدي إلى التلوّث الضوئي، تتشوّش قدرتنا على ملاحظة مصادر الضوء الطبيعية.
أظهر الحساب العالمي أنّ 88% من البشر يعيشون في مناطق يسود فيها تأثير التلوّث الضوئي. في الواقع، فإنّ التلوث الضوئي لا يؤثر فقط في المنطقة المحددة ذات أضواء صناعية، وإنما يصل تأثيره إلى مدى أبعد بكثير مما تتوقّعون. من أجل التهرب من تأثير التلوث الضوئي وملاحظة عدة نجوم، يجب السفر أحيانا وقتا طويلا.
من يعيش في القاهرة، على سبيل المثال، سيضطر إلى السفر لأكثر من 900 كيلومتر كي يرى بعينيه المجرّة التي أشعلت خيال أفضل الشعراء على مرّ التاريخ البشري. في الواقع، فإنّ العاصمة المصرية هي الأكثر بعدا عن المكان الذي يمكن فيه مشاهدة درب التبانة مشاهدة طبيعية.
ولكن القاهرة ليست وحدها. ففي مناطق أخرى في العالم، كالمنطقة الممتدة بين ألمانيا وبلجيكا، الساحل الشرقي في شمال الولايات المتحدة وكذلك في هونغ كونغ وبكين، قد لا يلاحظ من ينظر نحو الأعلى حتى في منتصف الليل أية نجمة.
إذا استمر الحال هكذا، فلن يحظى أطفال هذه البلدان بمشاهدة نجوم السماء في الواقع. ولكن الحال قابل للإصلاح – ولا ينبغي العيش في الظلام ثانية من أجل ذلك. إذا اعتمدنا حلول تكنولوجية تسمح بتوجيه فعال للضوء إلى الأرض وليس إلى السماء، وتجنبنا تشغيل الضوء غير الضروري – على سبيل المثال، تشغيل أضواء الشوارع من خلال مستشعِرات لتحديد حركة البشر، فسيكون الجيل الحالي هو آخر من يعاني من التلوّث الضوئي.