بادرت مؤسسة “روزا لوكسمبورغ” إلى جانب مركز التنمية في بيرزيت بعقد مؤتمر بعنوان: “بدائل للتطوير الليبرالي-الجديد في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة”. وفي يوم الثلاثاء، خلال المحاضرة الأولى، توجّهت إلي في غضون عشر دقائق مُحاضِرتان من المركز، وطلبتا مني الخروج لأنهما تريدان محادثتي. طلبت الانتظار حتى حلول وقت الاستراحة، ولكنني خرجت عندما طُلب مني ذلك للمرة الثالثة وبإلحاح شديد. “إذن ماذا، أممنوع لي أن أكون هنا؟”، سألتُ بشبه مزاح، فأجابت المُحاضِرة أنّ هناك مشكلة بالفعل.
عندما سجّلت أثناء الدخول قمتُ، إلى جانب تسجيل اسمي، بكتابة اسم “المؤسسة” التي أنتمي لها: هآرتس. وهنا، قالت المُحاضِرة إنّ هناك منذ حوالي 20 عامًا قانونا في الجامعة ينصّ على منع الإسرائيليّين (اليهود الإسرائيليّين) من البقاء في حدودها.
إذ لاحظت الطالبات عند مكتب التسجيل أنّه قد كُتِب “هآرتس” في النموذج، وتسابقْنَ من أجل إبلاغ سلطات الجامعة. فقد قالت إنّ وزارة الدفاع قد توجّهت إلى منظّمي المؤتمر. حيث قالت لي أيضا، إنّنا قلقتان من أن يشنّ الطلاب احتجاجاتٍ في المؤتمر بسبب وجودي.
لم أرَ من مكان وقوفنا، في قاعة الدخول للمبنى، جماهيرَ طلابية تهرع نحوي. ولكن عندما اتصل بي أصدقاء (بما في ذلك مُحاضرون) بعد ذلك، من أجل توضيح ما حدث – أيقنتُ حينها أنّ هذه هي الإشاعة المنتشرة: الطلاب قاموا بمهاجمتي. لذلك، وبهدف التوضيح: هذا ليس ما جرى. طلبت كلتا المُحاضرتيْن منّي أن أغادرَ المكان. فغادرتُ.
أوضحت إحداهما أنّه من المهم للطلاب أن يكون هناك مجال أو مساحة آمنة واحدة من غير المسموح للإسرائيليّين (اليهود الإسرائيليّين) الدخول إليها؛ وأنّ هناك إشكاليّة في القانون ولكن هذا ليس الوقت أو المكان المناسب لمناقشة إجراء التغييرات؛ وأنّها تستطيع أيضا أن تقلّني على سبيل التساهل والهبة، كما يستطيع محاضر آخر القيامَ بذلك من أجل يوسي بيلين؛ الذي دُعيَ لإلقاء محاضرة عندهم، ولكن مُحاضرته أقيمت خارج الحرم الجامعي وذلك تماشيا مع القانون.
قالت مُحاضِرة أخرى بأنّني لو لم أكتب “هآرتس” لاستطعتُ البقاءَ. محاضِرة أخرى أعرفها مذ 40 عاما أوضحت قائلة: “هذا من أجل حمايتك” (من الطلاب). حينها خطرَ على بالي التصوّرُ الإسرائيليّ الشائع عن الفلسطينيّين: متهوّرين وغير عقلانيّين. وغادرتْ مواطنة فلسطينيّة إسرائيليّة أخرى، حضرت إلى المُؤتمر، وذلك بسبب شدة اشمئزازها، على حد تعبيرها، من استبعادي.
حاليا تمّ إعلام كاتيا هيرمان، مديرة مؤسسة روزا لوكسمبورغ في الأراضي المحتلة، عن هذه الفوضى التي جرت. على الرغم من موافقتها على أهمية المساحة الآمنة، كما هو قائم في حركة النضال للمساواة بين الجنسين، إلّا أنّ هيرمان استصعبت إدراك سبب عدم إمكانية الشرح والتوضيح للطلاب المُحتجّين (“الذين لا أراهم أبدا”، مُشدّدةً) أنّ التطهير هنا يُخطئ الهدف.
يتمّ استدعائي على نحو ثابت إلى المناسبات الخاصة بـ”روزا”، كما يُطلق على المؤسّسة بكل مودّة. حيث قالت هيرمان، التي أصيبت بصدمة، إنّها لم تعلم بهذا القانون وبقرار استبعادي عن المؤتمر (كما سمِعَت)، وبأنها لا توافق على تنفيذه في نطاق الحرم الجامعي.
في العشرينَ عام التي مضت، دخلتُ عشرات المرات إلى بيرزيت. جئتُ كشاهدة ومُصغية للمُؤتمرات الأكاديميّة المُختلفة. أجريْتُ مُقابلات مع مُحاضِرات ومُحاضِرين داخل الحرم الجامعي وخارجه. على سبيل المثال حول تاريخ المُجتمعات في بقعة التي تعمل إسرائيل على التخلص منها وإقصائها.
وقبل عام، رفض مُحاضرٌ في مجال الاقتصاد إجراءَ مُقابلة، وقال لي: “الأمر ليس شخصيّا. لكنكِ تعرفين القوانين”. لم أكن أعلم أنّ هناك قانون يمنع إجراء مقابلات لصحيفة “هآرتس”.
معروف أنّ الجامعة ترفض قبول يهود-إسرائيليّين إلى طاقمها، حتى لو كانوا من اليسار المُناهض للصهيونيّة. ففي عام 1998 تمّ رفض طلبي للتعليم في فرع اللغة العربيّة. (قال حينها إياد “المتهكم” من غزة: كيف سيقبلونكِ ولديكِ لهجة غزاويّة كهذه؟).
لكن لم يتمّ إعلامي قط بوجود قانون جامعيّ يمنع وجودي في الحرم الجامعي، كيهوديّة إسرائيليّة. حُجّة إخلاء المكان التي طُبّقت عليّ بصفتي مُمثّلة لمؤسسة إسرائيليّة (“هآرتس”) كانت صاعقة. حيث أنّ أمر كهذا لا يُطبّق على فلسطينيّين من مواطني إسرائيل يُدرّسون في جامعات إسرائيليّة. لوعلمتُ بوجود هكذا قانون لما هممتُ بالمجيء إلى المؤتمر. فكما هو معروف، أنا أقوم باستثمار طاقاتي الهدّامة في مسارات وأفق أخرى.
أنا أقوم بالكتابة عن هذه الواقعة خصوصا لأنّني لم أعتبر استبعادي وحقيقة وجود مُحاضِرين يختبئون وراء طلاب غاضبين بشدّة، ووراء قانون لا يدري الكثيرون عن وجوده، أمرًا شخصيّا. حسبَ رأيي، كان من اللائق أكثر أن يتمّ إخباري بشكل صريح: لا نفرّق بين معاضدين ومناهضين للاحتلال، بين مَن تنقل تقريرا عن سياسة ترحيل البدو ومَن يطبّق ذلك على أرض الواقع. بالنسبة لنا، كل يهوديّ-إسرائيليّ مكانه في الخارج.
طالبَت في جلسة مُلخّص المُؤتمر يومَ الأربعاء مُحاضِرةٌ (من فرع دراسيّ آخر) النقاشَ بقضية استبعادي ومقاطعة ناشطي اليسار في إسرائيل. أبدَت هي وآخرون، لم يكونوا حاضرين وقتَ وقوع الحادثة، صدمةً واحتجاجا. فعندما قيل إنّ الأمر بهدف “حمايتي”، خرجَ البعضُ من القاعة غاضبين.
وفي موقع التواصل الاجتماعي – الفيس بوك – قامت ثورة غضب كبيرة. هناك معارف يتّصلون بي ويعتذرون. إذ طالبَ صاحب البقالة “الاعتذارَ لي باسم الشعب الفلسطينيّ أجمع”. وفي يوم السبت تمّ نشر بلاغ رسميّ من الجامعة كُتب فيه، إلى جانبِ ما كُتب: “ليس هناك أيّ معارضة من قِبل الإدارة لوجود الصحفيّة هاس. فإنّ الجامعة كمؤسسة وطنيّة تُفرّق بين رِفاق الشعب الفلسطينيّ وأعدائه… وتتعامل مع كلّ شخص ومؤسسة يُناهضون الاحتلال”.
أنا أتفهّم الحاجة العاطفيّة للشعب الفلسطينيّ في إقامة مساحات لا تطؤها أرجل المواطنين التابعين للدولة التي سلبت حقوقهم وتُجرّدهم من أراضيهم. وكامرأة ذات مبادئ يساريّة، فأنا أتحفّظ على منطق المُناهضَة للاستعمار الذي يقضي بمُقاطعة ناشطين يساريّين يهوديّين-إسرائيليّين. على أيّ حال، هؤلاء المذكورون أخيرا لا يبحثون عن مُذكّرة سماح من أجل مُعارضة الاحتلال ونظام الامتيازات اليهوديّ والعمل على إقصائه.
نُشر المقال أولا في موقع “هآرتس”