في 18 آذار، يتمّ على الحكومة الإسرائيلية الثالثة والثلاثين عام كامل، ورغم التغييرات الكبيرة في تشكيلة الائتلاف، ودخول نحو نصف النوّاب إلى الكنيست التاسعة عشرة للمرة الأولى، يمكن الإيجاز أنّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الرجل الأكثر تأثيرًا في وضع إسرائيل في السنوات الخمس الأخيرة فعل القليل، لم يأتِ بأيّ جديد تقريبًا للشعب الإسرائيلي، وإن نجح في إحداث تغييرات طفيفة باتجاهات مختلفة، فإنّ نتائجها يكاد لا يشعر بها المواطنون الإسرائيليون في حياتهم اليوميّة.
في شأن المفاوضات
بعد خمس سنوات على عودة نتنياهو إلى مكتب رئيس الحكومة (آذار 2009)، يُحسَب لنتنياهو أنّ ولايته جعلت إسرائيل تنعم بهدوء أمني من جهة، ولكن جمود سياسيّ شبه مطلق من الجهة الأخرى. منذ الصيف الماضي، تقيم الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو، وبقيادة وزيرة العدل تسيبي ليفني، اتصالات غير مباشرة مع الفلسطينيين، عبر وساطة أمريكية، ولا تظهر للشعب الإسرائيلي أية إنجازات. خلال كل هذا الوقت (وقبل ذلك أيضًا)، لم يلتقِ نتنياهو رئيس السلطة الفلسطينية أبا مازن حتّى مرة واحدة.
وإذا كان قد طُلب من نتنياهو خلال فترة حكومته السابقة أن يجمّد البناء في المستوطنات، ووافق على فعل ذلك لفترة من الوقت لم يتغير فيها شيء بين إسرائيل والفلسطينيين، فإنه كرّر مرارًا في السنة الماضية أنّ إسرائيل لن توقف البناء في أيّ مكان، ولم يشرح كيف ينسجم هذا التوجّه مع منطق التوصّل إلى حل الدولتَين، أي إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
في كانون الثاني الماضي، قال نتنياهو إنّ إسرائيل لن تُخلي مستوطنات، وأبلغ مكتبه الإعلام أنّ معنى أقواله هو أنه يعتقد أنه يجب الإبقاء على قسمٍ من المستوطنات المعزولة في أماكنها، وتوفير الحماية للإسرائيليين ليواصلوا العيش هناك. بالتباين، في المقابَلات التي أجراها في الأيام الماضية، قال نتنياهو إنّ قسمًا من المستوطنات لن يكون جزءًا من الاتّفاق. فهل قصد إنها ستُخلى؟
تقوّي تصريحات نتنياهو في السنة الماضية حول استمرار الاحتفاظ بالقدس الموحّدة عاصمةً لإسرائيل، فضلًا عن تصريحات مشابهة لوزير المالية الأكثر اعتدالًا، يائير لبيد، الانطباع أنّ الحكومة الإسرائيلية ليست لديها أية نية للتقدُّم في المفاوضات مع الفلسطينيين، وأنّ الإجراءات العلنيّة هي مجرّد كلام دون نية حقيقية خلفها.
لكن، في نهاية الأسبوع الماضي، بعد صمتٍ مستمرّ، جرت مقابَلة نتنياهو في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وقال إنه يريد إنهاء الصراع، وإنّ أحد العناصر الأكثر أهمية من جهته هو تصريح من الفلسطينيين بأنّ دولة إسرائيل يهودية، وهو مطلب كرّره مرارًا خلال السنة الماضية. في البداية، جرى النظر إلى هذا الطلب كعنصر رماه نتنياهو ليضع العصيّ في دواليب المفاوضات. لكنه كرّر هذا الطلب إلى درجة أنه نجح في إقناع الأمريكيين به، كما يبدو بعد أن فحصوا استطلاعات الرأي بين الشعب الإسرائيلي، ورأوا أنّ معظم الشعب يدعم هذا الطلب.
لكن في نهاية العام، بقي الشعب الإسرائيلي حائرًا وغيرَ جاهزٍ لاتّفاق إطار، يُفترَض أن يؤدي إلى اتّفاق فعليّ، إذ يصعب فهم إن كان رئيس الحكومة يظنّ أنّ المستوطنات التي لن تكون جزءًا من الاتّفاق (أي تُخلى، وفق إصدار آذار 2014) أم إنّ أيّ مستوطِن لن يُخلى (إصدار كانون الثاني 2014)، هل تتوقّع إسرائيل من الفلسطينيين أن يتنازلوا كليًّا عن القدس الشرقية كعاصمةٍ لهم، ولماذا يستمرّ البناء في الأراضي المحتلة على نطاقٍ واسع؟
* * * * *
سياسيًّا
من الناحية السياسيّة، يبدو أنّ وضع نتنياهو أفضل من أيّ وقت مضى. فهو يحظى بنسب دعم مرتفعة بين الشعب الإسرائيلي، ويظهر استطلاع تلو آخَر أنه لا شخصية سياسية أخرى في إسرائيل ينظر إليها الشعب كملائِمة لتولّي رئاسة الحكومة. كما تحظى كتلة الليكود بيتنا برئاسة نتنياهو بدعمٍ كبير، مع الحفاظ على قوّتها في الكنيست الحاليّة، أو حتّى ما يزيد عنها. وفيما لا ترتفع مكانة أهم شركائه في الحكومة، يائير لبيد، الذي يُنظَر إليه على أنه وزير مالية لا يفقه شيئًا في هذا المجال، فإنّ نتنياهو يحافظ على مكانته المرتفعة في نظر الإسرائيليين.
أحد أسباب ذلك هو الانضباط الإعلامي الصلب الذي يقوده نتنياهو، بمساعدة رئيس نظام الإعلام لديه، ليران دان. في نهاية العام، بعد تنسُّك لـ 14 شهرًا متواصلًا عن الإعلام الإسرائيلي، جرت مقابلة نتنياهو للمرة الأولى مع وسائل الإعلام العبريّة، رغم أنه أجريت معه مقابلات عديدة خلال الفترة الماضية في وسائل الإعلام الأجنبية.
لم يعقد نتنياهو أيّ مؤتمر صحفي منذ ما يقارب العامَين، وفي المقابلات القصيرة التي أجريت معه نهاية الأسبوع الأخيرة، اتّضح السبب: نتنياهو مقتنِع أنّ الإعلام يسعى فقط إلى ملاحقته والحطّ من قدره، لذلك لا يحاوره، ولا حتّى لتقديم تقرير للشعب الإسرائيلي في مسائل غير المسائل السياسيّة.
خلال كلّ هذا الوقت، ضعفت كثيرًا مكانة وسائل الإعلام في إسرائيل. يتهدّد سلطةَ البث، التي يُفترَض أن تكون هيئة حيادية خطرُ الإغلاق (بهدف تنفيذ إصلاحات)، كما ستتوقف صحيفة معاريف – صحيفة ذات خطّ يمينيّ كان يمكن أن تنتقد نتنياهو من الجانب اليمينيّ – عن الصدور. أمّا صحيفة “هآرتس”، المعارضة الوحيدة الجدّية بين وسائل الإعلام، فتواجه مصاعب اقتصادية خطيرة. دون نقد، دون تحقيقات صحفيّة، دون مقابلات أو مؤتمرات صحفية، يُتوقَّع أن لا تعترض أية عوائق سبيل نتنياهو لمواصلة ولايته أو حتّى للظفر بولاية جديدة. في محادثات مقفلة معه، يقول نتنياهو إنّ 2017 هدف منشود من جهته، وإنه يرى أنه سيستمرّ رئيسًا لحكومة إسرائيل خلال السنوات القادمة وما بعدها.
* * * * *
اجتماعيَّا واقتصاديًّا
إذا كان هناك مجال يمكن أن يشكّل خطرًا على مكانة نتنياهوـ فهو المجال الاقتصادي – الاجتماعيّ. فمنذ الاحتجاج الجماهيري صيف 2011، لم يتغيّر أيّ شيء تقريبًا في إسرائيل. خرج الجماهير إلى الشوارع للاحتجاج على غلاء المعيشة، أسعار العقارات التي تحلّق إلى أعلى، وصعوبة الادّخار للتقاعُد ونيل خدمات صحيّة لائقة. لكن رغم تصريحات نتنياهو ووزرائه العديدة، فإنّ الوزير الوحيد في الحكومة السابقة الذي اتخذ خطوات عملية لخفض الأسعار في إسرائيل (في المجال الخلويّ)، موشيه كحلون، آثَر عدم الاستمرار مع نتنياهو في الولاية الحاليّة، وغادر الساحة السياسية الناشطة، لبناء نفسه من الخارج. يُعتبَر كحلون ذا شعبيّة كبيرة بين ناشطي الليكود وفي وسط الخارطة السياسية، ورغم أنه لا يُهدِّد حاليًّا مكانة نتنياهو، فإنّ الاحتمال موجود.
في مقابلة مع القناة الثانية يوم السبت الماضي، اعترف نتنياهو بإيجاز أنه لم يولِ موضوعَي العقارات وغلاء المعيشة اهتمامًا كافيًا، وأنه سيكون عليه التدخُّل بقوّة أكبر “من أجل تزويد إرشاد أكثر”. ويأتي تصريح نتنياهو هذا في مرحلة متقدّمة جدًّا من النقاش العامّ، بعد بضع سنوات من إعلانه هو نفسه عن برنامج “هفدليم” للتعامل مع أزمة سوق العقارات في إسرائيل، برنامج استغرق سنوات من العمل لإقراره تشريعيًّا، ولم يبدأ في التأثير في حياة المواطنين في الواقع. كذلك نشاط حكومته في مجال خفض غلاء المعيشة غير محسوس في أرجاء إسرائيل، ووضع الفجوات الاجتماعيّة لم يتغيّر.
* * * * *
شخصيًّا
كما ذُكر آنفًا، أبقى نتنياهو نفسه وأسرته بعيدًا عن الإعلام. وفيما تقف قرينته سارة إلى جانبه في كلّ مناسبة علنيّة، ويرافقه أولاده في رحلاته الحكومية إلى خارج البلاد، فإنّ الإعلام الإسرائيلي تراجع ويكاد لا يقوم بأية تغطية للفضائح في بيته. من حين إلى آخر، تُكشف معلومات حول النفقات الماليّة لبيوت رئيس الحكومة (نفقات يتحملها الشعب) أو يرفع عامل سابق في منزل رئيس الحكومة دعوى عليه شخصيًّا. وحينها أيضًا، كما علِمنا، يعتقد نتنياهو أنّ الإعلام هو الذي يشجّع عماله السابقين على الادّعاء عليه بهدف الحطّ من قدره في الإعلام. لكنّ هذه المواضيع تشغل الإعلام في إسرائيل يومًا أو اثنَين، وخلال باقي الوقت، تُدار حياة رئيس الحكومة الخاصّة بعيدًا عن أعين الناس. بهذا المعنى، تختلف الولاية الحالية عن ولايته الأولى التي كانت مفعَمة بالتغطية الإعلامية الهجومية.
يتحدث مكتب رئيس الحكومة من حينٍ إلى آخر عن وضعه الصحي، ويبدو أنّ رئيس الحكومة قد أنقص بضعة كيلوغرامات من وزنه إثر خضوعه لجراحة فتق في شهر آب الماضي. عدا ذلك، تبدو صحته جيدة جدًّا. كما ذُكر آنفًا، المعلومات عن حياته الشخصية في السنوات الماضية شحيحة جدًّا، بحيث إنّ الوصف الذي أعدّته مراسِلة نيويورك تايمز جودي رودورن في محادثة معه نجح في إثارة الأصداء في إسرائيل. وفق المقابلة، يحبّ نتنياهو تدخين السجائر الكوبيّة (Partagás No. 2)، يقرأ كتب تاريخ (نيل فيرغسون، الحضارات)، ويتمتّع بمشاهدة المسلسل الدرامي “هبورجس” عبر التلفزيون.
من المثير للاهتمام معرفة إن شاهد “بيت الورق”، المسلسل الأمريكي الشهير، أو “بورجان” الدنماركي.
- سياسة إسرائيلية
- بنيامين نتنياهو
- الحكومة الإسرائيلية
- الائتلاف الحكومي
- إسرائيل
- الكنيست
- المجتمع الإسرائيلي
- المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية
- تسيبي ليفني
- البناء في الضفة الغربية
- المستوطنات الإسرائيلية
- حل الدولتين
- القدس
- اتفاقية الإطار
- السياسة الإسرائيلية
- حزب الليكود
- يائير لبيد
- الإعلام الإسرائيلي
- الاقتصاد الإسرائيلي
- احتجاجات شعبية
- غلاء المعيشة
- معاريف
- القناة العاشرة