من الصعب عدم الانتباه إلى التغييرات الجوهرية التي تجتازها يافا ومنشأة الميناء الجديد والمحسن الخاص بها. بفضل الرغبة في السكن في مكان مميز، الهندسة المعمارية التاريخية المثيرة وإلى حد ما بفضل بلدية تل أبيب يافا ومشاركة السكان، تحولت يافا إلى مكان عالمي جذاب للعقارات، يجذب إليه السياح من كافة أرجاء العالم.
تأسس قبل عشرين عامًا في يافا مشروع الإسكان الفخم “أندرومدا” في أحد الشوارع الرئيسية في المدينة، شارع ييفت. نجح المشروع الطموح في إثارة غضب سكان المكان، عربًا ويهودًا على حد سواء، الذين تظاهروا ضد ارتفاع أسعار المنازل المتوقع في المنطقة وتكلفة تقديم الخدمات التي تقدمها البلدية. كذلك، أثار فصل المنشأة الفخمة عن كافة أحياء يافا، بواسطة جدران، مخاوف السكان المحليين حيث يجري الحديث عن محاولة أخرى لتحدي الطبقة المستضعفة في يافا. كان جوهر الانتقاد هو البُعد الذي خلقه “الوحش العقاري” مقابل الأحياء المهملة في يافا.
ولكن الغضب والبُعد الذي شعر به السكان لم يثيرا اهتمام مالكي العقارات حقًا. للمقارنة، بلغت الأسعار في عام 2005 في المركز السكني الراقي مليوني دولار للبنتهاوس. مرت السنوات وسرعان ما تحول خوف الجمهور الإسرائيلي من السكن في يافا، بسبب العنف والأعمال الإجرامية وعالم الإجرام، إلى انفعال عظيم. وللإثبات، تم بيع شقة مؤلفة من خمس غرف في مركز أندرومدا قبل سنة، تمتد على مساحة 430 مترًا مربعًا، بحوالي 6.5 مليون دولار.
لا يعكس الارتفاع الحاد في أسعار الشقق في المشروع الارتفاع العام في أسعار المنازل في البلاد فحسب، بل يعكس بالأساس التطورات الجوهرية التي اجتازها فرع العقارات في يافا. ارتفعت كذلك أسعار الشقق العادية بنسب عالية أكثر من الارتفاع العام في البلاد. في حي العجمي العربي (يوجد في يافا 60000 ساكن حيث أن 20000 منهم عربًا، مسيحيين ومسلمين، والبقية 40000 يهوديًا)، على سبيل المثال، كان من الممكن حتى قبل بضع سنوات شراء شقة مؤلفة من ثلاث غرف مقابل 112 ألف دولار. يتراوح اليوم سعر الشقق بين 420 و 550 ألف دولار.
ازدهار يافا ليس نتيجة لمحاولات مبادري العقارات في إحراز أرباح سريعة بواسطة اكتشافات غير روتينية فحسب، بل يتم كذلك نسب جزء كبير من النجاح إلى بلدية تل أبيب يافا. استثمرت البلدية في السنوات الأخيرة، بواسطة شعبة تنفيذية، “مديرية المكملة يافا”، موارد عديدة في تطوير وبناء المناطق السياحية في يافا، وكذلك في تحسين البنى التحتية، المواصلات والتربية في المدينة.
شملت انطلاقة التطوير كذلك ميناء يافا القديم. اجتاز الميناء ببطء وبشكل منهجي تحولًا حقيقيًا، من رصيف ميناء مزدحم بشبكات الصيادين والمخازن، تحول الميناء إلى مركز استجمام يعجّ بالحياة، وفيه تشكيلة من المطاعم والحوانيت لمحبي الطعام، الاستجمام، والتسلية.
ولكن كان هناك نضال عنيد من قبل السكان والبلدية. طلب أرباب العقارات خصخصة الميناء ولكن رئيس البلدية حلدائي، إلى جانب سكان المدينة والصيادين في الميناء قادوا خطوة منعت خصخصته. وقد تم إصدار الإرشادات إلى مدير دائرة أراضي إسرائيل، وهي مالكة الميناء، بقرار حكومي ببيع العقار لبلدية تل أبيب يافا. تم عام 2006 استكمال صفقة البيع وتدير البلدية منذ ذلك الحين مشروع إعادة تأهيل الميناء وتحويله إلى مركز لقضاء أوقات الفراغ، التجارة، والثقافة.
كان التحسين الأخير في المنشأة هو افتتاح سوق فاخر للمأكولات. يموضع سوق يافا الجديد نفسه كمنشأة مشتريات ومأكولات ويقدم تشكيلة من نقاط بيع الأغذية، ومنها الخضار والفواكه، التوابل، التذكارات وأواني المطبخ. خلافًا لأخيه التوأم، سوق ميناء تل أبيب، الذي يركز بالأساس على المنتوجات الزراعية، والمواد الخام للمطبخ المنزلي، يذكرنا السوق في يافا أكثر من أي شيء آخر بمنشأة لقضاء أوقات الفراغ للعائلات والسياح، وفيه عروض، معارض فنانين، مسرحيات للأولاد وعروض موسيقية.
وعلى الرغم من ذلك، لم تحدث التغييرات الكبيرة من دون صدام مع السكان المحليين الذين لم يسرهم كل ما يحدث. ولكن، على الرغم من انحدار يافا وبفضل تعاون السكان، نجحت البلدية والسكان في التوصل إلى الضالة المنشودة وإيجاد طريق لتصميم متنزه يلبي احتياجات التطوير الطبيعي للمدينة وكذلك احتياجات السكان. منحدر يافا، الواقع في قلب حي العجمي جنوبي الميناء الذي تم تجديده، يمتد على مساحة تبلغ نحو 220 دونم وقد شكل خلال السنوات بؤرة للتخلص من نفايات البناء وسبب جفاف مقاطع كبيرة من الخط الساحلي في يافا واختفاءه.
وقد وضع رئيس بلدية تل أبيب يافا، حلدائي، في سلم أفضلياته إخلاء الشوائب البيئية وتحويل المنشأة إلى متنزه أخضر لما فيه راحة السكان. تأسيس المتنزه هو مشروع إعادة التدوير وتحسين جودة البيئة من أكبر المشاريع التي تم إنشاؤها في إسرائيل. لقد تراكم أكثر من مليون طن من نفايات البناء والقمامة، طيلة عشرات السنوات، وقد تم إخلاؤها وإعادة تدويرها بما فيه مصلحة المتنزه الذي يعانق شواطئ يافا. تمت العملية بالتعاون مع السكان من خلال استشارة زعماء المجتمعين المحليين، العربي واليهودي، في يافا لتحقيق الإمكانات البيئية الكامنة في المنطقة.
وعلى الرغم من ذلك فإن العالم ليس ورديًا. أحد الانتقادات الكبيرة حول الإجراءات الجارية في يافا، إجراء مكثف من الاستطباق، هو التغيير في تركيبة الفئة السكانية المحلية. يمكن للعائلات العربية واليهودية التي تعيش في المدينة منذ سنوات، تحت خط الفقر بكثير، أن تموت من الغيرة حين تنظر إلى المباني الفخمة التي ظهرت إلى جانب أحيائهم والخوف من اليوم الذي ستضطر فيه إلى الإخلاء أو الخوف من ارتفاع أسعار الخدمات البلدية التي يتم تقديمها لها.
يمكن للسكان في هذه الأثناء أن يعزوا أنفسهم بالحقيقة أنه مع وصول الفئة السكانية الجديدة والاهتمام الكبير الذي تبديه البلدية والدولة بيافا، انخفض مستوى الإجرام بشكل كبير جدًا.
يبدو المستقبل في هذه الأثناء واضحًا، فستواصل يافا تطورها وخلق مشاريع عقارية طموحة، ولكن هل ستجد البلدية والسكان أيضًا حلولًا عملية لضائقة السكن المتفاقمة؟