بعد أقلّ من 24 ساعة من المصادقة على تعيينه وزيرًا للخارجية في الكنيست، وصل أفيغدور ليبرمان إلى وزارة الخارجية، واختار هذا المكان، لا منصّة الكنيست ليطرح سلّم أولوياته الشعبي مع عودته إلى منصبه القديم – الجديد. “ثمة حاجة إلى تهدئة المواجهة العلنيّة مع الولايات المتحدة”، قال للعاملين.
ونشر الإعلام الإسرائيلي أنباءً عن أنّ ليبرمان هو الذي أجرى اتّصالات مطوّلة مع سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، دان شبيرو، لا سيّما خلال الأيام الماضية، حين طفت إلى السطح مواجهة علنية بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية جون كيري.
“العلاقات مع الإدارة الأمريكية هي حيوية، ثابتة، وجيدة – لا شيء سيغيّر هذا. الخلافات موجودة منذ 1948″، قال ليبرمان للعاملين، منتقدًا تحوّل النقاش بين الدولتَين إلى علنيّ بهذه الصورة.
لكن السؤال الذي يطرَح نفسه في إسرائيل اليوم هو: كيف سيتمكّن وزير الخارجية، الذي نسج علاقات دافئة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولم يوطّد علاقاته بواشنطن، أن يعود إلى مركز العمل الدبلوماسي؟ خلال السنوات التي عمل فيها ليبرمان وزيرًا للخارجيّة، تحوّل إلى شخصيّة غير مرغوب فيها في العاصمة الأمريكية، إذ إنّ هيلاري كلينتون صافحته على سبيل التهذيب في بداية ولايتها، ومرّ نحو عامَين ونصف حتى لقائهما الشخصي التالي. فكيف سينجح ليبرمان الآن في أن يصبح مدعوًّا مرغوبًا فيه هناك؟ كان يُنظَر إليه آنذاك، ولا يزال، بصفته النموذج الأكثر عدائية بين الوزراء الإسرائيليين. حتى اليوم، لم ينسَوا خطاب الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين تغَيب نتنياهو وحلّ مكانه ليبرمان خطيبًا رئيسيًّا عن دولة إسرائيل، إذ هاجم مذهب الدولتَين، وضرب عرض الحائط الموقف الحكومي الإسرائيلي. دعي الخطاب في إسرائيل وفي الإعلام العالمي خطابًا حزبيًّا داخليًّا. يريد ليبرمان اليوم مصالحة الأمريكيين.
وضع إسرائيل الدبلوماسي هذه الأيام معقّد أكثر من أيّ وقت مضى. فحين تريد دولة أن تحصل على شيء، عليها أن تعطي شيئًا في المقابل. لكن يبدو أنه لا نتنياهو ولا ليبرمان يعرفان هذه المعادلة. فمنذ سنوات، يرفض الرجلان أي نوع من بوادر حسن النية تجاه الأمريكيين في الشأن الفلسطيني. وجديرة بالذكر في هذا السياق محادثة الوعظ بين نتنياهو وأوباما في الولاية السابقة أو رفض نتنياهو في زيارته الأولى إلى الولايات المتحدة أن يتلفظ بعبارة “الدولتَين”. فكيف سينجح ليبرمان الآن، وبشكل مفاجئ، في تهدئة اللهب، في مكان كان فيه مُثير الحريق؟
المعارضة الصريحة لرئيس الحكومة للاتّفاق الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية في الشأن النووي الإيراني، التوجّه الوقِح للمنظّمات اليهودية الأمريكية أن تفعل شيئًا (توجّه للوزير بينيت، ولكن بدعم من رئيس الحكومة)، وحتى زيارة روسيا التي يخطّط لها رئيس الحكومة الأسبوع القادم – كلّها تُدخِل ليبرمان إلى السّاحة في فترة حسّاسة. ومَن يعرف ليبرمان يدرك أنّ الانتباه للتلميحات، اللغة الرقيقة أو الفهم الملطّف للواقع هي صفات بعيدة كلّ البُعد عنه.
علاوةً على ذلك، ففي سنة غيابه، ومع انتهاء المعركة الانتخابية، حصلت وزيرة العدل تسيبي ليفني على إدارة المفاوضات، وهي التي تمسك بملفّ العلاقات الوثيقة مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. وليس سرًّا أنّ ليفني، منذ عقد تقريبًا، هي واحدة من أكثر السياسيين المحبوبين في واشنطن. أحبّها مسؤولو إدارة بوش، وكانت علاقاتها ممتازة بنظيرتها كوندوليزا رايس. وفي نظر الإدارة الحاليّة أيضًا، ليفني هي صوت العقل.
ربّما سخط ليبرمان على اليسار الإسرائيلي، الذي هنأه بعض منه على التبرئة، لكنه دعا إلى عدم تعيينه وزيرًا للخارجية لعدم ملاءمته للمنصب، لكنه يُدرك، أنه مع عودته إلى المنصب، فإنّ الكلمات التي قيلت أمس في اليسار تعكس أيضًا النظرة الدبلوماسية في العالم.