في العالم الذي نحيا به، اعتدنا على الطموح بشكل مستمرّ للأشياء الجديدة، والتي هي بالضرورة أفضل أيضًا. إنّ الحماس الكبير الذي أثاره الموقع في الأسبوع الماضي، مع عرض تغطيات إسرائيلية لأغاني أم كلثوم الأسطورية، يثبت أن الناس لا زالوا يقدّرون الموسيقى الكلاسيكية، ويستمتعون بالاستماع إلى أداءات جديدة للأغاني المعروفة ليس أقل من الأغاني التي لم يستمعوا لها. أدى اهتمامكم إلى سعينا في البحث عن أداءات مثيرة للاهتمام وزوايا جديدة يمكن من خلالها مراقبة تأثير عملاقة الغناء المصري على الموسيقى الإسرائيلية.
احتفل العالم هذا الأسبوع بـ 39 عامًا على رحيلها عن عالمنا، ومن المدهش أن نرى إلى أيّ مدى لا زالت صورتها وأعمالها حاضرة في بلادنا، المجاورة لوطنها. كان في إسرائيل في الأسابيع الماضية عرض جديد، استضافت في إطاره الأوركسترا الأندلسية المتوسّطية المطربين الرائعين اللذين قدّمناهما لكم في الأسبوع الماضي: نسرين قادري، ذات الصوت المثير للإعجاب، وزيف يحزقيل، وهو شاعر وموسيقي متعدّد الألوان؛ لعرض أغانٍ لأمّ كلثوم. كان الدمج بين الاثنين مثيرًا للاهتمام بشكل خاصّ، نظرًا إلى أنّ يحزقيل هو يهوديّ متديّن يرتدي قلنسوة وقادري مسلمة، ويوضّح كيف يمكن للنغمات الحساسة أن تجمع بين الناس الذين يأتون من خلفيّات مختلفة.
الأندلسية وزيف يحزقيل يرافقون نسرين قادري، التي غنّت عن الأيام الخوالي في أغنية “ودارت الأيام”:
وقد حظي التقدير الكبير الذي حازت عليه أم كلثوم بين الشعب الإسرائيلي، بتوقيع رسمي في العام الماضي. فقد قرّر رئيس بلدية القدس، نير بركات، إطلاق اسم شارع على اسم المطربة الرائعة في عاصمة إسرائيل. كما هو معروف لنا، فهذه هي الحالة الأولى التي يتمّ فيها تخليد رمز ثقافي من دولة مجاورة من قبل مؤسسات الدولة، وذلك تقديرًا لأعمالها ولكونها أصبحت جزءًا من الثقافة في إسرائيل نفسها. الاعتراف الرسمي، جنبًا إلى جنب مع الحقيقة القائلة بأنّ المطربين والمطربات الكبار يواصلون الحفر في أرشيف أم كلثوم والبحث عن إصدارات تغطية مثيرة، جميع ذلك يقول كلّ شيء. نحن نريد أن نصدّق بأنّ الحبّ، الذي كرّسته أم كلثوم بصوتها السماويّ، يتجاوز كلّ شيء.
عوفر ليفي يتحدث عن رحلة الحبّ في أغنية “سيرة الحبّ”:
معظم الأغاني والأداءات التي قمنا باستعراضها حتى الآن تم إنتاجها خلال العقدين الأخيرين، بعد سنوات طويلة من وفاة “كوكب الشرق”. إلى حدّ ما، هناك تشويه للتاريخ وبالتالي فنحن نسعى للتوضيح: كانت أغاني أم كلثوم موضع الإعجاب والتقليد حتّى قبل رحيلها. في عام 1970 سجّل المطرب اليوناني-الإسرائيلي، أريس سان، أغنيته الأكثر نجاحًا “بوم فوم”.
ربّما يعود ذلك إلى كونه جاء من الخارج، فقد كان من الأوائل الذين تجرّأوا على دمج مقاطع وعبارات من الموسيقى العربية الغنية بأغنيات شعبية وقصيرة. وهكذا أدخل إلى أغنية على النمط اليوناني، الخفيف والأقل بهجة، مقاطعًا من “أنت عمري”. خلافًا لمعظم إصدارات التغطية، التي تم تسجيلها بعد أن تحوّلت أم كلثوم إلى أسطورة ودخلت إلى الإجماع الإسرائيلي، حيث من المفترض أن تنال تلك الإشارة التقدير الكبير لكونها الأولى ولكسرها للحواجز.
وهذا هنا شيء مختلف، ولكن التأثير واضح وجليّ: أريس سان يكرّم الأسطورة في حياتها!
نأمل أن تكونوا قد استمتعتم في القراءة (والاستماع) عن العلاقة الوثيقة بين الأعمال الموسيقية في إسرائيل وجذور الموسيقى العربية. وبالطبع فهناك – إلى جانب أم كلثوم – سلسلة من الموسيقيّين الذين أثّروا بشكل كبير على الأصوات والألحان، وكذلك على الكلمات والموضوعات، يستخدمها ويشتغل بها قسم من الفنّانين في النوع الغنائي المتوسّطي. فريد الأطرش وفيروز، على سبيل المثال، نالا كذلك صدًى ملحوظًا في سجّلات الموسيقى في إسرائيل. ونحن نعدكم بمواصلة الكشف، شيئًا فشيئًا، عن الموسيقى الإسرائيلية، وعن جذورها المتعدّدة والقاعدة التي نشأت عليها وعن الأعمال المعاصرة الرائعة. في الوقت الراهن، اغلوا كوبًا من القهوة، افتحوا النافذة واستمعوا إلى أصوات من زمن آخر…
ونختم مع الأصل: أم كلثوم تغنّي “فكّروني” ونحن نستمتع في التذكير والتذكّر أكثر من الجميع:
http://www.youtube.com/watch?v=ROyHg9nxC88&feature=youtu.be