في الوقت الذي تنزّه فيه معظم الشعب في إسرائيل في عطلة عيد الفصح، تم في المجتمَع العربي كسر رقم قياسي آخر في نطاق العنف، في أربعة بلدات مختلفة وكذلك كسر رقم قياسي من حيث قرب وقوع الأحداث ونطاقها.
في الأسبوع الماضي، قُتل رميا بالرصاص بفارق ساعات قليلة شابان من أم الفحم: حسين محاجنة في الرابعة والعشرين من عمره ومحمد إغبارية في الثالثة والعشرين من عمره. جرى الحادث في حي البير في المدينة، وقُتل الشابان رميا بالرصاص من مسافة قصيرة. أدى إطلاق النار إلى صدمة في المدينة ولم تتأخر الانتقادات عن المجيئ، سواء ضدّ السلطات المحلية أو ضدّ الشرطة. تحدث الناس في أم الفحم عن الصراع العائلي الذي تدهور إلى العنف الخطير، بما في ذلك استخدام الأسلحة النارية. ذكّر هذا الحدث الكثيرين بعملية القتل الثلاثية التي حدثت في المدينة في تشرين الأول في العام 2011، حين قُتل بإطلاق النار والد وابناه. ولكن حتى اليوم لم يتم حلّ لغز عملية القتل تلك.
تم الحديث، حينها أيضًا، في المدينة عن اجتياز الخطّ الأحمر، ولكن بعد خمس سنوات لم يبدُ بأنّ أحدا قد أخذ العبَر. أصدرت الشرطة أمر حظر النشر عن تفاصيل التحقيق وفي المدينة يحاولون إقامة منتدى لتخفيف التوتر وتهدئة النفوس، والذي يشمل ممثلين عن جميع العائلات.
أوضح رئيس البلدية الأسبق، الشيخ هاشم عبد الرحمن، مؤخرا أنّه من أجل التصدّي لهذه الآفة وبشكل أساسي كميات السلاح الهائلة في المجتمع العربي، يجب أن تتجنّد جميع الجهات ذات الصلة، بما في ذلك الشرطة.
وقبل أن تهدأ النفوس في أم الفحم، انتقل مركز الأحداث إلى قرية إعبلين في الجليل الأسفل، حيث أدى هناك صراع محلي إلى قتل مزدوج لإبراهيم نابلسي وهو في الخامسة والثلاثين من عمره ومحمد حسنين وهو في الأربعين من عمره. ومن أجل منع تدهور آخر، نشرت شرطة لواء الشمال قوات كبيرة جدا وفي هذه الحالة أيضًا تم إصدار أمر حظر نشر تفاصيل التحقيق.
في أم الفحم وفي إعبلين أيضًا لم يقف أي ضابط شرطة من أجل التوضيح والإجابة عن الأسئلة بشأن جمع السلاح ومكافحة الجريمة. في كلا اللواءين جاء أن هذه أوامر عليا. ورغم أن الشرطة ووزير الأمن الداخلي يحاولان دعم خطة لتعزيز الشرطة في المجتمَع العربي، ولكنهما لم يستبطنا بعد أنّ الكلمات المفتاحية هي الثقة والتوضيح، وهما أمران غائبان في هذه الأثناء.
“توسعت ظاهرة العنف في السنوات الأخيرة في المجتمع العربي لأسباب مختلفة مثل عجز الشرطة، والتي لا تعمل على جمع السلاح وإدانة المجرمين، بالإضافة إلى سياسة الحكومة التمييزية والتي تؤدي إلى البطالة، الفقر، الازدحام السكني، التوتر النفسي المستمر بالإضافة إلى عوامل اجتماعية داخلية أخرى”، كما يقول المحامي علي حيدر من سكان إعبلين وباحث في المجتمع العربي.
https://www.facebook.com/shireen.younis.7/videos/1095972773757855/
“قد تؤدي ظاهرة العنف إلى تفكيك وانهيار المجتمع العربي من الداخل وعلى الحكومة أن تعمل بالشراكة مع القيادات العربية والخبراء العرب على تشكيل خطة استراتيجية للقضاء على العنف. خطة ذات ميزانية وأهداف واضحة واستخدام آليات رصد ومراقبة”، كما قال المحامي حيدر لصحيفة “هآرتس”.
وبعد يومين من القتل المزدوج في قرية إعبلين، ارتفع التوتر في كفرمندا المجاورة لذروة جديدة، على خلفية انتخابات خاصة لرئاسة المجلس المحلي والتي ستُقام بعد غد. توفي رئيس المجلس الأسبق، طه عبد الحليم، مؤخرا إثر مرض وتقرر أنّ الانتخابات الجديدة ستُقام خلال 60 يوما. ازدادت التوترات عندما رفضت المحكمة العليا في الأسبوع الماضي التماسا لموظف كبير في المجلس، وهو علي زيدان، وذلك أنه لن يتمكن من الترشّح في الانتخابات لأنّه وفقا للقانون فقد كان عليه أن يستقيل قبل 90 يوما على الأقل من الانتخابات. ادعى زيدان أنّ هذا الطلب غير منطقي، حيث لم يكن بالإمكان أن يعرف مسبقا بأنّ رئيس المجلس سيتوفى.
وفي أعقاب عدم اليقين، اندلعت في يوم الأربعاء الماضي وأول أمس في كفرمندا شجارات جماعية. وبخلاف أم الفحم وإعبلين، لم يكن في كفرمندا استخدام للسلاح الناري وإنما استُخدمت فقط الألعاب النارية، المفرقعات، الحجارة والعصيّ. أصيب بعضهم إصابات طفيفة واعتُقل العشرات.
انتقل أعضاء الكنيست، رؤساء السلطات المحلية والشخصيات العامة من إعبلين إلى كفرمندا. مثل هذه الموجة القاتمة غير مألوفة في المجتمع العربي منذ سنوات، من دون ذكر الأحداث القليلة ومن بينها إطلاق النار على بعض البلدات في الجليل الأعلى والنقب والتي كانت في ظلّ الأحداث الشديدة. وقد انضمّ رئيس لجنة المتابعة العربية، محمد بركة، إلى انتقاد الحكومة والشرطة، ولكنه يدرك أيضًا المسؤولية الملقاة على عاتقه. “نحن في صدد أن نقود داخل المجتمع العربي حملة للقضاء على ظاهرة السلاح، والتي ستضع قواعد سلوك فعّالة للتعامل مع أسباب الإجرام في المجتمع العربي”، كما قال بركة، وأضاف قائلا: “في يوم الثلاثاء سنقيم اجتماعا مع المفتّش العامّ للشرطة من أجل مناقشة مسؤولية الشرطة عن توفير الأمن الشخصي والاجتماعي في البلدات العربية”.
الشعور الشائع اليوم في معظم البلدات العربية هو غياب الأمن الشخصي وانهيار القيم والمعايير، والتي ساهمت على مدى الأجيال في كبح مثل هذه الظواهر. ولذلك فالسؤال المطروح اليوم هو ليس كيف نمنع الحدث القادم، وإنما متى سيحدث وأين.
وقالت الشرطة الإسرائيلية ردا على ذلك: “الشرطة الإسرائيلية تعمل في السنوات الأخيرة بالتعاون مع وزارة الأمن الداخلي على توفير الاستجابة للاحتياجات الخاصة في المجتمع العربي، تقليص الجريمة وتعزيز الشعور بالأمن والثقة بالشرطة وبسيادة القانون في أوساط المواطنين، من بين أمور أخرى، من خلال الإنفاذ الصارم ضدّ منتهكي القانون. في هذه الأيام تُقام في شرطة إسرائيل إدارة حصرية لتعزيز الشرطة في الوسط العربي وتطوير وتقريب خدمات الشرطة في هذا الوسط. وعيّن وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان اللواء جمال حكروش ليترأسها ويكون اللواء المسلم الأول في تاريخ إسرائيل. ومن بين أهداف إقامة هذه الإدارة: التحسين، توسيع وتقريب خدمات الشرطة في الوسط العربي بما في ذلك إقامة مراكز شرطة جديدة، تعزيز نقاط ومراكز الشرطة الموجودة واستثمار الموارد في جمع السلاح غير القانوني.
تم نشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”