لم تكن السياسة، بالنسبة للإسرائيليين، منقطعة أبدًا عن الحياة اليومية على كافة الأصعدة، بما في ذلك الرياضة. وطبعًا، تُشكل كرة القدم جزءًا من الأمر، وكانت دومًا مرتبطة بالسياسة المحلية والعالمية. أقيمت فرق “هبوعيل” المختلفة التي نشطت وتنشط في أرجاء إسرائيل، على يد الحركة الإشتراكية الإسرائيلية، وليس صدفة أن لون زي فريق “هبوعيل” الأحمر مماثلا للعلم الاشتراكي. أٌقيمت فرق “مكابي” و “بيتار”، بشكل خاصّ، على يد الحركات اليمينية.
لا يزال جزء من الفروقات التاريخية هذه قائمًا حتى يومنا هذا إلى حد كبير. يُعتبر فريق بيتار القدس فريق كرة القدم المُفضّل لدى اليمين الإسرائيلي، ويُعرَف مشجعو الفريق بمواقفهم اليمينية هذه. وهو أيضًا الفريق المُفضّل لدى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وعضو الكنيست أفيغدور ليبرمان، اللذين يُشاهدا مباريات الفريق بين الحين والآخر، ولكن بالأساس في مواسم الإنتخابات.
في سنة 1929، حاول ممثلو الاتحاد الإسرائيلي إقامة منتخب وطني من أجل المشاركة في ألعاب المونديال الأولى
وقد عمل النظام الصهيوني، منذ عشرينيات القرن الماضي، على تعزيز الرياضة، وفي سنة 1928 أُقيم الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم الذي نشط ضمن إطار ألعاب الفيفا. في سنة 1929، حاول ممثلو الاتحاد الإسرائيلي إقامة منتخب وطني من أجل المشاركة في ألعاب المونديال الأولى، التي أُقيمت في الأوروغواي سنة 1930. ولكن سلطات الانتداب البريطاني، التي سيطرت على البلاد، قاطعت، في ذلك الوقت، منظمة الفيفا التي تأسست من قبل فرنسا، ولذلك لم يتمكن المنتخب من المشاركة في المونديال.
في شهر نيسان عام 1930، تأسس المنتخَب الأول لاتحاد كرة القدم، الذي نشط تحت رعاية الانتداب البريطاني وتكون من ستة لاعبين يهود، لاعب عربي واحد وتسعة لاعبين بريطانيين من فترة الانتداب. لعب المنتخَب ضد فرق محلية مصرية من القاهرة والإسكندرية وقد هُزم بنتيجة 0-5 و 0-2.
يعرف القليل من الأشخاص أنه بتاريخ 16 آذار عام 1934 قد أُقيمت مباراة بين المنتخب الإسرائيلي المكوّن من لاعبين يهود فقط وبين المُنتخب المصري
كما هو معلوم لدى الجميع، هناك معاهدة سلام منذ 36 سنة بين إسرائيل ومصر، ولكن القليل من المواطنين المصريين يجرؤون على دعم وتشجيع مباريات كرة القدم هذه بين المنتخب الإسرائيلي والمنتخب الوطني المصري، عَلَنًا، وذلك بسبب التحفظ العربي الذي لا لبس فيه على التطبيع بكل أشكاله. ولكن، يعرف القليل من الأشخاص أنه بتاريخ 16 آذار عام 1934 قد أُقيمت، وكجزء من المباريات الأولى لمونديال 1934، مباراة بين المنتخب الإسرائيلي المكوّن من لاعبين يهود فقط وبين المُنتخب المصري. لعب المنتخَب المصري، بقيادة النجم محمد مختار من فريق أرسنال القاهرة. في مباراة الإياب، التي أُقيمت في تل أبيب، فاز المصريون مرة أخرى 1-4.
لقد أدت الحقيقة أن إسرائيل تقع في الشرق الأوسط، وأنها مُحاطة بدول عربية ومسلمة، بها، تقريبًا، لتتأهل تلقائيًّا لمونديال عام 1958، وذلك بعد أن رفض منتخب تركيا، إندونيسيا، مصر والسودان المشاركة في مباراة ضدها.
كان من المفروض أن يمنح هذا الأمر إسرائيل المكان بشكل تلقائي في الدوري دون أن تشارك في أية مباريات أولية، ولكن الفيفا قررت أنه لا يمكن لمنتخب أن يتأهل دون أن يشارك في مباراة واحدة، وبحسب القرعة وقع الخيار على أن تتبارى إسرائيل ضد منتخب ويلز، والذي انهى الدوري كنائب في أحد البيوت الأوروبية.
كانت هذه سنوات الذروة بالنسبة لكرة القدم الإسرائيلية: الفوز بكأس آسيا عام 1964، التأهل لدوري كأس آسيا في طهران عام 1968، تأهل لربع نهائي الألعاب الأولمبية في العام ذاته وتأهل وحيد للمونديال عام 1970.
على ضوء الضغط العربي والدولي، والرفض المُستمر للعب ضد المُنتخب الإسرائيلي، في السبعينيات اتخذت الفيفا أحد أغرب القرارات في تاريخها عندما أمرت إسرائيل باللعب في مجموعة أوقيانوسيا، مع دول مثل أستراليا، نيوزيلاند وتايوان – التي تبعد آلاف الكيلومترات عن إسرائيل. تغيّرت هذه الحال في التسعينيات فقط، عندما تم قبول إسرائيل في الاتحاد الأوروبي.
امتعضت جهات إسرائيلية، في التسعينيات، لأن اللاعب العربي الموهوب نجوان غريب لا يُغني النشيد الوطني الإسرائيلي واعترف غريب أنه لا يعرف كلمات النشيد
وما عدا الضغوطات الدولية، عكس المُنتخب الإسرائيلي أيضًا تنوع المجتمع الإسرائيلي المُكون من عرب ويهود، وأيضًا بهذا الخصوص ظهرت ضغوطات وتوترات بين الحين والآخر. كان علي عُثمان، ابن قرية بيت صفافا، أول عربي يرتدي زي المُنتخب الإسرائيلي. ومن ثم جاء كثيرون ومميّزون بعده وكان من بينهم زاهي أرملي، من شفاعمرو، ووليد بدير من كفر قاسم، رفعت ترك؛ من يافا، الذي لعب مع المُنتخب في أولمبياد 1976، عباس سوان الذي أحرز هدف التعادل في الدقيقة الأخيرة في مباراة المُنتخب مع إيرلندا في الدور التمهيدي لمونديال عام 2006، وسليم طعمة ابن مدينة اللد.
إنما كما ذكرنا، أثارت مشاركة أولئك اللاعبين التوترات، لدى الفلسطينيين، الذين قالوا إنه يجب مقاطعة المُنتخب الوطني الإسرائيلي، وبين الإسرائيليين على حدِّ سواء. امتعضت جهات إسرائيلية، في التسعينيات، لأن اللاعب العربي الموهوب نجوان غريب لا يُغني النشيد الوطني الإسرائيلي واعترف غريب بذاته أنه لا يعرف كلمات النشيد.
واليوم، جبريل الرجوب هو الاسم اللامع في عالم كرة القدم الإسرائيلية والذي دفع قُدمًا كل مسألة الحرب الدبلوماسية ضد إسرائيل من خلال الرياضة، عندما دفع نحو خطوة فصل إسرائيل عن الفيفا. يدعي الرجوب أن إسرائيل تُميّز ضد اللاعبين الفلسطينيين، ولا تتيح لهم التحرك بين غزة والضفة الغربية، تُشرك فرقًا من المستوطنات ولا تعمل ضد عنصرية الجماهير.
سوف يُطرح اقتراح الرجوب لفصل إسرائيل للتصويت بعد أقل من أسبوعين، في 29 أيار. وصرّح الرجوب، هذا الأسبوع، لصحيفة “يديعوت أحرونوت” أنه سيُفكر بالتراجع عن هذه الخطوة إن استجابت إسرائيل لطلبات الفلسطينيين. على أي حال، يبدو أن الرياضة الإسرائيلية والسياسة، في الشرق الأوسط، ستبقيان متعلقتان ببعضهما لسنوات قادمة.