حتى من ليس لديه لقب أول في علوم التغذية يستطيع أن يعرف عن ظهر قلب أن الأطعمة الغنية بالدهن المشبع (مثل الزبدة، الجبنة، السمنة واللحم الأحمر)، هي نقيض التغذية السليمة تمامًا.
لقد علمتنا المعلومات الكثيرة التي تصل إلينا من كل مكان تقريبًا أن الدهن المشبع لا يزيد من احتمال السمنة الزائدة فحسب، بل يشكل خطرًا كبيرًا على الصحة ويرفع مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
لكنّ، يزعم مقال نُشر مؤخرًا في The Wall Street Journal، أن المعلومات التي توجه تغذيتنا في الستين سنة الأخيرة هي عمليًّا نتيجة تلاعب فذ لشخص واحد، نجح في إيقاع العالم كله في المصيدة.
البحث الذي أدى إلى جنون العالم
أجري في السنة الأخيرة بحث كبير، يُلقي بظلال من الشك على العلاقة ما بين الدهن المشبع وبين أمراض القلب. إذًا كيف نجحوا في جعلنا على مدى نصف قرن نفرّ من الدهن المشبع مثل فرارَنا من النّار؟
بدأ الدكتور بنجامين كيز(Dr. Benjamin Keys)، باحث في جامعة مينسوتا، ذو دافع كبير للنشر، بجولة إقناعية أن الدهن المشبع يرفع نسبة الكولسترول ولذلك يشكل سببًا رئيسيًّا لحدوث جلطات القلب. كان توقيته متكاملا، لأنه في ذات السنوات واجهت الولايات المتحدة ودولا غربية أخرى مشكلة ووباء جديد: أمراض القلب. تربعت المشكلة على كرسي “القاتل رقم واحد”، والتي اعتبرت في سنوات الخمسين نادرة، ولذلك لا عجب أن وقعت أمة كاملة في شبكِ نظرية د. كيز صاحب الشخصية الكاريزمية، التي وعدت بقتل القاتل بحمية سليمة.
إن بحث د. كيز الذي شمل 13,000 رجل ودُعي بـ “بحث الدول السبع”، أظهر أن أمراض القلب ليست نتيجة حتمية للتقدم في العمر، بل سببها تغذية غير سليمة، وفي قسطها الأكبر أغذية غنية بالدهنيات المشبعة.
إن القضية هي أن د. كيز قد أخلّ بعدة قواعد ينبغي عدم الإخلال بها خلال إجراء أبحاث من هذا النوع. من بينها، بدلا من أن يختار دولا اختيارًا عشوائيًّا كي يحصل على تمثيل موضوعي، فقد اختار عمدًا الدول ذات الاحتمال الأكبر لإثبات نظريته. فقط في 2002، فطن الباحثون إلى فحص الحقيقة من وراء ذلك البحث، لكن ذلك قد فات موعده، لأن استنتاجات بحث د. كيز أصبحت “الحقيقة” التي لا نُكران لها.
تغذية جديدة ورطات جديدة
إحدى النتائج الأكثر إشكالية في بحث د. كيز أنه منذ سنوات السبعين، في أعقاب تقليل الأغذية الغنية بالدهنيات، زاد العالم من استهلاك السكريات بحوالي 25% على الأقل، فيما قلت نسبة استهلاك الدهن المشبع بـ 11% بالمئة فقط. أي، بدلَ اللحم، البيض والجبنة، بتْنَا نأكل كثيرًا من المعكرونة، الحبوب والبطاطا.
إذاً ما المشكلة في هذا؟ بسيط جدًا- تتحوّل السكريات إلى دهنيات ويؤدي ارتفاع مستويات السكر في الدم إلى ارتفاع مستويات الإنسولين فيه، وهو هورمون من وظائفه تخزين الدهنيات. مشكلة أخرى تم العثور عليها: الفركتوز، وهو سكر الفواكه، يحفز الكبد على إنتاج دهنيات أخرى تسري في الدم.
إن الاستهلاك المفرِط للسكريات لا يشكل خطرًا على العالم بالسمنة الزائدة، فحسب، بل ويمكن أن يسبب مع الوقت أمراض السكري والقلب على أنواعها.
انضمت منظمة القلب الأمريكية حينها للتحذيرات النابعة من بحث د. كيز، وشجعت على استهلاك الدهنيات النباتية عوضًا عن الدهنيات الحيوانية. ولقد تبيّنت السلبيات الكبرى لهذا التغيير، الذي بدا فكرة جيدة في بدايته، حينما اكتُشف أن بعض الناس الذين استهلكوا كمية كبيرة من الدهنيات النباتية عانَوا من احتمالات أكبر للإصابة بالسرطان وحصى المرارة.
المطالبة ببحث جديد
لقد استُثمرت ملايين الدولارات لإثبات وتحقيق توصيات د. كيز، إِي نعمْ، لكنّ الحقائق الملموسة لم تُثبت أبدًا أن فرضيته صحيحة، بل على العكس، وبالإضافة للمخاطر التي حذر منها، ظهرت أمراض جديدة لم تكن سابقًا.
هذا المقال المنشور في وول ستريت جورنال، محيّر جدًا. من الصعب بمكانٍ أيضًا تقدير إلى أي مدى هذه المعلومات الجديدة وثيقة أو تُثبت العكس تمامًا ممّا ادعاه د. كيز لسنوات عديدة. الاستنتاج المطلوب أن هنالك حاجة لإجراء أبحاث جديدة متقدمة في الموضوع، وسريعًا.
تحذير: لا يشكل هذا المقال استشارة طبية، ويجب دائمًا استشارة الأطباء المختصين بشؤون التغذية والصحة!!!