كتيبة “السيف” الدرزية هي كتيبة مشاة منتظمة مثل باقي كتائب المشاة في الجيش الإسرائيلي من حيث التأهيل، التدريبات والمهام، إلا أن ما يميّزها، أن غالبيتها مُكوّن من مقاتلين وضباط من أبناء الطائفة الدرزية، وغالبًا تربطهم قرابة عائلية بل ومن نفس القرية. لا توجد كتائب عسكرية كثيرة في العالم، تُستخدم فيها عبارات مثل “أخوة في السلاح” و”أخوية المقاتلين”، وتطبق فعليا مثلما في هذه الكتيبة. ويتضح هذا في شرح ضباط الكتيبة حين يقولون إن الشخص الذي يحافظ عليك خلال قيامك بمهمة عسكرية هو عمليًّا أخوك ليس إلا.
إحدى الفرائض الأساسية في الدين الدرزي هي “حفظ الإخوان” ومعناها أن الدرزي ملزم بالحفاظ على أخيه، ومساعدة ابن شعبه ودينه لحظة المصيبة ولحظة القتال. هذه الفريضة تفسر تآخي المقاتلين الدروز ومعنوياتهم العالية.
في الآونة الأخيرة، توسعت هذه الكتيبة وأصبحت تضم مقاتلين من غير الدروز. كما تحوّلت هذه الكتيبة إلى كتيبة مميّزة في الجيش الإسرائيلي تضم فسيفساء بشري وتجسّد فكرة “بوتقة صهر” في إسرائيل، إذ يخدم في هذه الكتيبة جنود يهود، دروز وشركس جنبًا إلى جنب.
معلومات عن الدروز
لا يتجاوز عدد الدروز في العالم مليون ونصف المليون، ويعيش أغلبيتهم في سوريا، لبنان وإسرائيل. في نهاية عام 2013، وصل عدد الدروز في إسرائيل إلى نحو 134 ألف شخص.
الدين الدرزي هو دين سريّ، إذ إن أسسه معروفة فقط لعدد من الأشخاص من أبناء الطائفة. يطلق الدروز على دينهم “دين التوحيد” انطلاقًا من إيمانهم بأن الله واحد أحد لا إله إلا هو وهو الحاكم الفعلي والأزلي للكون.
ويطلق الدروز على أنفسهم “الموّحدون”، وتسميتهم “الدروز” جاءت عن طريق الخطأ، على اسم أحد ناشري هذه الديانة في بدايتها، نشكتين الدرزي، وهو من أصل فارسي.
وظهرت الديانة الدرزية ما بين عامي 1043-1017 في القاهرة. ويؤمن الدروز بالنبي شعيب، الذي عاش قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، دليلا على أن ديانتهم قائمة قبل فترة ظهورها في القاهرة. أما مؤسسو هذه الديانة، أنبياؤها، ناشروها ورُسلها فظهروا في العصور الوسطى في جميع أنحاء العالم.
في القرن الحادي عشر، أي خلال المراحل الأولى من نشأتها، تعرض مؤمنو هذه الديانة للمطاردة، وفي بعض الأحيان للعنف الشديد، خاصة في مصر، سوريا وإسرائيل.
متى تأسست الكتيبة ومن أين جاءت التسمية “السيف”؟
جرت العادة في الجيش الإسرائيلي تسمية العلاقة بين الطائفة الدرزية ودولة إسرائيل بـ “حلف الدماء”. بدايةً، بدأ هذا التحالف عام 1947، عندما قرر زعماء الطائفة الدرزية السماح لأبناء الطائفة بالتطوع في صفوف “الهاجانا”. أدى إخلاص أبناء الطائفة الدرزية التقليدي لسلطة الدولة التي يعيشون فيها إلى ارتفاع ملحوظ في عدد المتطوعين لحظة إعلان الاستقلال.
في عام 1948 أقيمت وحدة الأقليات، وفي عام 1956 بدأ التجنيد الإلزامي لأبناء الطائفة الدرزية.
في العام 1974 أقيمت كتيبة “السيف”، وفي نفس الفترة عُيِّن بنيامين (فؤاد) بن إليعازر ضابطًا لوحدة الأقليات، حيث أجرى تعديلات على تركيبة نشاطاتها. في إطار التغييرات في الكتيبة، تم نقل مركز الوحدة إلى الشمال كما تم أيضًا نقل المقاتلين المنظمين للخدمة في كتيبة جديدة، كتيبة “السيف”.
رمز الكتيبة يشمل السيفان. ثمة علاقة لاسم الكتيبة بالتقاليد الدرزية، والتي تولي احترامًا كبيرًا للالسيف، وهي الآلة التي حارب فيها المقاتلون الدروز في ميدان الحرب خلال عشرات السنين.
اليوم، فإن أغلبية قادة الكتيبة من الدروز. وعدد الضباط في صفوف الجيش الإسرائيلي آخذ بالازدياد طوال الوقت، ويعتبر عددهم كبيرًا مقارنة بعدد المواطنين الدروز.
يُشار إلى أن الجيش أتاح جميع الوحدات أمام المجنّدين الدروز علمًا بأنهم يخدمون في وحدات أخرى وليس في هذه الكتيبة فقط، إذ يمكن ملاحظة الخدمة من قبل الدروز في جميع وحدات الجيش، الرتب والقيادات، من الطيران، سلاح البحرية وغيرها.
العمليات العسكرية البارزة التي شاركت فيها الكتيبة
كانت المرة الأولى التي شارك فيها مقاتلو الكتيبة في الحرب خلال “عملية الليطاني”. ومن هناك شُقت الطريق نحو عمليات عسكرية في حرب لبنان الأولى. وفي الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987 أمسكت الكتيبة خلالها بنحو ألف مطلوب.
في العام 2001، وبعد خدمتها لفترة طويلة في منطقة قطاع غزة، عادت الكتيبة للخدمة على الحدود الشمالية. وفي حرب لبنان الثانية كانت هذه الكتيبة الأولى التي تمكّنت من عبور الحدود والقيام بعمليات عسكرية دون وقوع إصابات في صفوفها. وحصلت أيضًا على شهادة امتياز من قبل قائد المنطقة الشمالية تقديرًا لعملها خلال فترة الحرب.
تحمل الكتيبة تراث القتال منذ سنوات طويلة. كما حصلت على مدار السنين على شهادات امتياز، نظرًا لإظهار جنودها قدرات عالية.
كيف ينظرون في الطائفة الدرزية إلى هذه الكتيبة؟
يُشير النسيج الاجتماعي المميّز لدى أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل إلى أنه في حال قمنا بتفكيك شجرة العائلة في الكتيبة فنصل إلى ثلاث عائلات كبيرة: غنام، حلبي وفارس، بحيث أن جميعهم يعرف بعضهم بعضًا، الأمر الذي يحوّل الخدمة العسكرية إلى تجربة عائلية أكثر.
يدعم المجتمع الدرزي جنوده كثيرًا. إذ يقول الجنود الدروز إنه بعد ترقية أي جندي برتبة جديدة أو بعد نهاية كل عملية عسكرية يقومون بالتجوال بين القرى بهدف توطيد العلاقة بين الكتيبة والمجتمع. بل يجتمعون ويقومون بشي اللحوم معًا.
وإذا سألتم الجنود عن معنوياتهم حول الخدمة في الجيش؟ غالبًا ما تكون الإجابة “الدفاع عن البيت”. هذه المعنويات لا يهزها شيء حتى عندما يتواجد جنود هذه الكتيبة في حرب أمام عدو من نفس الطائفة، مثلما حصل في حرب لبنان الأخيرة.
يقول عدد من القادة في الكتيبة إن المعنويات العالية لدى كل من يخدم في هذه الكتيبة مصدرها القناعة الكاملة بأن ليس للدروز دولة أخرى. وأن المشاكل المعنوية التي تظهر ليس لها علاقة بالمنظومة العسكرية، وإنما بجودة الحياة مثل: مشاكل في البنى التحتية، عدم استكمال الدراسة الجامعية ، مشاكل في العمل وغيرها.
انتقادات موجّهة للكتيبة
يأتي مصدر النقد ضدّ الكتيبة من اتجاهين، الأول يتعلق في انخراط الدروز في المجتمع الإسرائيلي. إذ يدعي البعض أنه يجب تفكيك هذه الكتيبة والسماح بانخراط الدروز بشكل أوسع في باقي وحدات الجيش، الأمر الذي يسمح بانخراط أكبر وأوسع للدروز في الحياة المدنية في إسرائيل.
النقد الثاني فهو نقد سياسي – أيديولوجي، إذ هناك مجموعات صغيرة نسبيًّا في الطائفة الدرزية، ولأسباب وطنية قومية، تطالب رفض الخدمة الإلزامية في الجيش مدعية أن الدروز كالعرب لا يتعيّن عليهم الخدمة في الجيش وإنما عليهم اتخاذ موقف المحايد فيما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي.