في نهاية هذا الأسبوع، موضعت داعش نفسها باعتبارها التنظيم الإرهابي الأكثر ريادة في العالم. ليست مجرد خلافة إسلامية أكسبت نفسها سيطرة على أراضي سوريا والعراق، وإنما تنظيم يعمل في عدة قارات وفي الشهر الواحد يُسقط طائرة ركاب روسية ويكبّد فرنسا ضربة إرهابية هي الأقسى مما واجهته.
مثل القاعدة في “أيام مجدها”، ترغب داعش باهتمام إعلامي عالمي. ولكن ليس مثل القاعدة، التي تأسست برعاية دولة طالبان في أفغانستان، فإنّ داعش هي تنظيم ودولة أيضًا. أخطأت القاعدة عندما أطلقت عمليات 11.9. لقد اجتازت حدود التحمّل لدى الغرب، وجلبت على نفسها غضب القوة العظمى الأمريكية، التي خرجت ضدها في حرب وأبادتها تماما تقريبا.
هل أخطأت داعش أيضًا في عمليات 13.11 في باريس؟ هل اجتازت الحدود، وكانت عمليات باريس نقطة تحوّل في علاقة أوروبا مع الإرهاب وبداية نهاية داعش؟ يرى خبراء إسرائيليون أجريت معهم مقابلات خلال نهاية الأسبوع أنّ الأمور تبدو مختلفة في هذه المرحلة.
إنّ الأعمال الإرهابية الثلاثة الأخيرة وهي إسقاط الطائرة الروسية في سيناء، الهجمة الإرهابية في حيّ الضاحية في لبنان والأحداث الإرهابية المدمجة في باريس هي حملة انتقام وردع ضدّ أعداء الإرهاب السني، والتي تضفي عليها الهجمة في باريس للمرة الأولى بُعدا جديدا. حتى اليوم ركّز زعماء داعش، بخلاف خصومهم من القاعدة على الحروب في الشرق الأوسط، من خلال جهود إسقاط الأنظمة هناك وارتكاب المذابح الممنهجة ضدّ أعدائهم الشيعة. وعندما حدثت في الغرب أعمال إرهابية نُسبت إلى داعش بشكل غير مباشر، كانت تلك في الأساس عمليات لخلايا إرهابية منفردة عملت غالبا بمبادرة فردية وبإلهام روح جهاد الدولة الإسلامية.
هذه المرة، وربما هي الأولى، تعمل داعش كتنظيم جهاد عالمي، يضرب بشكل مخطّط له ومدروس أهدافا غربية. بالإضافة إلى تنفيذ العملية في سيناء، قتل أعضاؤها أكثر من 350 مواطنا أوروبيا خلال أقل من أسبوعين. نفذ العمليات الإرهابية القاسية السابقة على أرض فرنسا، والتي جرت في كانون الثاني في مكاتب الصحيفة الأسبوعية “شارلي ايبدو” وفي سوبر ماركت الحلال في باريس، أعضاء خلية صغيرة واحدة، عملت بتوجيه القاعدة، وأعربت عن تماهيها مع داعش.
ها هو الكابوس الكبير الذي خشيت منه أوروبا يتحقق للمرة الأولى أمام أعين سكان باريس المندهشة والمصدومة. استغلّ تنظيم الدولة الإسلامية موجة المهاجرين المتوافدة إلى أوروبا ليسرّب أعضاءه إلى داخلها. من بين الإرهابيين الثمانية الانتحاريين في باريس، عُثر على ثلاثة علامات تربطهم باللاجئين السوريين.
ومن المتوقع أن يمر الوعي الأوروبي في الأيام والأسابيع القادمة بهزّة. أصبح الشعور بالأمن في أوروبا هشّا. حتى أكثر مما كان سائدا بعد الهجمات التي نفذتها القاعدة في العقد الماضي. بل إنّ زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، دعا في الأيام الماضية داعش إلى توحيد القوى في الحرب ضدّ الغرب. ومن ثم، فحتى بعد أن تنتهي حملة الجنازات الحالية لن تستطيع أوروبا عامة وفرنسا خاصة أن تعودا إلى وضعهما الطبيعي.