بتشكيلة من تسعة قضاة، قرر قضاة المحكمة العليا اليوم بالإجماع أنه يجب إلغاء بند في تعديل قانون منع التسلل ينص على أنه يمكن إيقاف متسللين لفترة ثلاث سنوات دون محاكمة. ويهدف قانون منع التسلل، ولا سيما التعديل المذكور الذي صادقت عليه الكنيست عام 2012، إلى منح الحكومة وسائل للتعامل مع ظاهرة المتسللين من السودان وإريتريا، هذه الظاهرة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة.
وقررت المحكمة أنّ البند في القانون الذي يتيح الاحتفاظ بالمتسللين تحت الاحتجاز لقترة ثلاث سنوات ليس دستوريًّا، لأنه يناقض “قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته”. كذلك قررت المحكمة أنّ الدولة ستُمنح 90 يومًا لتدبّر أمورها وللتعامل مع المحتَجزين.
وتطرقت القاضية عدنة أربل إلى إلغاء البند وإلى المتسللين الـ 1750 المحتجَزين حاليًّا: “إنّ التعامل الإلزامي للمجتمع الإسرائيلي مع المتسللين الذين يعيشون داخله واقع مُعاش، لم يزد ولم ينقص بشكل ملحوظ منذ بدأ احتجاز المتسللين. ويبدو أنه لن يتغير بشكل ملحوظ بعد تطبيق قرار المحكمة هذا. يمكن أن تتغير حياة 1750 إنسانًا من سجن لا مخرج منه إلى خروج للحرية وأمل للمستقبل”. وأضافت أربل: “أفترض أنّ نتيجة هذا الحكم القضائي لن تكون سهلة على المواطنين الإسرائيليين، ولا سيما الذين يقطنون جنوب تل أبيب، الذين تبدو الضائقة التي تعكسها صرختهم نابعة من القلب ومثيرة للتعاطف والتفهّم بضرورة مساعدتهم على حلّ مشكلتهم”.
وتجمّع المتسللون الأفارقة الذين وصلوا إسرائيل عبر مصر في عدة مراكز في إسرائيل، غالبًا في أماكن كانت تعاني أصلًا من فقر وإجحاف، ظاهرتان ازدادتا مع وصول عشرات ألوف المتسلّلين. ورغم إكمال بناء الجدار الحدودي مع مصر، الذي منع بشكل كلي تقريبًا دخول سودانيين وإريتريين إضافيين، فبالنسبة إلى سكان جنوب تل أبيب، حيث يقطن أكبر عدد من المتسللين، لا تزال المشكلة قائمة.
فحسب تقديرات السلطات المختلفة، يقطن معظم المتسللين في تل أبيب – يافا (أكثر من 60 بالمئة) وإيلات (أكثر من 20 بالمئة)، والباقون في مدن أشدود، القدس، وعراد غالبَا. ويحظى سكان جنوب تل أبيب، الذين يتذمرون من زيادة نسبة الإجرام منذ وصول المتسللين، بأذن مصغية لدى أعضاء الكنيست اليمينيين، الذين أخذوا على عاتقهم معالجة ظاهرة التسلّل. وواحدة من هؤلاء هي النائب ميري ريغف، التي ردّت على قرار المحكمة العليا، قائلةً: “هذا قرار منفصل عمّا يجري على الأرض. إنه يوم حزين لسكّان جنوب تل أبيب. فقد حكمت المحكمة العليا عليهم بأن يعيشوا حياة خوف وشكّ. المحكمة العليا منحت في قرارها شهادة شرعية لظاهرة التسلل. كل جهود الدولة لمنع ازدياد تدفق المتسللين إلى البلاد تصبح بلا معنى على ضوء هذا القرار”.
بالمقابل، أثنت زعيمة المعارضة شيلي يحيموفتش، التي سبق وعارضت اقتراح القانون السابق، على قرار العليا، وتحدثت عن وظيفة محكمة العدل العليا بالحفاظ على الطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل: “تعود المحكمة العليا لتضع سقفًا أخلاقيًّا وطنيًّا واضحًا وصريحًا. فقانون المتسللين ناقض بعمق كون إسرائيل دولة ديمقراطية. على الدولة معالجة مشكلة الوضع القانوني للمهاجرين طلبًا للعمل واللاجئين بمسؤولية، عمق، وإنسانية – عبر أخذ ضائقة سكان أحياء جنوب تل أبيب في الاعتبار”.
وتوجّه القاضي دنتيسغر لسكّان الأحياء قائلًا: “سأتحدث عن تذمّر سكان أحياء جنوب تل أبيب … ضائقة سكان هذه الأحياء قاسية، مؤلمة، ولا تُطاق. صرختهم مدوية في قلوبنا، وألمهم هو ألمنا. مع ذلك، فإنّ حلّ ضائقتهم لا يمكن أن يكون، ولا يُسمَح بأن يكون، قانونًا يتيح احتجاز آلاف بني البشر – رجالًا، نساءً، وأطفالًا – في معتقَلات لفترة غير محدودة من الوقت، دون أن تجري إدانتهم بأي شيء، ودون إمكانية منظورة لطردهم”. وآثر رئيس المحكمة العليا آشر جرونيس التطرق إلى الجانب العملي لإلغاء البند والتعامل مع المتسللين، قائلًا: “موقفي هو أنّ حكمنا … صائب في هذا الوقت، وفي ظل الظروف القائمة. ويمكن لتغيير ملحوظ نحو الأسوأ في الظروف أن يبرّر فحص الموضوع قضائيًّا من جديد، إذا أقرت الكنيست مجدّدًا قانونًا مماثلًا. إضافةً إلى ذلك، فإنّ حكمنا يتطرق إلى قانون حدّد فترة ثلاث سنوات للاحتجاز. حتى في الظروف القائمة اليوم، لا مانع، حسب رأيي، من سنّ قانون جديد يتيح الاحتجاز لفترة تقلّ بشكل ملحوظ عن ثلاث سنوات”.
وأوجز وزير الداخلية جدعون ساعر، المسؤول عن معالجة قضية المتسللين: “يبدو لأول وهلة أنّ قرار المحكمة يمسّ بقدرة إسرائيل على التعامل مع تسلل غير شرعي إلى أراضيها. إسرائيل هي دولة قانون، ولذلك سندرس القرار لفحص طرق حماية مصالحنا القوميّة، بما في ذلك إمكان تشريع قانون بديل”.